لن يكتفي العلماء بمنافسة الشعراء علي القمر لكنهم سوف يتفوقون عليهم خلال العقود القريبة القادمة! واذا كان القرن العشرون قد شهد سباقا للوصول الي سطح القمر الذي اثار خيال الشعراء والعشاق، فإن حالة خاصة من العشق للحقيقة، والعطش الشديد للمعرفة سوف تجعل من القرن الحادي والعشرين لحظة تاريخية مواتية للعلماء، يحولون القمر خلالها الي منصة للانطلاق نحو الكون الفسيح، والتوسع بلا حدود في إنجاز كل احلامهم لرصد اسراره وتفاصيله بدقة غير مسبوقة. بعض الاحلام التي بدأ التخطيط لتحويلها الي واقع، لاسيما استخدام سطح القمر كقاعدة لاطلاق رحلات الي الكواكب البعيدة لن تكون الاهم، بل ان الاستثمار الامثل للقمر سيكون عبر بناء مراصد فلكية تتفوق ليس فقط علي اكبرها حجما واكثرها دقة من تلك المنصوبة علي سطح الارض، لكنها ستوجه ضربة ساحقة لافضل التلسكوبات الفضائية واغلاها كلفة. وربما تحيل المراصد القمرية مثيلتها علي الارض، فضلا عن التلسكوبات الفضائية الي التقاعد! ثمة طموحات بلا سقف - علي الاقل لانها تستشرف الفضاء - تحدو القائمين علي انجاز خطط المراصد القمرية، بعد دراسات اكدت ان بناء تلسكوب علي القمر قطره مائة سنتيمتر ستكون له القدرة علي تحقيق نتائج تتجاوز بكثير اكبر تلسكوب مشيد علي الارض. الاكثر اغرا"ء في الامر، انه عند نقطة زمنية لن تتأخر عن منتصف قرننا الحالي سيكون هناك درجة من الاكتفاء الذاتي للبناة علي سطح القمر في تشييد قواعدهم ومراصدهم ومركباتهم، اعتمادا علي المواد الخام القمرية، بل ان تلك الاخيرة تمتاز عن نظيراتها علي الأرض بتوفير درجات من المتانة والصلابة والقدرة علي المقاومة اكبر بكثير، مما يتيح مزايا غير مسبوقة لما يتم اقامته فوق سطح القمر من أجهزة وآلات! بالإضافة الي كل ما سبق فإن بناء المراصد القمرية يقدم للعلماء مزايا تنبع من خصوصيات يحوزها القمر دون الارض، لعل في مقدمتها عاملا بيئيا متعدد الاوجه: بداية من كونه مستقرا بما لا يقارن بحال الارض، فالزلازل القمرية ينجم عنها حركات علي سطح القمر مداها نحو واحد في المليار من المتر، مرورا بكون موقع القمر- بمحيطه الصافي- يتيح رؤية واضحة لجميع الاشعاعات المهمة فلكيا، وليس انتهاء بأن الوجه البعيد للقمر يقدم للعلماء فرصة ذهبية لدراسة موجات الراديو ذات التردد المنخفض، والتي يصعب رصدها من أي موقع سوي ذلك الوجه للقمر. كل هذه المزايا والاغراءات دفعت العلماء الي التطلع لمشروعات طموحة، تستهدف تحويل الاحلام الي واقع بطول المسافة بين الارض والقمر، لعل في مقدمتها التخطيط لمشروع يسعي لوضع مقياس تداخل بصري كبير علي سطح القمر يتفوق في قدراته علي تلسكوب هابل العملاق- في جانب من قدراته- بنحو عشرة آلاف ضعف، حتي أنه بإمكانه تمييز قطعة صغيرة من النقد المعدني علي الارض من مكمنه البعيد علي القمر! لا يعني ذلك ان كل التحديات المالية، والصعوبات التقنية قد تم تذليلها، لكن ما يمكن ان يتساقط من ثروة معلوماتية بشأن الكون من حولنا، وحتي دراسة بعض أسرار كوكبنا ذاته، سوف تمثل دافعا قويا لمواصلة الانجاز، وتحويله من خطط مسطورة الي واقع مثير يملأ ما بين السماء والأرض.