تلقيت اتصالا هاتفيا طويلا من الدكتور حسن يونس وزير الكهرباء والطاقة بعد نشر مقالتي في الأسبوع الماضي. أوجز ما قاله لي الوزير فيما يلي، أرجو أن لا يكون الإيجاز مخلا: أنه مع حرية الرأي حول إقامة مفاعل الضبعة النووي سواء من الموافقين عليه أو المعترضين. أنه عاتب علي لأنني قرنت اسمه بلجنة السياسات في الحزب الوطني. أن مشروع مفاعل الضبعة قديم منذ الستينيات من القرن العشرين »ينام ويستيقظ«، وأنه لا علاقة له بموضوع التجديد للرئيس السابق أو توريث الحكم لنجله. كما عرض السيد الوزير أن ألتقي بفنيين متخصصين لشرح جميع التفاصيل حول المفاعل. وقد اعتذرت له عن عدم الاستجابة لهذا العرض لأنني ضد الأسلحة الذرية والمفاعلات الذرية من حيث المبدأ، وأنني ضد كل ما يهدد الطبيعة والحياة علي كوكب الأرض، ولا أريد أن أغير من موقفي هذا. ثم تلقيت رسالة من الدكتور مهندس علي عبد النبي نائب رئيس هيئة المحطات النووية سابقا. وهي رسالة مؤيدة ومعارضة لما كتبته في الوقت نفسه. فهو يؤيدني فيما ذكرته من أن الإجراءات التي تمت علي عجل من أجل تنفيذ مفاعل الضبعة كانت إحدي وسائل النظام السابق للاستمرار في الحكم. وأضاف أن " الرئيس المخلوع كان معارضا للمحطات النووية، ولم يستطع أحد مناقشته فيه مما أخر المشروع 30 سنة. وبعدما فشل مشروع توشكي بحثوا عن مشروع قومي آخر يلهب المشاعر الوطنية مثل مشروع المحطات النووية ". ومن رأي الدكتور عبد النبي أن النظام السابق كان يتعمد تأخير التنفيذ حتي يتم التوريث ثم يتوقف الحديث عنه تماما. ويدلل علي ما وصل إليه بطرح تنفيذ المحطة النووية في مناقصة عالمية. ويقول: »الكل يعلم أنه لا توجد دولة في العالم نفذت محطة نووية عن طريق المناقصة. والكل ينفذ هذه المحطات عن طريق الاتفاق المباشر«. هنا يبدأ الاختلاف بيني وبين النائب السابق لرئيس هيئة المحطات النووية. فهو يؤيد بشدة إقامة مفاعل الضبعة. لكنه يضيف أبعادا أخري علي هذه القضية المهمة. فهو يري أن مصلحة مصر وأمنها القومي تقتضي تنفيذ المحطة بالأمر المباشر ومع دولة لا تتغير علاقتها معنا بتغير علاقتنا مع إسرائيل. ويضيف أن »هذا أمر وارد فعلاقتنا مع إسرائيل سوف تتغير في يوم ما نتيجة عربدتها في المنطقة وما تقوم به من مجازر ضد الفلسطينيين أصحاب الأرض. وهذا حدث مع إيران من قبل. كانت ألمانيا تنفذ مفاعل بوشهر، وبعدما قامت الثورة الإيرانية تخلت ألمانيا عن تنفيذه فقامت روسيا باستكماله. وبتحريض من إسرائيل قامت الدول الغربية وأمريكا بالضغط علي روسيا لوقف التنفيذ ولكن روسيا رفضت الضغوط«. تبعا لنظرة الدكتور علي عبد النبي يفضل الاتفاق مع روسيا أو الصين لاعتقاده أن علاقتنا معهما لن تتغير بتغير علاقتنا بإسرائيل. لكنه يعتقد أصلا أن كل ذلك لم يكن ليحدث لأن الرئيس السابق لم يكن جادا في تنفيذ المشروع النووي. ولو كان جادا لشكل وزارة للطاقة النووية مثلما شكل جمال عبد الناصر وزارة لبناء السد العالي. ثم يدافع الدكتور عبد النبي دفاعا قويا عن إنشاء المحطات النووية قائلا : »إن مشروع نقل التكنولوجيا النووية ومشروع نقل تكنولوجيا أبحاث الفضاء وتوطنهم في مصر هما من مشروعات الأمن القومي المصري. كيف تمتلك دول في العالم هذه التكنولوجيات ومصر لا تمتلكها؟ وبخاصة بالنظر إلي دورها علي المستويين العربي والإسلامي. هناك حقائق لابد من توضيحها منها أن المشروع النووي المصري واجب وطني مقدس لابد ان يتكاتف كل المصريين من اجله. والغرض من إقامة المحطات النووية في مصر ليس فقط توليد الكهرباء أو تحلية مياه البحر، ولكن الغرض هو نقل التكنولوجيا ذاتها وتوطينها. وسوف يؤدي ذلك علي طفرة عملاقة في نهضة مصر في كل المجالات. وستصبح مصر دولة قوية مما سيغير نظرة العالم إلينا. هذا العالم الذي لا يحترم إلا الأقوياء. وأود التوضيح أيضا أن أي تكنولوجيا لها منافعها مثلما لها مضارها. والدول النووية تدرك ذلك. لكن العقل البشري يستطيع أن يسيطر علي هذه الطاقة المدمرة ويروضها للاستفادة منها. لكنه يعجز عن مواجهتها أمام الكوارث الطبيعية المدمرة. المهم أن نتعلم من اليابان. فبعد أي حادثة نووية تتم دراستها وتحليلها واستخلاص الدروس المستفادة منها. وبالتالي إدخال التعديلات علي نظم الأمان. وعلي الجانب المصري أن ينتظر لحين الإعلان عن الدروس المستفادة من حادثة مفاعلات اليابان وإدخال التعديلات اللازمة علي مواصفات منظومة الأمان لمحطة الضبعة المراد تنفيذها لأن فلسفة الأمان النووي ستتغير علي مستوي العالم بعد كارثة اليابان«. أعتقد أن رسالة الدكتور علي عبد النبي ربما تلخص دفاع المدافعين عن إنشاء مفاعل الضبعة، ومنهم الفنيون الذين اقترح السيد وزير الكهرباء والطاقة لقائي بهم. المشكلة أن توطين التكنولوجيا الذي ينادي به الدكتور عبد النبي لا يتم بمجرد نقلها جاهزة بمشغليها، لكنه يحتاج إلي زمن يتقدم فيه المجتمع كله في كل جوانبه ليكون قادرا علي إنتاج التكنولوجيا وتشغيلها وليس استيرادها وتوطينها. وبعد كل هذا الدفاع أذكر أنه في نفس الليلة التي حدثني فيها الدكتور حسن يونس فتحت التليفزيون بالصدفة علي محطة »يورونيوز« الأوربية. فوجدت مسئولة رفيعة في الاتحاد الأوربي ترد علي أسئلة مشاهدين ومنها أسئلة عن كارثة اليابان ومستقبل المفاعلات النووية في أوربا. فأجابت المسئولة بوضوح أن أوربا تتجه للاستغناء عن المفاعلات النووية لتوليد الطاقة وستعتمد علي مصادر أخري لتوليدها اكثر أمانا من المفاعلات. والدول الأوربية متقدمة في تكنولوجيا الذرة وتدرك منافعها ومضارها. لكن المسئولة الأوربية لم تقل كما قال الدكتور عبد النبي أن العقل البشري يستطيع ترويض الطاقة المدمرة. وإذا كانوا في أوربا يقولون ذلك بعدما وصلوا إليه من تقدم، فلماذا لا نقول نحن مثلهم ولم نصل إلي ربع تقدمهم؟ ويجب أن يتغير فهمنا للعلاقة بين العقل البشري والطبيعة. فواجب العقل ليس ترويض الطبيعة، وإنما فهمها واحترامها. فالطبيعة هي أم العقل. ولا يروض الإنسان أمه.