نحتاج الجيش كضامن لسلامة الدولة، ونحتاج التمهل في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية .. اخذت من قبل علي الاستاذ محمد البرادعي تعدد اسفاره، وتعامله من بعيد مع المجتمع ، الا انني أرصد تغيرا في مساره، ويسعدني أن اقرأ له يوميا ما يصرح به، مؤخرا قرأت تصريحات للاستاذ محمد البرادعي تتفق مع ما أدعو اليه منذ ان طرحت التعديلات الدستورية، خاصة الفكرة القائلة بتأجيل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية وعدم التعجل فيها، حتي يتم نضج وتبلور القوي التي مهدت للثورة وأمدتها بأسباب النجاح، وهذه القوي لها خصوصية لم تعرفها الثورات الانسانية من قبل، فلم يكن لها اطار واضح، ولا حزب منظم يشبه الوفد الذي قاد ثورة 9191، ولم يكن لثورة يناير زعامة كاريزمية تؤجج مسارها، كما تجسد ذلك من قبل في سعد زغلول وعبدالناصر. جاءت الثورة من الواقع الافتراضي وعادت إليه مرة اخري بعد ان تجسد هذا الواقع الافتراضي لأيام معدودات في الميدان، وأنتبه العالم إلي الامكانية الجديدة التي ابدعها المصريون، ولكن القوي الخلاقة من شباب الوطن سرعان ما تلاشت وظهر نفر يدعي القيادة، وانتهازيون يسعون لقطف الثمار، وقوي كانت مختفية في المجتمع الذي ينخره الفساد والخراب، والآن بعد ثلاثة شهور من انتصار الثورة وخلع رأس النظام يبدو الآتي أكثر ضبابية والمستقبل غامضا، ولم يتبق من الدولة المصرية الا الجيش الذي حال دون سقوطها وانتشار الفوضي، وبعض من قضاء، الآن توجد كل اسباب الفوضي التي أعرفها جيدا عندما تنهار الدولة وتختفي، حدث ذلك في تاريخنا بعد الأسرة السادسة عقب سقوط الدولة القديمة التي عرفت بناة الاهرامات، ثم في عصور الاحتلال الفارسي والروماني واقربها الينا العثماني، كان قطع الطرقات وتوقف المواصلات أولي علامات انهيار الدولة ويظهر هذا بين الحين والآخر والاخطر ذلك الذي جري في قنا من قطع السكة الحديد والذي لم يواجه بما يجب من جانب الحكومة الضعيفة الحالية. الفوضي التي يمكن ان تعم في حالة غياب قوي تنظيم اوضاع المجتمع في لحظات التغيير الكبري، لقد حال الجيش المصري بموقفه المتسق مع تكوينه وعقيدته القتالية دون سقوط الدولة وسريان الفوضي، قام بدوره في لحظات التغيير وأسهم بدور رئيسي في خلع رأس النظام مجسدا ارادة الشعب. لكن الجيش المصري له دور آخر يجب ان يتفرغ له، حماية حدود البلاد في منطقة ملتهبة بالصراعات ومليئة بالقوي والمخططات التي تستهدف تقسيم الاوطان، وبقدر ما اتمني عودة الجيش الي دوره الاصلي، بقدر ما اتمني قيامه بدور الضامن لسلامة ما تبقي من الدولة، ولحماية الدستور الذي يجب ان يتضمن من المواد ما يحول دون ظهور دكتاتور آخر، وأن ينص صراحة علي ضرورة تدخل الجيش اذا شرع الرئيس القادم في تغيير إحدي مواد الدستور الذي سيقره الشعب كما هو الوضع في تركيا. أعرف ان الجيش ممثل في المجلس العسكري راغب في العودة إلي الثكنات بسرعة، ولكن الاوضاع الحالية في البلاد تقتضي التأني في انتخابات الرئاسة وايضا الانتخابات البرلمانية، خاصة بعد ظهور الجماعات السلفية المدعومة من الانظمة العربية التي تخشي اثار وتداعيات الثورة وأخص هنا المملكة العربية السعودية، كما ذكرت من قبل، هناك مظاهر مزعجة وخطيرة في الواقع، منها محاولة تفجير أزمة طائفية قد