كان يوم الحادي عشر من سبتمبر سنة 2001 يوم ثلاثاء.. عرفت بما جري صباحاً في نيويورك هنا في القاهرة بعد الثالثة ظهراً. وكان موعدنا في فرح بوت مع نجيب محفوظ في السادسة بعد الظهر. وطوال الطريق من مدينة نصر إلي الجيزة كنت أتابع الأخبار عن طريق راديو السيارة. والاتصالات التليفونية. وهناك طلبنا من أصحاب المكان أن يوفروا لنا جهاز تليفزيون بأي طريقة كانت. وضعناه في مكان عال وجلسنا ننظر إليه ونحكي لنجيب محفوظ جمال الغيطاني وكاتب هذه السطور عن الهول الذي ما كان يمكن أن يصدقه أحد الذي يجري في مركز التجارة العالمي بنيويورك. وفي البنتاجون بواشنطن. أعترف الآن أنني كنت سعيداً. ها هي أمريكا تتذوق الدم الذي طالما دفعت البشر لتذوقه علي مدي سنوات طوال. فأمريكا بسبب بعدها الشديد عن الدنيا كلها شاركت في حروب وقتلت أبرياء وأسالت دماء وأسرت أسري. لكن لم تُطلق رصاصة واحدة فوق أرضها. لم يحدث هذا في الحرب العالمية الأولي ولا الثانية ولا حروبها في فيتنام أو أفغانستان أو العراق. لكن ها هي المرة الأولي التي يري المواطن الأمريكي الدمار في عقر داره وفي قلب مدينة هي العاصمة التجارية له. كان من بين المتهمين إسم محمد عطا. شاب مصري من محافظة الجيزة. عرفنا فيما بعد أن والده ووالدته يعيشان كل بمفرده في مدينة الجيزة. وأنه لعب دوراً أساسياً في عملية خطف الطائرات. ثم بدأ الحدث الضخم يصبح مثل جبل الثلج العائم لا نري منه إلا قمته فقط وتحت القمة كثير من التفاصيل التي عرفناها بعد ذلك. أسامة بن لادن لم يعترف علناً بأنه هو من دبر ضرب أمريكا في أيامه الأولي. لكن معظم العناصر التي ألقي القبض عليها كانت من رجاله. سعادتي الأولي حولتني بعد ذلك لحالة من المشاعر المرتبكة. سألت نفسي أليس القتل هو القتل؟ وسفك الدماء هو سفك الدماء؟ وإرسال بشر إلي الآخرة دون وجه حق عمل مجرم وجبان؟ ثم ألم يؤد هذا لتشويه صورة المسلمين وجعلهم مصدراً للتطرف والإرهاب علي مستوي العالم كله؟ ألم تكن هناك وسيلة أخري لمحاسبة الولاياتالمتحدةالأمريكية علي غزوها لأفغانستان ثم غزوها لاحقاً للعراق ثم دعمها المطلق للعدو الصهيوني لكي يفعل بالفلسطينيين الأهوال. والدعم المطلق الذي تقدمه أمريكا للأنظمة القمعية مضحية بالشعب العربي والشعوب الإسلامية ما دام الحكام وكلاء أعمال لها في المنطقة. حتي الآن كانت مشاعري مرتبكة ومتناقضة تجاه أسامة بن لادن. فلا أنا ضده ولا أنا معه. حتي الطريقة التي قُتِل بها. ظللنا ثلاثة أيام لا نسمع سوي الرواية الأمريكية فقط. ورأينا باراك أوباما يجلس وحوله أعضاء مجلس حربه يشاهدون علي الهواء مباشرة عملية قتل أسامة بن لادن. ذكرني المشهد بالحضارة الرومانية عندما كانوا يرمون إنساناً أمام أسد ويشاهدون بلذة ومتعة نادرتين عملية التهام الأسد للإنسان. وكأنهم يشاهدون مبارة في كرة القدم. في اليوم الثالث بدأنا نسمع الروايات الأخري. قالت ابنة أسامة بن لادن: أنهم ألقوا القبض