في يومياتي »بالأخبار« منذ خمسة عشر عاما »22/4/6991« كتبت يومها »لا يفر نصف مليون لبناني شمالا إلي الحياة فارين من الموت ولكن الموت وراءهم وراءهم من الطائرات تتبع عربات الاسعاف في الشوارع وكأنهم يريدون الإجهاز علي الجرحي.. يريدون الكل موتي وتنقل الكاميرا الأطفال وما بقي من نساء في معسكرات الإيواء ينظرون للطعام ولا يأكلون ويبكون فقد غير الفزع السلوكيات لا طعام ولا أمان لطفل أفزعه صاروخ وطائرة وكأنه انتقام شخصي.. والعالم متفرجون مجتمعون في غرف مكيفة الهواء يبتسمون لعدسات التصوير.. كل يحافظ علي كرسيه ويغازل ناخبيه وكأن الانتخابات تريد الدم ولا تريد أصوات الناخبين! ويجتمع وزراء الخارجية العرب في جامعتهم العربية ولكن إسرائيل أخذت مصداقية وجودها من الذين هرولوا وكأنها أخذت الإذن بالقتال منهم وقضي الأمر من قبل ومن بعد.. وكأن الدولة العظمي الوحيدة في العالم ورئيسها الشاب الأشقر كلينتون أعطي الإشارة بالقتال بعد أن طار من مؤتمر السلام بشرم الشيخ إلي إسرائيل مباشرة ليعطي اللون الأخضر للدم الأحمر المراق علي أرض لبنان وتزأر آلة الحرب التي لا تشبع ولبنان المحب للحياة كأنه يأخذ حياته من بين فكي الموت، لبنان لو بقي فيه شبر واحد فسوف يعيش ويظل لبناناً كاملاً.. هل هذا هو انتقام بعد مؤتمر صناع السلام؟ هل هي دراسة جدوي لتسليح إسرائيل؟ اليوم لبنان وغداً سوريا أو الأردن من يفتح فمه يملأ بالرصاص والدم.. إنها إسرائيل الطفلة المعجزة التي ترضع دما منذ خمسين عاما وهذا هو سر البقاء. وكأن المقال كتب بالأمس وكأن مؤتمرات شرم الشيخ للسلام كانت مسرحيات لتغطية الدم! كتبت هذا المقال منذ مذبحة قانا في 81 ابريل عام 6991 تلك المذبحة التي راح ضحيتها خمسة وستين طفلا قتلوا بعد أن لاذوا بمبني الأممالمتحدة هناك قتلوا وكأن اليهود مازالوا عطاشي لدم المسيح الذي قيل انه صلب في قانا كتبت وقتها »لن يضيع دم الشهداء فقط أردت أن أسجل تحت عنوان وحدك يا جنوب حترجع مجد العرب«.وكتبت قبلها في 2/6/0991 بعد أن أعلنت أمريكا الفيتو الإسرائيلي الشهير ضد المطالبة بلجنة تقصي الحقائق لما تفعله إسرائيل في فلسطين. كتبت »لابد ان نبحث عن طبيب نفساني نجلس أمامه جماعات وفرادا ليخلصنا من عقدة أمريكا والحل الأمريكاني.. لماذا يتعجب العرب علي الفيتو الأمريكاني الذي نعيشه منذ عام 8491 بين قهر وقهر.. أمريكا لا يهمها العرب ولا العجم أمريكا زرعت المسمار وتدعمه وتقويه بين الحين والحين«. أعيد الكتابة لتعلموا أحبائي القراء اننا يجب ان نقوي ثورتنا؟ نقويها كيف؟ بالعمل في الداخل لنصل لاقتصاد قوي.. لنزرع الصحراء قمحا بخطة مدروسة حتي لا نستعمر بالطعام. ننعش ذاكرتنا بما حدث لنا. وقد تداعي كل ذلك بعد دعوة كريمة من السيدة رندا بري سيدة الجنوب اللبناني لإلقاء كلمة في ذكري مذبحة قانا فلبيت وأنا أتذكر مذبحة بحر البقر والتي كتبت يومها اننا يجب ان نصنع سياجا حول المدرسة وأن نحافظ علي كراريس الأطفال الملطخة بالدم لتصبح متحفا للمقدرة علي القتل والذبح لإسرائيل وأن بقاءها مرهون بيننا بالقهر والذبح وبقوة العقل الإسرائيلي المدمر الرافض للسلام حتي مع نفسه. تحتفل لبنان في الجنوب الصامد بذكري مذبحة قانا والاحتفال للتذكرة والاحتفال في ظني ليذكر الصغار الذين فقدوا أعضاء من أعضائهم وأصبحوا رجالا الآن انهم ضحوا ليس من أجل لبنان ولكن من أجل العرب جميعا. واحتفلنا أخيرا بعد أعوام بذكري مذبحة بحر البقر ولكننا فعلا نحن العرب محتاجون للدكتور أحمد عكاشة ليعلمنا كيف لا