حتى الأطفال لم يسلموا من جرائم القذافى فى مصراته الشئ الأكيد في مقاطع الفيديو و الصور الواردة من مدينة مصراته الواقعة علي بعد 200كم شرق العاصمة الليبية طرابلس, هو أن الكتائب الأمنية التابعة للقذافي ترتكب بحق سكانها جرائم ضد الإنسانية لم تحدث في أكثر الحروب قذارة,فالمدينة محاصرة من كل الإتجاهات و لا مجال لدخول طعام أو شراب أو دواء إلا من خلال مرفئها البحري الذي يقاتل الثوار للسيطرة عليه فيتحقق لهم ذلك حينا و لا يتحقق أحيانا أخري,و بينما دبابات القذافي و راجمات صواريخه تدك منازل المدينة بلا رحمة,ينتشر قناصة علي أسطح عدد من المباني لإطلاق النار علي أي جسم يتحرك دون تمييز بين طفل و امرأة و شيخ,فيما الشوارع تغص بجثث لا تجد من يبحث عنها ليواريها الثري. الأسبوع الماضي حاولنا دخول المدينة من خلال احدمراكب الصيد التي تبحر من وقت لآخر محملة بالطعام و الأدوية من ميناء بني غازي,لعلها تسهم في انقاذ من تبقي من السكان علي قيد الحياة..و بعد ما أمضينا 30ساعة في عرض البحر,و اتصالات متعددة من خلال هاتف متصل بالأقمار الصناعية تبين لنا أن الدخول إلي مصراته هو المستحيل بعينه إذ كان القتال محتدما علي مدي 48ساعة بين الثوار و كتائب القذافي عند ميناء مصراته و القصف بصواريخ جراد و مدافع الهاون يكاد لم يتوقف دقيقة واحدة..المثير للملاحظة أن كل الفارين من المدينة يخيم علي ملامحهم الوجوم و الشرود طوال الوقت و في أعينهم دمع يترقرق علي الدوام و بالكاد يمكن التحدث إلي أحدهم فهم يفضلون الصمت و الأرجح أن ما يعانونه من ألم,جراء ما شاهدوه و عاشوه, أفقدهم القدرة علي ترتيب الأفكار و التحدث بشكل طبيعي,مثل الشاب أحمد (24عاما) الذي كان يقاتل مع كتيبة الساعدي القذافي في مصراته و عاد لأهله في قرية الأشهل (70كم شرق طبرق)بعدما أصيب بالجنون جراء ما شاهده هناك.. "أحمد عبد الباسط المصراتي"(37عاما)عاني الأمرين لينقل أمه و أخته إلي بني غازي,بينما هو عائد إلي مصراته مجددا ليواصل القتال إلي جانب رفاقه,يصف الوضع في المدينة قائلا:"وسط مصراته خال تماما من السكان و لا يوجد سوي نحن المقاتلين ..كل السكان أو بالأحري ما تبقي منهم هجروا منازلهم و يقيمون في الشوارع عند أطراف المدينة,فالهدف المحدد لمرتزقة القذافي هو مساواة المنازل بالأرض لذا يعتقد الأهالي أن العراء اكثر أمانا بالنسبة لهم..و لكن ذلك لم ينقذ أسر أخري من عمليات قتل جماعي في الأحياء التي تمكنت كتائب القذافي من دخولها ..و في شوارع أخري أجسام غريبة أدت لمقتل العديد من الأطفال(قنابل عنقودية) ",سألته عن عدد المقاتلين في المدينة فأجاب:"بالكاد 100مقاتل و لكننا بصدد استقبال دعم من إخوتنا في الشرق "سألته ثانية:"ألم تفكروا في الانسحاب مع قلة عددكم مقارنة بكتائب القذافي؟فأجاب:"لم نعتد علي الهروب ,نقاتل و ظهورنا للبحر ,حتي قبل هذه الثورة القذافي حول حياتنا الي جحيم ,هو و أبناؤه فقط يرفلون في نعيم ليبيا ,اما نحن.. "و ابتسم ساخرا قبل أن يكمل و قد اغرورقت عيناه بالدموع :"عمري 37 سنة و لم أتمكن من الزواج و هكذا أخي الذي استشهد الاسبوع الماضي عن عمر يناهز الرابعة و الاربعين"..أحمد يعمل كسائق تاكسي و يهوي العزف علي الجيتار,و أخرج من طيات ملابسه مدفعا آليا قائلا: الآن لا أعشق سوي سلاحي و لم اعد اتمني سوي الموت و يدي مطبقة عليه"..