نعم لقد مكروا »وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال« (إبراهيم 64) مكروا ليجعلوا مجلس الشعب في دورته الأخيرة خاليا من أي صوت معارض أو حتي مستقل.. فدبروا وأحكموا التدبير، ولم يتركوا شاردة ولا واردة إلا وعملوا لها حسابا، فأتقنوا عملية التزوير بدرجة امتياز.. وكان لهم ما أرادوا.. وقد كان هذا الاتقان الذي هللوا له وتباهوا به هو القشة التي قصمت ظهر البعير.. أيقنت جموع الشعب أنه لا فائدة ترجي من هذا النظام الذي أدمن تزوير إرادة الشعب وتلاعب بها، غير عابيء بعواقبها القريبة والبعيدة.. نعم كانت هذه الانتخابات التي أسكرتهم نشوة اتقانها، فجاءت مطابقة تماما لما خططوا له.. كانت هي القشة التي قصمت ظهر البعير.. وجعلت من الانفجار الثوري حتمية لا مناص منها. لو علموا أن هذه الانتخابات ستكون وبالا عليهم، وستطيح بهم وتقتلعهم من مواقعهم الحصينة، أو التي كانت حصينة، لما رغبوا في اتقانها علي هذا النحو الفج الصارخ، ولسمحوا ولو لعدد قليل من المعارضين والمستقلين أن يفوزوا بمقاعد في المجلس.. وإذن لأبقوا علي كراسيهم حتي حين، أو كما يقولون حتي إشعار آخر. ولكن إرادة الله النافذة طمست أعينهم وأعمت بصائرهم.. أسكرتهم نشوة النصر المزعوم فلم يهنأوا طويلا بما حققوه، وكما يقول رب العالمين »ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين« الأنفال 03. وحين قامت الثورة فعلوا كل ما يمكن أن يفعلوه لاجهاضها والقضاء عليها.. أغلقوا الهواتف المحمولة، وأغلقوا الإنترنت، واستخدموا الرصاص المطاطي والحي، فقتلوا من قتلوا، واقتلعوا أعين الكثيرين من المتظاهرين برصاصهم المطاطي، وأصابوا من اصابوا بجروح وكسور، واستخدموا القنابل المسيلة للدموع وخراطيم المياه لتفريق المعتصمين بالميدان، واستخدموا السيارات المصفحة لدهسهم، واستخدموا القناصة من فوق أسطح المنازل فنشنوا علي أعين الناس. لم يتركوا شيئا إلا واستخدموه.. بل ولم يستحوا من استخدام أدوات العصور الوسطي. الجمال والبغال والحمير.. فماذا جنوا من كل هذا إلا لعنة الله والملائكة والناس اجمعين. لو أنهم لم يبلغوا هذا القدر من الفجور السافر لربما لم تقم ثورة.. ولكنهم امعنوا في الاستهتار وعدم المبالاة، واحتقار الناس والازدراء بهم، والله كان من ورائهم محيطا.. أقول أعمي الله بصائرهم ليأخذهم بذنبهم فلم يروا الأمور علي حقيقتها، ولم يتمتعوا بشيء من المرونة والتجاوب مع مشاعر الناس الغاضبة.. وإلا لكان من الممكن احتواء هذه المشاعر ودغدغتها بشيء قليل من التنازلات في البداية، ولكنهم كانوا كالصخر لا ينفذ منه الماء.. لم يخرج أي تصريح.. ولم يقدموا أي شيء علي امتداد أربعة أيام كاملة »ولا حس ولا خبر« وكأن شيئا لم يكن، في انتظار أن تفرق الشرطة جموع المحتشدين في ميدان التحرير، وفي غيره من الأماكن في ربوع البلاد، باستخدام القسوة المفرطة وقلة الضمير وانعدام الخوف من الله، فخاب فألهم، وزادت وحشيتهم النار اشتعالا، وحق عليهم قول العليم الخبير »فأغشيناهم فهم لا يبصرون«، يس9.. هم خسروا الدنيا والآخرة، واجرامهم سيحيق بهم« سيصيب الذين اجرموا صغار عند الله وعذاب شديد بما كانوا يمكرون »الأنعام 421«.