تدهشني الشخصية المصرية علي كل المستويات وفي كل الأحوال.. وتثير لدي عدة تساؤلات، لا أجد لها إجابة. كيف يستطيعون حشد بعضهم والتجمع بالآلاف بميدان التحرير والميادين الأخري علي مستوي الجمهورية، فيصل العدد إلي مليون؟ مرة للغضب ومرة للتطهير ومرة لمحاكمة الرئيس السابق ومرة للوفاء ومرة لمناصرة الشعب الفلسطيني؟ ثم نأتي عند مواجهة خطر يهدد الأمة كلها كالفتنة الطائفية.. فلا تجد أحدا، إلا من هؤلاء الذين يقفون في الميدان رافعين الإعلام.. يرددون الهتافات. إنه مولد يوم الجمعة.. ومكانه ميدان التحرير.. المنصة تنصب خلال ساعات.. الميكروفونات تعلق فوق اسطح المنازل وأعمدة الإنارة.. الإعلام التي يصل طولها عشرات الأمتار. حتي أن المولد لا يخلو من باعة الفول والطعمية والبذنجان والمشروبات الساقعة والساخنة، وبتاع اللب والسوداني والبطاطس الشيبسي والبسكويت والشيكولاتة للأطفال. يصعد علي المنصة علماء في الدين (الإسلامي والمسيحي).. سياسيين.. خبراء إقتصاد.. اعلاميين.. إئتلافات بالعشرات.. كل يدلو بدلوه.. يناضل.. يصرخ في الناس والشعب يهلل ويصفق، ويطرب أحيانا من معسول الكلام. فإذا انتهي مولد يوم الجمعة.. انتشر المصريون في ربوعها.. وهدأ من كادت حنجرته تنفجر من شدة الانفعال.. ذهب كل إلي داره .. ولم يبق إلا الحكايات والمخاطر. لماذا لم يستطع المصريون المجتمعون في الميدان تكوين حائط صد قبل حدوث الفتنة في إطفيح وإمبابة واحداث ماسبيرو.. أين كان حكماء العصر وهم كثيرون؟ أين كان رجال الدين المعتدل من رجال الازهر الشريف؟ أين السياسيون والمرشحون للحقبة السياسية القادمة؟ أين كان الشباب الذين وقف وراءهم الشعب المصري؟ كيف لا يستطيعون حشد انفسهم مرة أخري.. في يوم آخر غير يوم الجمعة وفي مكان آخر غير ميدان التحرير.. يقدمون الحلول والرؤي للمجلس العسكري الذي يحكم أو الحكومة التي تسير الأعمال؟ لماذا لا يصنعون من أنفسهم ناطقا أو متحدثا رسميا باسم الثورة الشعبية التي لا رأس لها حتي الآن. فإذا كان ميدان التحرير والميادين الأخري اتحدت علي كلمة واحدة.. فمن يقولها.. ومن يفرضها علي طاولة الحوار؟ ومن يستطيع تفعيلها؟ المسئوليات والأخطار التي تهدد مصر كثرت.. والثوار لا يجدون من يتحدث باسمهم. فإذا كانت الثورة بدأت بالشباب ثم التف حولها الشعب المصري فانها تحتاج إلي رأس.. أما أن تصبح بعد أكثر من مائة يوم مجرد كلمة وتجمع بشري بدون رأس وأقدام تقف عليها.. فهذا هو الخطر. أعجبني ظهور الإعلامي الكبير طارق حبيب في برنامج علي (النايل لايف).. فهو درس يستفيد منه الجيل الذي سيتحمل المسئولية.. أما الاستعانة بخبرته الواسعة فهي مكسب للتليفزيون المصري.. وأقول لشباب المذيعين: شاهدوا برامجه علي مدي ثلاثين عاما (أو تزيد) لتتعلموا كيف يصبح المذيع (كبيرا).