علي سطح المركب أيضا اقترب مني طبيب مصري و سألني "أنت صحفي ,أليس كذلك؟",ثم أعطاني اسطوانة كمبيوتر عليها عدد من الصور و مقاطع فيديو لما يحدث في مصراته و طلب مني نشر ما يمكن نشره منها فهناك بالفعل ما لا تتحمل النفس البشرية مشاهدته و رفض الطبيب اعطاء اي بيانات عن شخصه. الصور و مقاطع الفيديو بها حقا ما لا يمكن تصوره,اذ تحتوي علي صور لأطفال تفحمت جثثهم أو فقدوا أطرافهم و صور و مقاطع اخري لعائلات قتلت بشكل جماعي,و صورة لجثة طفل لم يتجاوز العامين يدعي محمد جمال سويب و صورة أخري لابنة عمه التي لم تتجاوز الخامسة من عمرها و تدعي عائشة مصباح سويب, و مقطع يعرض عملية جراحية لفتاة تدعي مريم في الثانية عشرة من العمر اخترق ظهرها طلق ناري من عيار14.5المضاد للمدفعية و الطيران!!و مقطع لطفل في الحادية عشرة من العمر بترت يده و فقد إحدي عينيه.. و مقطع آخر لمواطن مصري تمزقت أحشاؤه تماما و أغلب الظن أن قذيفة آر بي جي المضادة للدبابات اخترقت معدته,و مقطع لأسرة من ستة أفراد قضت بالكامل في منزلها,و صور لبيوت المدينة و مبانيها تظهر أن قصف كتائب القذافي لم تستثن بشرا أو حجرا,و صورة لطفل رضيع تفحمت جثته تماما. مجرد ذكر اسم مصراته في ليبيا يسيل الدمع في أعين الليبيين فالمدينة أصبحت فعلا رمزا للشهداء و هي علي ما يبدو دفعت حتي الآن الثمن الأفدح في ثورة أبناء ضد تجبر القذافي و أولاده, في بني غازي التقيت الفيلسوف الفرنسي الشهير "برنار هنري ليفي"الذي أقنع الرئيس نيكولا ساركوزي بالتدخل العسكري في ليبيا و هو حريص علي استقبال ووداع أي مركب قادمة من أو ذاهبة إلي مصراته و معه مصور خاص ليوثق كل المعلومات التي يتحصل عليها ,و يقول ليفي:"كنت شاهدا علي جرائم الصرب في البوسنة و الهرسك في منتصف التسعينات من القرن الماضي و لكن ما يحدث في مصراته شئ لا يمكن وصفه بكلمات",قلت له " و لكن الغرب لم يقم حتي الآن بما يكفي ..وعليكم أن تتحركوا بشكل أكثر ايجابية لمساعدة ثوار ليبيا",فقال "نحن فعلنا ما يمكننا فعله في اطار ما تسمح به ظروفنا و لا تنس أن بلادي تحديدا تقاتل في افغانستان و ساحل العاج..لماذا لا تتحركون أنتم أيها المصريون؟"قلت له أن الأوضاع في مصر ليست مستقرة و الجيش مشغول بحفظ الامن و عملية نقل السلطة".فأخرج هاتفه المحمول و قال :"لدي هنا مقطع فيديو من مصراته لا أظنك تقوي علي مشاهدته و لكنه سيغير رأيك .."ثم أشار إلي حارسه الشخصي المفتول العضلات و الذي يبلغ طوله متران و تبدو الصرامة علي كل قسمات وجهه قائلا:"مارك مكلف بحراستي منذ فترة طويلة و كنت أظنه رجلا بلا قلب و لكنه بكي بشدة و لم يستطع النوم ثلاثة أيام متواصلة بعدما شاهد هذا المقطع" قلت له "من المؤكد إذن أنني لن اتمكن من مشاهدته"فأجاب: "أكيد..و لكني سأشرح لك ما يحتويه و سأدعك تسمع الصوت الصادر عنه ..إنه صبي في الثالة عشرة من العمر كان يحضر المياه للمقاتلين في مصراته و قاده حظه التعس للوقوع في أيدي كتائب القذافي و كان عقابه الاعدام بإجلاسه علي خازوق دخل مؤخرته و اخترق ظهره .."و قام برنار بتشغيل مقطع الفيديو فوجدت نفسي أعدو علي غير هدي فصوت الصبي و هو يتألم لا يمكن أن يحتمله بشر.