قبل نحو عامين ضربت المقاتلات المصرية معاقل للإرهابيين في مدينة درنة شرق ليبيا، ردا علي قيام تنظيم داعش الإرهابي بذبح 21 مواطنا مصريا، ويوم أول أمس الجمعة كانت الضربة الثانية التي استهدفت تجمعات للإرهابيين بنفس المدينة، بعد استهداف مسلحي التنظيم لحافلة تقل أقباطا في المنيا. التطابق بين المشهدين وإن كان ظاهرا في أن المستهدفين مصريون أقباط، والمنفذ تنظيم داعش الإرهابي، ورد الفعل توجيه ضربات جوية بمدينة درنة الليبية، ولكن الاختلاف هذه المرة أن الضربة جاءت مصحوبة برسالة تحذيرية أطلقتها مصر، مؤداها أنها لن تجد أدني مشكلة في استهداف تجمعات الإرهابيين ومعسكرات تدريبهم خارج مصر. توقع الخبير العسكري اللواء جمال مظلوم أن يعقب تلك الضربة ضربات أخري لردع كل من تسول له نفسه الاقتراب من الأراضي المصرية. وقال مظلوم:»هذه الرسالة كانت واضحة في كلمة الرئيس، وهي نقطة الاختلاف الرئيسية بين الضربة الأولي والثانية». وجاءت الضربة الثانية عقب القمة العربية الإسلامية الأمريكية لتحمل دلالة أخري يشير إليها مظلوم، وهي أنها جاءت ترجمة لما ذهب إليه الرئيس السيسي في كلمته بالقمة. وحول محاولة البعض استغلال تلك الضربات للقول أن مصر غيرت من سياستها الثابتة وهي ألا تعتدي علي الغير، قال مظلوم: »هذا ليس عدوانا، لأنه تم بالتنسيق مع الجانب الليبي، واعتقد انه في حال توجيهها لاحقا لمعسكرات في دول أخري، سيتم ذلك بالتنسيق أيضا». ويركز الخبير العسكري اللواء محمد علي بلال علي جانب آخر في الفرق بين الضربة العسكرية الأولي والثانية، وهي ردة الفعل الدولية. وقال بلال: » في الضربة الأولي تباينت ردود الأفعال الدولية بين من وافق وشجب وعاتب، ولكن في الضربة الثانية لم تستقبل مصر أي ردود فعل رافضة، لأنها جاءت في سياق مختلف». وجاءت الضربة الثانية في أعقاب المؤتمر العربي الاسلامي الأمريكي في السعودية، والذي أعلنت فيه الدول المشاركة تضامنها في مكافحة الإرهاب، لتكون بمثابة اختبار لجدية دول العالم وفي مقدمتها أمريكا، بحسب بلال. ولم تستقبل مصر أي ردود فعل رافضة للضربة، وركزت كل البيانات الصادرة من الدول علي إدانة الحادث الإرهابي، دون التطرق لرد الفعل المصري، بما يحمل في رأيه رسالة ضمنية علي تأييد ما ذهبت إليه مصر. وأشار بلال إلي أن مصر أثبتت بهذه الضربة قدرتها علي الحركة والضرب خارج حدودها دون خوف أو تردد. وإذا كان الخبيران العسكريان قد أكدا علي أن مصر نسقت مع ليبيا قبل توجيه الضربة العسكرية، فإن استاذ القانون الدولي العام د.أيمن سلامة، أكد علي أن فقهاء القانون الدولي أعطوا للدول الحق في استهداف التنظيمات الإرهابية التي تشكل خطرا عليها، حتي ولو لم تحصل علي موافقة. وبالرغم من أن ميثاق الأممالمتحدة وقواعد القانون الدولي العام تقيد وتضيق من حق الدول في اللجوء إلي القوة المسلحة والتهديد بها خارج إطار إجراءات الأمن الجماعي التي يرخص بها مجلس الأمن، وفقا للمادة السابعة من ميثاق الأممالمتحدة. وبالرغم من اشتراط المادة 51 من ميثاق الأممالمتحدة أن يكون العدوان الواقع علي دولة مصدره دولة أخري وليس جماعة أو تنظيما، حتي تستخدم حق الدفاع عن النفس، إلا أن فقهاء القانون الدولي وبعد أن أضحت التنظيمات الإرهابية أشد خطرا من الدول، أجازوا للدول توجيه ضربات خارج حدودها للتنظيمات الإرهابية، كما يؤكد سلامة. وأشار سلامة إلي اشتراط الفقهاء تحقق شرطين في تلك الضربات، أحدها هو »حالة الضرورة»، وتعني أن تكون الضربة ضرورية من أجل حماية الدولة والدفاع عنها، والثاني هو »التناسب» ويعني أن يكون فعل الدفاع متناسبا مع فعل العدوان الإرهابي.