تصل إلي حد الاقتتال وظهور مطالب تتجاوز المشاكل المحلية الي خطر التفكك، واللجوء إلي قطع خطوط المواصلات ورفع الاعلام الاجنبية من العلامات التي يجب الا ندعها تمر، ان ما نستخف به الآن قد يصبح النصل الذي يمزق الوطن، المشكلة ان الثورة اوجدت طاقة روحية هائلة تشبه تلك التي اعقبت ثورة 9191، هذه الطاقة كان يجب ان تدار بوعي، ولكن غياب اطار وقيادة واضحة للثورة افسح الطريق لقوي متخلفة تفرض هيمنتها الآن علي بعض مناطق مصر، وتتجه بعدوانية إلي الأقباط بينما إحدي أهم مؤسسات الدولة ما تزال شبه غائبة، اعني الشرطة والقوي التي فجرت الثورة يدب بينها الخلاف، واليسار التقليدي اختفي تقريبا. ان مصر تواجه المجهول بينما المافيا القديمة المرتبطة بمصالح النظام السابق ماتزال نشطة وتعمل بدأب لدفع البلاد الي الخراب. نحتاج إلي الجيش كضامن للدولة لفترة محددة، وبدلا من انتخاب رئيس يقترب من الثمانين وكان عضوا رئيسيا في النظام السابق، أو وجها غامضا أو مغامر يمكن ان تدار البلاد بمجلس رئاسي من ثلاثة، احد الاعضاء من الجيش والاخران من حكماء مصر، وانني أري اسماء عديدة، والحكماء الذين أعنيهم ليس بالضرورة ان تكون اعمارهم فوق الثمانين، فثمة شباب عرفته خلال الفترة الماضية تتوفر له الخطط الحديثة والرؤية المتكاملة، اتصور ان تكون مدة هذا المجلس عامين والا تزيد عن ثلاثة اذا احتاجت الظروف خلال هذه الفترة يتم تهيئة المجتمع لظهور قوي سياسية جديدة، وقادة جدد وما اتمناه وأصر عليه ان يجيء الرئيس القادم المنتخب من شباب الثورة او ممن يحملون رؤيتها فعلا مسألة السن هنا رمزية، مصر لابد ان تتجدد.. ولن يتم هذا الا بشبابها.. لعلي أوضحت. سوق الفسطاط الاربعاء: كانت منطقة الفسطاط ومار جرجس منذ أعوام قليلة قريبة مثيرة للحذر والشعور بالوحشة، رغم قربها وثرائها التاريخي والرمزي بالنسبة لمصر، لعلها المنطقة الوحيدة في العالم التي تضم أول مسجد انشيء في القارة الافريقية، وأقدم كنيسة وأقدم معبد يهودي وآثارا مصرية قديمة، انها مجمع اديان، وأتمني من الصديق منير فخري عبدالنور تسويق المنطقة من هذا المنطلق وتسليط الضوء علي خصوصية هذه الآثار الحية فما تزال مستخدمة حتي الآن، رغم قرب المنطقة من النيل ومن المذبح ومن زينهم والسيدة زينب، أكثر الاحياء الشعبية كثافة، فقد كان اسم »مارجرجس« يثير الاحساس بالبعد القصي والنفي، ظل هذا الاحساس الذي مصدره غربة المكان حتي اقدم الدكتور ممدوح البلتاجي علي تنفيذ مشروع لعله الأهم بالاضافة إلي مشروع شارع المعز الذي تم في فترة فاروق حسني، تعاونت وزارة السياحة مع محافظة القاهرة - فترة الدكتور عبدالرحيم شحاتة - لإحياء المنطقة في مشروع متكامل، وتم تكليف المعمارية العبقرية الدكتورة مني زكريا لتصميم وبناء المنشآت المستجدة في فراغات المكان، هكذا صاغت السوق ومبني المطافيء وقسم الشرطة ومحطة الحافلات، درست كل العناصر المعمارية في اقدم اجزاء القاهرة، وتشربت روحها وشيدت هذه المباني التي يقوم بينها مبني سوق الفسطاط الذي لا يتعدي عمره الآن خمسة عشر عاما، غير اننا نراه فنظنه اثارا قديما، وكان من المفروض ان يضم مطعما ومقهي ومعارض تقدم المنتجات التقليدية من سائر أنحاء مصر، ويضم السوق منتجات فريدة من اخميم ومن المناطق الصحراوية البدوية والموروث