ننسي القهر ونجعل من مآسينا سلاحا يوجه للعدو الإسرائيلي المستمر في القتل والبطش وتشهد غزة بهذا الاستمرار البشع! لابد أن ننعش الذاكرة حتي لا يجرفنا تيار السلام الزائف الذي يخترق عشرات المرات. لقد ضحي مصري عظيم هو الدكتور بطرس غالي بمنصبه الرفيع كسكرتير عام للأمم المتحدة لإصراره علي الوقوف بجانب الحق في إدانة مذبحة قانا، وكان هذا الإصرار ثمنا لعدم إعادة انتخابه لفترة ثانية. وفي الاحتفال الذي أقيم في قانا بمرور خمسة عشر عاما علي المذبحة رفضت السيدة راندا بري أن تقول كلمة وقالت إن شرف الكلمة للدكتور بطرس غالي الذي أرسل كلمة ألقتها عنه لخضوعه لجراحة بالقاهرة قال في كلمته: »إن مذبحة قانا تجربة قاسية للمنطقة العربية وللبنان الصامد أما بالنسبة لي فقد كانت منعطف اختباريا في حياتي فقد تحملت ضغوطا قوية عليَّ لإعطاء تقرير شفهي للمجلس ولكني رفضت تماما حتي تظل الوثيقة يحفظها التاريخ وتظل وثيقة الإدانة من أهم وثائق الأممالمتحدة التي تدين المذبحة مما كان له أثر كبير في رفض تجديد انتخابي للمرة الثانية ولكن تمسكي كان أساسه أن أثبت للعالم مدي الجرم الإسرائيلي للشعب اللبنان العظيم وللإنسانية كلها.. وفي الذكري الخامسة عشر أعلن استمراري في التضامن مع الشعب اللبنان العظيم وللإنسانية كلها من أجل الحق والعدالة والإنصاف وسوف تظل قانا شاهدا علي أن التواجد الإسرائيلي مبني علي القتل والدمار وأنه إلي زوال«. أما كلمتي فكانت حول استسلام الحكومات العربية واعتمادها علي الكفاح اللبنان والفلسطيني وأن إسرائيل اعتمدت علي موات الوعي العربي وظلت في غيها وتدمير ما حولها وأعلنت أنه لابد من تكوين لجنة عربية لاستثمار مذبحتي قانا وبحر البقر حتي يصل إلي العالم تلك القدرات الشريرة التي تعتمد عليها إسرائيل في وجودها بيننا لأكثر من ستين عاما. وأقرأوا ما كتبته منذ خمسة عشر عاما تجدوا انه يصلح ليكتب الآن حيث لا تغيير في السياسة الإسرائيلية: واسمحوا لي أن أقول لكم ان تجربة السلام مع إسرائيل ووصولها إلي مأزق اللاسلام كانت تجربة مريرة لأن إسرائيل أعلنت مشروعها ووصفته في برلمانها »الكنيست« وهي خريطة إسرائيل الكبري والتي تعمل من أجلها بكل ما تملك الصهيونية من شر في دستورها ولكنها دولة ذكية الحركة سياسيا حيث تستثمر كل حركة في حياتها وكل كذبة من أول »محرقة هتلر« حتي سقوط أي جندي إسرائيلي مقتولا برصاص المقاومة الفلسطينية. إسرائيل أقامت متحفا »للهلوكوست« في قلب واشنطن المتحف يؤمه الكبار والصغار وخصوصا طوابير الشباب وأطفال المدارس وهو متحف كاذب من أوله حتي آخره ولكنه يدغدغ العواطف ويجعل الصغار يبكون والكبار يرثون لمن أصابتهم المحرقة مع ان المحرقة أصلا كانت لتفشي مرض الطاعون وأحرق فيها مسيحيون ويهود وكل الملل. ولكن أرفع البرنيطة لإسرائيل فنحن لم نستطع »غسل مخ العالم« لا بقانا ولا بحر البقر ولا دير يس وصولا إلي غزة! ولكن هنا من لبنان ومن قانا بالذات أحيي كل من يتذكر ويحتفل وبالذات الأطفال تلاميذ المدارس الذين لديهم عادة سنوية الذهاب إلي المقبرة التي تعلوها صور الصغار الشهداء وكأنهم بصورهم البريئة يقولون: »نحن فديناكم جميعا. إنني بعد النجاح العظيم لثورة 52 يناير استعدت إيماني بالبشر الذين اخترعوا التكنولوجيا فكانت هي أدواتهم للثورة لقد أصبحت انتظر منهم الثورة الهادئة في البناء بناء مصر جديدة تليق بقدرات هذا الشباب العظيم الذي غير في أقل من ثلاثة أشهر ما لم نستطيعه في أعوام حتي أصبنا بالاكتئاب ويدفعنا الشباب إلي الأمل.