إبداعاتنا السينمائية والتليفزيونية دخل قومي مهدر علي اليوتيوب تراث مصر الضائع.. قضية خطيرة.. يثيرها أبرز الخبراء المتخصصين في مجال الملكية الفكرية في مصر والعالم العربي.. د. حسام لطفي رئيس قسم القانون المدني جامعة بني سويف.. ورئيس الجمعية المصرية للملكية الأدبية والفنية.. والخبير بالمنظمة العالمية للملكية الفكرية WIPO ومنظمة جامعة الدول العربية للتربية والثقافة والعلوم.. شارك في وضع المسودة الأولية لكل قوانين البلاد العربية في مجالات الملكية الفكرية.. نال جائزة الدولة في القانون .. ونوط الامتياز من الطبقة الأولي.. يؤكد د. حسام لطفي خلال حواره أن جوانب كثيرة من تاريخ مصر غير معروفة.. وأننا لا نملك قاعدة بيانات لوثائقنا ومخطوطاتنا رغم أنها جزء من تاريخ الأمة.. وأن رسائل ملوكنا وزعمائنا القديمة تباع في المزادات العالمية.. وتراثنا الفني والتليفزيوني والإذاعي ثروات مهدرة علي القنوات الفضائية واليوتيوب بلا حماية فكرية.. رغم انها يمكن ان تكون مصدرا مهما للدخل القومي.. . ومعلومات أخري خطيرة يطرحها خلال هذا الحوار.. في البداية.. ما المقصود بالوثائق والمخطوطات.. وما أهميتها ؟ المخطوطات هي وثائق مكتوبة بخط اليد.. تحمل الحقائق التاريخية الموثقة.. وتشكل معالم الحقب المختلفة.. وتساعدنا بالتالي في التعرف علي تاريخنا بصورة أفضل.. بل قد تكشف لنا حقائق تاريخية جديدة تجعلنا نعيد قراءة تاريخنا.. وتأخذ حكمها أيضا في الأهمية لما لها من قيمة تاريخية كبيرة.. أما الوثائق التاريخية.. فمضمونها أوسع فهي كل مصدر رسمي أو غير رسمي مطبوعا أو مسموعا او مرئيا.. كان في يوم ما يحمل معلومات حية تتعامل بها الأفراد أو المؤسسات والدول·· وهي ايضا تعد تسجيلا للتراث وتساعدنا في التعرف علي تاريخنا واعادة قراءته.. وهذه الوثائق والمخطوطات والمطبوعات تعتبر ثروات قومية للشعوب يجب الحفاظ عليها من الضياع أو التهريب أو العبث والتحريف.. ولكن للأسف فان مصر تعاني فقدان أو تهريب وثائق كثيرة.. وهو ما يجعل جوانب كثيرة من تاريخها غير معروفة علي وجه اليقين. ثروات مهدرة وأين ذهبت وثائق مصر ومخطوطاتها ؟ المعروف أن كل دولة تحتفظ بما لديها من المخطوطات والوثائق في المكتبة الوطنية الخاصة بالدولة.. وفي مصر فان بعض هذه الوثائق والمخطوطات توجد في دار الكتب والوثائق.. لكن للأسف.. بسبب ظروف الاستعمار من ناحية.. وغياب القوانين من ناحية أخري.. فان معظم وثائق مصر مفقودة أومهربة أو في حوزة أفراد مصريين أو أجانب أو دور محفوظات أجنبية.. وهناك جزء كبير منها لدي الدول التي كانت تستعمرنا مثل انجلتراوتركيا وفرنسا.. وبعد الحرب العالمية الثانية تراجع الدور الانجليزي لصالح الأمريكي.. وأصبحت هناك وثائق تخص مصر في الأرشيف الأمريكي لاسيما فيما يخص التعاون المصري الأمريكي عند بداية انشاء الجيش المصري.. وهناك وثائق موجودة في حوزة أفراد من العائلات الكبيرة التي كانت لديها سلطة في وقت ما.. مثل خطابات متبادلة بين الملوك والزعماء.. وخطابات من أيام محمد علي التي كان ينعم فيها بالباشوية او البكوية علي أحد.. وهناك وثائق ومخطوطات لدي بعض الوزارات والجهات الرسمية الوزارات.. كوزارة الري والأوقاف وغيرها.. ومعني ذلك ان جزءا كبيرا من تاريخنا لا نملك وثائقه. استعادة طابا ما اهمية استعادة هذه المخطوطات وتسجيلها وحمايتها ؟ غياب أو ضياع الوثائق التاريخية وعدم اتاحتها للأجيال يجعل كثيرا من الحقائق غائبة.. أو مغلوطة.. وأضرب لك مثلا بما حدث في قضية طابا.. حيث أرسلت مصر وقتها أساتذة في اللغة التركية إلي تركيا وأساتذة قانون إلي بريطانيا للاستعانة بالأرشيف الوطني لهذه الدول التي كانت تستعمرنا.. والبحث عن الوثائق التي تثبت مصرية طابا.. وهذه الوثائق هي التي خدمت قضيتنا.. وساعدتنا في استعادة طابا.. أيضا نجد نسبة كبيرة من المؤرخين والباحثين والناشرين المصريين يستعينون بأرشيف دول اخري في بعض ما يخص تاريخ مصر.. مثل الكاتب الصحفي محسن محمد الذي استعان بالأرشيف البريطاني عندما كتب عن تاريخ مصر في الكتاب الأشهر له وهو »تاريخ للبيع«.. ومحمد حسنين هيكل أيضا استعان في كتاباته بالأرشيف البريطاني والأمريكي.. فهل يعقل هذا.. هل هناك أمثلة للحقائق التاريخية الغائبة بسبب ضياع الوثائق؟ كثيرة.. علي سبيل المثال فنحن حتي الآن لا نعرف أسماء كل من شارك في تنظيم الضباط الأحرار.. ونفاجأ كل يوم بأسماء جديدة نعرفها فقط من صفحات الوفيات.. وإذا ضربنا مثلا آخر بأحداث 25 يناير وأسرار فترة ما قبل التنحي.. فيجب أن تكون هناك أوراق ووثائق يمكن اتاحتها بعد فترة محددة من الزمن تحمل حقائق ما حدث خلال هذه الفترة.. وألا نترك التاريخ ليرويه كل من يريد طبقا لأهوائه ومصالحه أو خيالاته. أو نتركه لذاكرة بشرية قد تنسي ونفس بشرية قد تحيد عن الحق.. ويضيف قائلا : حينما حرقت مكتبة الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل في قرية برقاش بالجيزة.. صرح في الصحف ان المكتبة كانت تضم نصوصا أصلية بخط يد جمال عبدالناصر.. ونصوصا خطية أخري لمراسلات مصطفي كامل إلي السلطان العثماني والخديو عباس حلمي.. ومراسلات للورد كرومر المعتمد البريطاني إلي أهله.. يحكي فيها عن مصر.. وقال انه حصل علي بعض هذه الوثائق من المزادات العامة.. وهو ما يعني ان تاريخنا يعرض للبيع بسبب عدم وجود حماية لهذه الوثائق التي يجب أن تكون في حوزة الدولة. ومن ناحية أخري.. فإن تجميع هذه الوثائق الأصلية ومخطوطاتها وتسجيلها.. يحميها من التحريف.. فمثلا الطبعة الأصلية لكتاب ألف ليلة وليلة.. والتي طبعت في المطبعة البولاقية لا وجود لها.. وللأسف تم تحريف الكتاب لعدم وجود طبعة مرجعية.. . ومن ناحية ثالثة.. فهناك بالفعل مخطوطات تم اكتشافها صححت مفاهيم تاريخيةخاطئة كانت راسخة لآلاف السنين.. مثل بعض البرديات المصرية القديمة.. فهناك مثلا مخطوطة تم اكتشافها في الثمانينات أكدت أنه لا يوجد حاكم اسمه ميناقام بتوحيد القطرين.. بل كان يطلق اسم مينا علي الحاكم الذي يحكم خلال فترات القلاقل والحروب.. وماري انطوانيت لم تقل مقولتها الشهيرة عن الخبز والجاتوه.. والذين تم تحريرهم من سجن الباستيل بعد الثورة الفرنسية لا يتجاوز عددهم 2.. وأحمد عرابي لم يخاطب الخديوي من فوق حصانه ولم يقل له «متي استعبدتمونا وقد ولدتنا أمهاتنا أحرارا». هل يمكن استعادة الوثائق المصرية.. وما الخطوات التي يجب اتباعها؟ بالطبع يمكن إذا كان لدينا جدية في ذلك.. والمطلوب أولا هو رصد هذه الوثائق في كل الأماكن الموجودة بها.. ثم العمل علي تجميع ما نستطيعه منها، أصول أو صور ، بكل الطرق.. مثل المفاوضات مع الدول.. أوالتفاوض مع الأفراد.. وبعدالرصد والتجميع نعمل علي توفير قاعدة بيانات تربطنا بكل الأماكن التي تضم مخطوطات ووثائق تخص مصر.. حتي المخطوطات الموجودة خارج مصر والتي فشلنا في الحصول عليها. وكيف يمكن اقناع من يملكون هذه الوثائق بالتنازل عنها ؟ يجب ان تسعي الحكومة لتحفيز الافراد علي اعطائها هذه المخطوطات او حتي صور منها للاستعانة بها علي رصد تاريخ الامة.. ولا مانع أن يكون هناك تحفيز مالي للأفراد لإخراج ما لديهم من مخطوطات توارثوها.. من خلال شراء بعضهابتعويض عادل لتساعدنا في اعادة قراءة تاريخنا و تسهم في تكوين ثقافتنا العربية.. .. بدلا من احتفاظ الأسر بهذه المخطوطات تحت البلاطة.. أو بيع بعضها بالمزادات العلنية. وكيف يتم تنظيم التعامل علي هذه الوثائق والمخطوطات؟ لدينا حاليا قانون للمحافظة علي الوثائق الرسمية.. لكنه تشريع مبتور غير متكامل.. يتعامل مع الوثائق الرسمية فقط.. ويجب أن يكون لدينا قانون يتعامل مع جميع الوثائق القومية.. بحيث يتم رصد وجمع وتبويب الوثائق.. واتاحتها للعامة بقواعد محددة حتي يتاح للباحثين فهم تاريخ مصر بصورة أفضل.. ويحدد القانون ايضا وضع تصنيفات للسرية وفترات الاتاحة.. وغيرها من الأمور. فمن حق الأجيال القادمة أن تعرف بعد. زوال فترة السرية التي تحددها الدولة من فعل ماذا ولماذا.. وليس من حق أحد ان يحتفظ بذاكرة مصر لنفسه.. فلابد من السعي إلي ترسيخ ثقافة التوثيق والاتاحة لنعلم الحقيقة في توقيتات معلنة سابقة التحديد. وفي الثمانينات قامت دار الوثائق بتشكيل لجنة لوضع مشروع قانون لحماية المخطوطات وأوائل المطبوعات.. وقانون أيضا لحماية الوثائق القومية وتنظيم اتاحتها.. وقد كنت عضوا في هذه اللجنة.. وتم تقديم المشروعين وقتها لوزارة الثقافة لكنهما لم يخرجا للنور.. .وأنا أطالب الصديق وزير الثقافة حاليا بمراجعة جديدة لمشروعات هذه القوانين و التعجيل باصدارها.. بحيث يتم رصد المخطوطات والوثائق وتجمع وتبوب وتتاح للعامة في توقيتات محددة معلنة مسبقاً . الأمن القومي ولكن بعض المخطوطات قد يكون من الأفضل عدم نشرها لاعتبارات الأمن القومي مثلا ؟ قانون اتاحة الوثائق القومية هو الذي ينظم أمور الاتاحة ويضع الضوابط للتصنيفات ويحدد لها العقوبات.. ولكل وثيقة درجة سرية طبقا لطبيعتها.. فهناك ماهو سري جدا اي يمكن اتاحته بعد 50 سنة.. أو سري فقط 25 سنة.. ودرجة السرية تحددها الجهة التي تفرز الوثيقة وفقا للتصنيف المتفق عليه في القانون.. وكل ذلك ينظمه القانون.. وعلي سبيل المثال فمنذ 3 سنوات كانت دارالوثائق البريطانية ستتيح عرض وثائق خاصة بالأردن حينما كانت مستعمرة.. لكن مجلس الوزراء البريطاني اجتمع وقرر تأجيل الاتاحة 30 عاما أخري لاعتبارات أمن قومي.. وهو أمر مبرر بحق الدول في تنظيم إتاحة ما لديها. فائدة اقتصادية هل يمكن أن تستفيد مصر اقتصاديا من هذه المخطوطات ؟ بالطبع.. من خلال تجميع المخطوطات وتجميع الوثائق التاريخية والقومية.. وعمل قاعدة بيانات لها.. وفرض مدد للإتاحة.. لتصبح بعدها متاحةبمقابل مادي للباحثين والناشرين من كل أنحاء العالم.. بما يحقق دخلا اقتصاديا.. وفي نفس الوقت يساعدنا في التعرف علي تاريخنا بصورة أفضل.. بل ويمكننا من اكتشاف حقائق تاريخية جديدة تجعلنا نعيد قراءة تاريخنا. ومن ناحية أخري فهناك كنوز ابداعية مصرية مهملة.. فرصيد مصر من الابداع الثقافي المطبوع أقل من نصف مليون عنوان.. وذلك منذ دخول أول ماكينة طباعة علي البارجة «لو أوريان» اثناء الحملة الفرنسية وحتي الآن. ولو اهتممنا بجمع وتسجيل هذه الإبداعات الفنية والأدبية والثقافية فان ذلك يحفظ الحقوق المادية لمصر.. ولأصحاب هذه الأعمال.. فمثلا تراث الإذاعة والتليفزيون الذي يضم برامج ومسلسلات ولقاءات تاريخية للزعماءوالمشاهير من سياسيين وأدباء وفنانين وغيرهم.. كل هذه الأعمال تعد تراثا مهما يمكن استغلاله.. حيث يمكن أخذ أصولها ونقلها علي دعامات آمنة ومعالجتها وتسجيلها لتصبح مصنفات جديدة بما سيتم لها من ترتيب وتنسيق وتبويب وفهرسة مشمولة بالحماية الفكرية.. بحيث يحظر علي أي جهة استغلالها إلا بمقابل مادي يحقق دخلا كبيرا لاتحاد الإذاعة والتليفزيون.. ولكننا للأسف كثيرا ما نجد أشهر الأفلام والأغاني والبرامج القديمة يتم تسريبها علي الفيسبوك واليوتيوب بلا مقابل.. مثل برنامج ساعة لقلبك وبرامج الحوارات القديمة.. وغيرها. تصوري انني وجدت فيلم ياقوت افندي الذي يعد أقدم أفلام نجيب الريحاني معروضا علي اليوتيوب مجانا.. وهناك أيضا أغاني مصرية قديمة ونادرة موجودة علي اليوتيوب مجانا باعتبارها من مقتنيات الأفراد.. وجدير بالذكر أن اليوتيوب يحقق ايرادات عن طريق الاعلانات ويقبض جزءا منها من سلمهم التسجيل باعتباره الحائز.. وكما قلت فان الدولة تستطيع الاستفادة المادية من هذا التراث سواء من الأعمال التي أنتجتها بنفسها.. أو من الأعمال التي ليس لها منتج ولاوارث. تراث مصر اليهودي لكننا نجد أحيانا أعمالا تراثية مصرية تذيعها بعض القنوات.. فما موقف هذه الأعمال ؟ للأسف هناك كنوز ابداعية هائلة أهملناها فلم نجمعها أو نسجلها أونشملها بالحماية.. فحصل عليها البعض مثل بعض القنوات الفضائية أو غيرها بشكل رسمي أو غير رسمي.. واستخدمها تجاريا لأنها غير مشمولة بالحماية.. ومن بين كنوزنا المهمة أيضا.. تراث مصر اليهودي.. الذي أهملناه تماما.. فنسبته اسرائيل لنفسها.. مثل بعض الأعمال الإبداعية ليهود مصر الأوائل كأعمال الفنان داوود حسني بل وحتي من أسلم منهم مثل ليلي مراد ومنير مراد وغيرهم. وماذا عن الكتب القديمة التي تباع علي سور الأزبكية ؟ أغلب هذه الكتب ليست أصلية.. بل يتم تصويرها علي ورق أصفر وتباع علي ورق أصفر وتباع علي أنها كتب قديمة وهو ما يشكل جرائم غش تجاري وتعدي علي حق المستهلك.