»لا أري أي مانع في تطبيع العلاقات مع إسرائيل الأمر قد يكون مفيدا لمصالح السودان» جملة قالها وزير الاستثمار السوداني مبارك الفاضل المهدي خلال مقابلته مع احدي القنوات السودانية، لكنها لم تمر مرور الكرام، فكان لها ردود أفعال تخطت الحدود السودانية. الوزير السوداني قال أيضا »لا يوجد أي مشكلة في التطبيع مع إسرائيل»، وأن الفلسطينيين قاموا بتطبيع العلاقات معها، كما ادعي أن حركة حماس أيضا تجري حوارا مع إسرائيل، مضيفا »الفلسطينيون يحصلون علي أموال الضرائب من إسرائيل وكذلك الكهرباء، وأنهم يجلسون معها ويجرون حوارات معها». هذه التصريحات لم تكن الأولي من نوعها، لكنها الأكثر جرأة ووضوحا،وسط مخاوف من أن يكون ذلك بداية توجه جديد سيسلكه السودان. فقد سبقه قبل ذلك وزير الخارجية السوداني إبراهيم غندور نفسه في مناسبة مختلفة عندما قال إن التطبيع مع إسرائيل أمر قابل للدراسة مضيفا أن »السودان لا يرهن علاقاته مع دولة علي حساب أخري»، يومها برر البعض تصريحات د.ابراهيم الغندور بأنها محاولة جديدة من الخرطوم لخطب ود إدارة أوباما في سبيل تحسين العلاقات مع أمريكا والتمهيد لرفع العقوبات الاقتصادية المفروضة علي السودان منذ سنة 1997. تصريحات »غندور» حينها لاقت ردا كبيرا رافضا لكنها لم تكن بقوة الرفض التي لاقتها تصريحات وزير الاستثمار، التي تخطت رد الفعل المحلي إلي الخارجي. فتبني زعيم حزب الأمة القومي الصادق المهدي، قيادة حملة مع القوي السودانية للتوعية بمخاطر التطبيع مع إسرائيل، جاء ذلك بعد دعوة أطلقها ابن عمه مبارك الفاضل. ونفي الصادق المهدي خلال ندوة نظمها حزبه بعنوان »التطبيع مع إسرائيل بين المصالح الاستراتيجية والمواقف الراهنة»، ما سماه شبهة الدعوة للتطبيع مع الصهيونية. وأكد استقامة سلوك حزبه بتقديم الإستراتيجي علي التكتيكي في أمر العلاقة مع اسرائيل، مشيرا إلي مخاطر دعاوي التطبيع علي المبادئ والمصالح الوطنية وخطورة التنازل عن مبادئ مناهضة الظلم مقابل أجندة تكتيكية أو حزبية ضيقة. وأوضح المهدي أن الدول التي اقامت علاقات دبلوماسية مع اسرائيل فشلت في ان تنزل بها إلي علاقات مع الشعوب التي ظلت مناهضة لإسرائيل، كما في مصر والأردن. أما رئيس الحزب الناصري مصطفي محمود فأكد أن تكرار دعوات التطبيع يتطلب إحياء »الهيئة الوطنية لمناهضة التطبيع مع العدو الصهيوني» المكونة قبل مبادرة الحوار برئاسته وعضوية القوي المعارضة والحاكمة. كما رفضت هيئة علماء السودان الدعوة إلي التطبيع مع إسرائيل وقضت ببطلانها ونقلت وكالة الأنباء السودانية عن رئيس الهيئة، محمد عثمان صالح أن هذه الدعوة تتعارض »مع ثوابت الأمة الإسلامية ومؤتمر اللاءات الثلاث الذي عقد في الخرطوم عام 1967»، وأن »الدواعي للحفاظ علي هذه الروح الرافضة للاعتراف بإسرائيل لا تزال قائمة».. وعلي المستوي الرسمي فقد تبرأت الحكومة السودانية من هذه الدعوة التي صدرت من احد أعضائها، مشددة علي أن ما صدر عن مبارك الفاضل، يخصه وحده ولا يعبر عن موقفها الرسمي. قال نائب رئيس الوزراء ووزير الإعلام السوداني د.أحمد بلال إن موقف حكومته ثابت من التطبيع مع إسرائيل، وليس لدينا أية نية للتطبيع معها. وقال إن »الحكومة موقفها ثابت، وليس لدينا أيّة نيّة للتطبيع مع اسرائيل، وهذا غير وارد. وأضاف بلال »عقدنا مؤتمر حوار شارك فيه كل السودانيين وأحد قراراته عدم التطبيع مع إسرائيل». وأوضح وزير الإعلام السوداني »إن ما قاله فاضل المهدي رأي شخصيّ، ليس لنا كحكومة أية علاقة بهذا التصريح».. حتي عندما سئل »بلال» كيف يكون تصريح المهدي شخصيا وهو وزير في الحكومة؟ فقال »الحكومة مشكلة من أحزاب لها وجهات نظر، والفاضل المهدي ممثل لحزب الأمة فيها، وهذا رأي شخصي ليس أكثر، وأنه لو أن هذا التصريح صدر عن وزير من الحزب الحاكم لكان اعتبر موقفا يعبر عن الحكومة. وعلي الصعيد الخارجي هاجمت حركة حماس ما صدر عن الوزير السوداني وعبرت عن بالغ أسفها واستهجانها حيال هذه التصريحات التي وصفتها بأنها »تحريضية وعنصرية ضد شعبنا الفلسطيني وضد حماس كما طالب عضو اللجنة المركزية لحركة »فتح» الفلسطينية عباس زكي في تصريحات بطرد الوزير السوداني من الحكومة أو تقديمه اعتذارا رسميا لما صدر عنه. أما الجانب الإسرائيلي فجاء رده، مرحبا بهذه التصريحات فدعا وزير الاتصالات الإسرائيلي أيوب قرا، وزير الاستثمار السوداني إلي زيارة إسرائيل، وقال الوزير الإسرائيلي في تغريدة علي تويتر: »تسرني استضافته في إسرائيل لدفع عملية سياسية قدما في منطقتنا». برغم كل ردود الأفعال الرافضة لمسألة التطبيع إلا أن هناك تخوفات من أن تكون هذه التصريحات مقصودة وأنها »بالونة اختبار» لمعرفة رد فعل الشارع تجاه هذه الخطوة فالسودان له مواقف ثابتة من القضية الفلسطينية وإسرائيل فقمة »اللاءات الثلاثة» المعروفة بقمة الخرطوم عقدت في العاصمة السودانية في 29 أغسطس 1967 بعد هزيمة العرب علي يد إسرائيل في الحرب التي اندلعت في 5 يونيو من العام نفسه، وعرفت بالنكسة. وخرجت القمة العربية آنذاك بإصرار علي التمسك بالثوابت من خلال »لاءات ثلاثة»لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض مع العدو الصهيوني قبل أن يعود الحق لأصحابه. ودرج المسئولون في الحكومة السودانية علي التأكيد علي وقوفهم جنبًا لجنب مع الفلسطينيين في قضيتهم.