ما نردده كثيرا الان حول ان علاقة الجيش والشعب تمثل خطا احمر واننا حريصون علي هذه العلاقة وتماسكها، يذكرني بما نردده ايضا منذ سنوات طوال حول ان الوحدة الوطنية تمثل خطا احمر واننا حريصون علي علاقة المسلمين بأشقائهم المسيحيين.. لقد كنا نردد ذلك كثيرا وفي ذات الوقت نفعل ما يهدد وحدتنا الوطنية وما يفسد العلاقة التاريخية بين المسلمين والمسيحيين، ونسكت علي بث بذور الفتن الطائفية والدينية في مجتمعنا.. بل وننساق وراء هؤلاء لمن يحرضوننا علي ضرب وحدتنا الوطنية وننفخ معهم في نيران الفتنة! واخشي ان نفعل ذات الشيء بخصوص علاقة الجيش والشعب.. نتحدث عن اهميتها وحمايتها من محاولات من يثيرون الشكوك حولها ويستهدفون ضربها، بينما نساعد هؤلاء بأفعالنا وتصرفاتنا علي تحقيق أهدافهم، نؤكد لانفسنا ان علاقة الجيش والشعب خط احمر، ونحذر أنفسنا من تقويض هذه العلاقة.. ومع ذلك لا نفعل شيئا لحماية هذه العلاقة، ولا نفعل شيئا لانقاذ هذه العلاقة من الهدم والتقويض، وهو ما يمثل كما ندرك جميعا انه سوف يلحق الاذي ببلادنا، وسيجعل ارضها مستباحة أمام من يتربصون بها، وسيترك الشعب بلا حماية في مواجهة قوي الثورة المضادة التي نحذر منها انفسنا منذ أسابيع عديدة مضت. وهذا التناقض بين ما نقول به ونحذر منه وبين سلوكنا وتصرفاتنا يرجع سببه الي ان البعض منا يردد امورا ليس مقتنعا أو مؤمنا بها! ومثلما انه مازال يوجد بيننا من هم مازالوا اسري التطرف دينيا، فإنه يوجد بيننا ايضا من هم لا يؤمنون فعلا بأن علاقة الجيش والشعب خط احمر.. انما يرددون فقط بهذا الخصوص مجرد كلام لا يعبر عن حقيقة رؤاهم ومواقفهم. فهناك من يسعون الي استعراض قوتهم بين الحين والاخر لتنبيه الجيش بأن في حوزتهم قوة يتعين ان يتم مراعاتها ووضع الجيش حسابا لها، وهو يتخذ قراراته أو وهو يدير شئون البلاد، ويحدد خطوات نقل السلطة من المجلس الاعلي للقوات المسلحة الي السلطة الشعبية التي سيرتضيها الشعب من خلال انتخابات حرة نظيفة.. وهذه القوي أو القوة تحديدا تلجأ الي هذا السلوك كلما رأي ما لا يرضيها من تصرفات أو مواقف أو قرارات للمجلس الاعلي للقوات المسلحة.. حينها تلجأ الي تذكير القوات المسلحة إلي انها موجودة وقوية وفاعلة علي الأرض، ومن المؤكد ان اعلان عدد من أعضاء المجلس الأعلي للقوات المسلحة ان مصر لن تكون ايران أو غزة أزعج البعض ولم يرضهم، خاصة ان هذا الاعلان جاء مقرونا بتحديد مفهوم واضح للدولة المدنية من قبل المجلس الأعلي للقوات المسلحة، وهو المفهوم الذي يجمع عليه الليبراليون واليساريون.. أي لا يسمح بسيطرة متطرفين دينيين عليها، مثلما لا يسمح بهيمنة العسكريين عليها أيضا. وهناك أيضا بيننا من ينظرون الي الجيش بشكل خاطيء.. لا ينظرون اليه بوصفه شريكا في ثورة 52 يناير، حينما انحاز الي الشعب وتبني مطالبه الاساسية، ابتداء من المطلب الخاص باسقاط النظام وتنحية الرئيس مبارك، وانتهاء بالمطلب الخاص بإقامة نظام سياسي ديمقراطي بديل.. بل ان هناك من لا ينظرون الي الجيش حتي بمجرد حام للثوار الذين احتشدوا في ميدان التحرير والعديد من ميادين المدن الاخري، وكأن ثورتنا كان يمكن ان يتحقق لها النجاح في هذا الوقت الوجيز بدون انحياز الجيش للشعب وتوليه حمايته وتبنيه لمطالبه. هؤلاء للاسف الشديد يتعاملون مع الجيش بوصفه استمرارا للسلطة التي كانت قائمة قبل 52 يناير، وبالتالي يتعاملون معه بذات الاساليب وفي مقدمتها اسلوب الشارع أو الميدان للضغط عليه واجباره علي تقديم التنازلات.. وكأننا نسينا ما قامت به قواتنا المسلحة من اجلنا طوال الاسابيع الماضية وانحيازها الواضح لنا وتوليها تنفيذ مطالبنا واحدا تلو الاخر. هذا هو جوهر الخطأ الذي وقع فيه البعض منا، والذي لو حدث تمادي فيه منهم أو من غيرهم لافسد ذلك العلاقة الوطيدة بين الجيش والشعب والتي نعتبرها خطا احمر لا يمكن تجاوزه أو تهديدها. وربما يكون ساعد علي ذلك عدم انتظام الحوار بين المجلس الأعلي للقوات المسلحة وما يراه البعض منا من بطء في اجراءات التطهير ومحاكمة الفاسدين.. لكن تظل النظرة الخاطئة تجاه قواتنا المسلحة هي سبب كل الشكوك التي يثيرها البعض فيها.. وايضا سبب الموقف الخاطيء الذي اتخذه البعض تجاه بعض من قالوا انهم منتسبون للقوات المسلحة يوم الجمعة الماضي في ميدان التحرير. ولن نحافظ علي علاقة الشعب بالجيش فعلا إلا اذا تخلصنا من هذه النظرة الخاطئة.