الشعبي، منذ سنوات اتابع بحسرة الاهمال الذي لحق بعمارة المكان والصمت المخيم علي المقهي والمطعم، ولولا وجود معارض اصحابها يبذلون العناية القصوي للحفاظ عليها لخلا البناء الجميل البديع، الامر يرجع الي سببين الاول خروج الدكتور ممدوح من الوزارة والدكتور عبدالرحيم شحاتة. هنا تتدخل الخاصية المصرية السيئة، محو كل ما ينسب الي الماضي وتشويهه وتجريح من قاموا به رغم فائدة ما تم، ونحن الآن نشهد امثلة مستنيرة علي ذلك سأذكر أبرزها في موضع آخر، بدأ السوق سواء كان مبني او معارض يعاني الاهمال. وزاد الطين بلة الوضع الامني، ثمة حاجز للشرطة عند المدخل المؤدي إلي الكنيسة المعلقة، غير مسموح للعربات السياحية التوقف ما قبله، وبذلك خرج السوق من النطاق المسموح به، يجئ السياح ويذهبون دون المرور به، والتعامل الأساسي للمعارض مع السياح، لذلك اتمني من الوزير منير فخري عبدالنور حل هذه المشكلة، وأدعوه الي زيارة المكان وانني علي استعداد لمرافقته، وتقديم افكاري حول جعله مزارا عالميا، اما الامر العاجل فهو حماية مبني السوق الذي صممته الدكتورة مني زكريا، متمنيا الا يلقي مصير قرية حسن فتحي في الاقصر. موسيقي الثورة الثلاثاء: رغم ثراء الابحاث في الندوة التي نظمتها لجنة التاريخ بالمجلس الاعلي للثقافة إلا ان ما تم ابداعه خلال الثورة محدود جدا، وفقير، ولم تخرج اغنية بعد او نشيد يلمس الجموع الكبيرة، أو يعبر عن روح الثورة، انتجت ثورة 9191 نشيد »بلادي.. بلادي« ومازلنا نلجأ اليه للتعبير عن مشاعرنا في اللحظات الكبري، وظهر بعد ثورة يوليو عشرات من الاعمال الفنية المعبرة عن المشاعر الدفينة، في الابحاث المقدمة اجتهادات عديدة، اتوقف عند مقال مهم لاستاذة مشاركة نشر في ،الهلال الصادرة اول أبريل الماضي للدكتورة ياسمين فراج عن موسيقي وهتافات ثورة 52 يناير خاصة في ميدان التحرير الذي شهد مولد العديد من المحاولات الفنية، تتوقف الباحثة امام انغام الهتافات، منها القصيرة، ومنها الطويلة التي تشبه القصائد: اهم هتافات النوع الاول جاءنا من تونس »الشعب يريد اسقاط بن علي« اصبح في مصر »الشعب يريد اسقاط النظام« ثم انتقل إلي اقطار عربية اخري مع تغييرات بسيطة في النطق، جاء علي نغمتين، الاولي من نغمة »ري.. صول« والثانية من نغمة »العمودي الصغير« اي انهما نغمتان غير متتابعتين بينهما فراغ يوحي بالقفزة السريعة التي توحي بالحماس، تحلل الدكتورة هتافات اخري منها »الحرية والرغيف مطلب كل مصري شريف« و»ثورة ثورة يا كرام حتي يسقط النظام« و»يا حرية فينك فينك امن الدولة بينا وبينك« اما الهتافات القصيرة جدا مثل »سلمية.. سلمية« أو »ارحل« فكانت علي نغمة صول. اما الهتافات الساخرة فمنها القصائد المطولة مثل. هيلا هبة هيلا هبة اصحوا يا للي تحت القبة تحت القبة رجال اعمال واحنا شباب فك الاعمال احنا شباب الانترنت احنا شباب الواد والبت تقول د. ياسمين فراج ان هتافات الثورة واناشيدها تثبت ان الشعب المصري فنان مبدع بالفطرة، هذا صحيح ولكن النشيد المعبر عن الثورة مازال غائبا. قال ابن عطاء الله السكندري لا تَرتحلّ مِنْ كَوْنٍ إلي كَوْنٍ فتكون كَحِمار الرَّحي يَسِيْرُ والذي ارتحل إليه هو الذي إرْتحل منْهُ ولكن ارحل من الأكوان إلي المكوِّن قرآن كريم »وأنَّ إلي رَبِّكَ المُنتهي«