عليه حياً وقتلوه أمام أعينهم. وبعض معاونيه أعلنوا أن الرجل كان يعاني من فشل كلوي. وعندما تعثرت عملية الغسيل مات. وقبض عليه الأمريكان ميتاً. ثم أطلقوا عليه الرصاص ميتاً وأعلنوا قتله باعتباره تذكرة عبور باراك أوباما لولاية ثانية بعد أن كان يتأرجح ولا أحد يعرف مصيره. وهناك من قال أن أسامة بن لادن حي يرزق ولم يصل إليه أحد. وفي القريب العاجل سنستمع لشريط بصوته يندد بالاستكبار الأمريكي ويتوعد فسطاط الكفار بأعمال جهادية كبري. أسامة بن لادن قصة طويلة توشك أن تكون القصة الأساسية في النصف الثاني من القرن العشرين. فجده امرؤ القيس وأمه ظنته بنتاً عند ولادته. وله 64 أخاً وهو وحيد أمه. تزوج 6 مرات وأنجب 20 ولداً وبنتاً. لكن رحيله يطرح كثير من الأسئلة البعض هنا يخصنا هنا في مصر. فالرجل الثاني في تنظيم القاعدة والذي كان يدير أمورها في العامين الآخيرين هو أيمن الظواهري. الطبيب ابن حي المعادي. جده لوالده هو ممدوح الظواهري شيخ الأزهر الأسبق. وجده لأمه هو عبد الرحمن باشا عزام أول أمين عام لجامعة الدول العربية. ومن المحتمل أن يكون أيمن أمير تنظيم القاعدة مستقبلاً. علماً بأن الأمريكان قالوا أنهم عثروا علي كنز من المعلومات في بيت أسامة بن لادن سيقودهم لأيمن الظواهري الذي قد ينتظر مصير مماثل لمصير أسامة بن لادن. كان في مصر أيضاً وكما كتب عماد فواز في جريدة الجريدة الكويتية أن الدكتور رمزي موافي، أحد أقرب مساعدي زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن وطبيبه الخاص كان موقوفاً في مصر منذ أربعة أعوام، وقد فر من سجن وادي النطرون يوم 30 يناير الماضي، ضمن حالات الهروب التي نتجت عن اقتحام المعتقل وفرار جميع السجناء السياسيين والجنائيين منه، أثناء أحداث ثورة يناير، ولم يتم العثور عليه، في حين رجحت المصادر هروبه خارج البلاد. ذكر كاتب الخبر أن الدكتور رمزي موافي أو الدكتور كيماوي كما كان يطلق عليه بن لادن، كان المسؤول الأول عن تصنيع الأسلحة الكيماوية في التنظيم قبل خمسة أعوام، وكان أيضاً الطبيب الشخصي لزعيم القاعدة، وقد أوقف في مصر في مايو 2007 وحكم عليه بالسجن 31 عاماً، لإدانته بالانضمام إلي تنظيم "الجهاد" المحظور وأيضاً إلي تنظيم القاعدة ورفضه التوقيع علي مراجعات "الجهاد" التي أطلقها سيد إمام. وعقب سقوطه في قبضة الأمن، اعتبر موافي المرجع الأول لسلطات الأمن المصرية لمعرفة تفاصيل حول تشكيل تنظيم القاعدة، وحول مدي صحة تسجيلات التنظيم التي تبث بين الحين والآخر بصوت بن لادن أو مساعده الأيمن أيمن الظواهري. ونظراً لتشدده وعناده وإصراره علي أفكاره ومواقفه التنظيمية أودع في سجن أبو زعبل الشديد الحراسة في زنزانة منفردة منذ تاريخ توقيفه حتي أول فبراير عام 2010 حين نُقِل إلي معتقل وادي النطرون الشديد الحراسة في زنزانة منفردة حتي فراره. وفي زحام ثورة يناير وتطوراتها وما جري للأمن المصري ربما لم يدركوا حتي الآن هروبه.