الواضح أن قضية التعاون الدولي لمكافحة الارهاب غير مطروحة في جدول أعمال الكونجرس الذي أصبح شغله الشاغل هو تصعيد المواجهة مع روسيا وإعادة أجواء الحرب الباردة وسباق التسلح. وحتي »بول راين»، رئيس مجلس النواب الأمريكي، يصف القرار الذي اتخذه النواب والشيوخ الامريكيون، بما يشبه الإجماع، بفرض عقوبات مشددة علي روسيا، بأنه »يوقع أكبر عقوبات في التاريخ»، الأمر الذي يكشف ليس فقط عن تدهور خطير في العلاقات الامريكية - الروسية وإنما عن خلافات مالية وتجارية وإستراتيجية عميقة بين الولاياتالمتحدة واوربا. كانت البداية عند أصحاب مشروع العقوبات الجديدة هي إيجاد وسيلة تكفل قطع الطريق علي الرئيس الامريكي دونالد ترامب حتي لا يفكر في يوم من الأيام في إلغاء أو تخفيف العقوبات علي روسيا، ثم تطورت الفكرة الي فرض هذه المجموعة من العقوبات الجديدة لضمان وصول العلاقات مع موسكو الي الحضيض وتجريد الرئيس الامريكي من إمكانية اختيار طريقة التعامل مع روسيا مستقبلا. غير ان هذه العقوبات أثارت غضبا أوربيا واسعا لأنها تتيح لواشنطن توقيع عقوبات علي شركات أوربية كبري تتعامل مع روسيا في مجال تطوير وصيانة وتحديث خطوط أنابيب نقل الطاقة من روسيا إلي اوربا، وتقوض شبكة بكاملها من هذه الخطوط الحيوية التي تنقل الغاز الروسي إلي الأسواق الأوربية، بل إن هذه العقوبات تدمر شركات أوربية كبري للطاقة، مثل »انجي» الفرنسية و »شل» الهولندية - البريطانية وشركة omv النمساوية وشركتي »ونترشل» و »يونيبر» الالمانيتين، اللتين تشاركان في مشروع السيل الشمالي - 2 لخط أنابيب في قاع بحر البلطيق، وكذلك مشروع نقل الغاز من حقل »شاه دنيز» في اذربيجان وخط السيل الروسي عبر تركيا. ويري كبير المستشارين الاقتصاديين للرئيس الروسي ان هذه العقوبات يمكن ان تعوق النمو الاقتصادي لروسيا لعشرات السنين القادمة، بينما يؤكد المسئولون الأوربيون ان كل المشروعات التي تتعلق بأمن الطاقة في اوربا تواجه شبح التوقف، وان امريكا تريد إرغام اوربا علي شراء الغاز الطبيعي المسال من الولاياتالمتحدة بأسعار باهظة بدلا من الغاز الروسي لخلق وظائف في صناعات البترول والغاز الامريكية. ويؤكد المسئولون في ألمانيا وفرنسا ان هذه العقوبات تتعارض مع القانون الدولي، لأن نطاقها الجغرافي يمتد الي خارج الأراضي الامريكية، وان العقوبات تحطم التحالف الدبلوماسي بين اوربا والولاياتالمتحدة، حيث إن قضية الطاقة مسئولية أوربية. كذلك يقول المسئولون الاوربيون ان العقوبات تمثل نموذجا صارخا لتطبيق شعار ترامب: »أمريكا.. أولا»، مما يعني ان أوربا تأتي في المؤخرة، كما ان قرار الكونجرس مثال فاضح علي الكيفية التي تخسر بها دولة ما.. أصدقاءها، وعلي الطريقة التي تستخدم بها العقوبات لترويج الغاز الامريكي وفتح اسواق جديدة في اوربا لتصدير كميات تصل الي حوالي ستين مليون طن سنويا. والآن يتوعد المسئولون الأوربيون باتخاذ خطوات مضادة للعقوبات الامريكية.. فهل سنشهد تصعيدا لهذا النزاع المرير، الذي يمكن ان يتحول الي حرب تجارية ويؤدي الي تدهور العلاقات بين اوربا والولاياتالمتحدة لأول مرة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية؟ كلمة السر: استقلال القرار الأوربي