ويظل باب »أخبار الجامعات..« نابضاً بالحياة في ضمير قرائه أحد مطالب ثورة 52 يناير، المناداة باستقلال الجامعات، وتحريرها من القيود التي فرضت عليها قهرا من داخل الجامعة ومن خارجها، ومنها: إلغاء الحرس الجامعي، وهيمنة مباحث أمن الدولة علي مقدرات الأمور فيها، وعدم ملاحقة كل صاحب فكر ورأي يدعو إلي اصلاح التعليم والبحث العلمي، أساس تقدم الشعوب وسر نهضتها. وقد سلكت قوي القهر أساليب كثيرة لكبت الحريات، تارة بالإرهاب، وفي مرات كثيرة بالاعتقال والتعذيب في سجون مباحث أمن الدولة التي أصبح لها الكلمة العليا عند اختيار رؤساء الجامعات ونوابهم، وعمداء الكليات ووكلائهم، وفي تعيين المعيدين، ناهيك عما يلقاه الطلاب من قسوة وتعذيب، وافساد الحركة الطلابية. ومن أبرز المجموعات الداعية إلي استقلال الجامعة، مجموعة 9 مارس، ولا أذكر أنني تخلفت عن الاجتماع السنوي لهذه المجموعة من عام التأسيس 4002 وحتي الآن، لقد بدأت الحركة بعدد محدود من هيئة التدريس إلي أن أصبحت تياراً إصلاحيا تحررياً، جارفاً، رغم الملاحقة الأمنية.. والإدارة فيها جماعية، ولا يستطيع أحد أن ينكر الجهد الكبير الذي يبذله الدكاترة: محمد أبوالغار الأب الروحي للحركة ود. عبدالجليل مصطفي المفكر ومصطفي الحسيني دينامو الحركة وليلي مصطفي سويف الناشطة السياسية. وقد اتخذت الحركة من كلمات فيلسوف الجيل أحمد لطفي السيد أول مدير للجامعة المصرية »جامعة القاهرة الآن«، دستورا لها حيث يقول: »البيئة الجامعية، تقوم علي الإخلاص للعلم والتضحية في خدمته، والاستقلال في الرأي والفكر والعمل«.. وقد اختير يوم 9 مارس من كل عام لإقامة احتفالية لتذكير الأجيال الجديدة بتضحيات الرواد في الدفاع عن الجامعة، ففي هذا اليوم منذ 97 عاما، استقال أحمد لطفي السيد من منصبه كمدير للجامعة احتجاجا علي تدخل الحكومة في شئون الجامعة بنقل د. طه حسين، بسبب آرائه التقدمية وفكره المستنير، من كلية الآداب إلي وزارة المعارف العمومية »التربية والتعليم الآن«.. دون موافقة مدير الجامعة أو مشورة مجلس الجامعة. ماذا يعني استقلال الجامعة ولكن ما المقصود باستقلال الجامعة، هل يعني ان يتصرف رئيس الجامعة في جامعته وفق ما يهوي، أم أن الاستقلال الحقيقي يعني استقلال عضو هيئة التدريس في فكره، وفي حركته التعليمية والابداع دون معوقات مالية أو إدارية أو أمنية، وهل يتحقق الاستقلال بانتخاب القيادات الجامعية، ولا يأتون إلي هذه المواقع بالتعيين.. ولم يتحقق انتخاب رؤساء الجامعات، منذ نشأة التعليم الجامعي في مصر عام 8091 وحتي الآن.. وقد دعت »أخبار الجامعات« إلي انتخاب العمداء، وهذا ما تحقق في قانون الجامعات الصادر عام 2791 بفضل حماس د. أحمد شمس الدين الوكيل وزير التعليم العالي، آنذاك، وظل انتخاب العمداء تجربة ناجحة لاكثر من عشرين عاما متصلة، إلي ان جاء د. حسين كامل بهاء الدين وزيرا للتعليم العالي وألغي الانتخاب، بإدعاء أن هيئات التدريس في الجماعة المحظورة، الإخوان المسلمين، لم تعد محظورة الآن بعد 52 يناير، سيقفزون علي مناصب العمداء، ويسود الفكر الظلامي.. ولاشك أن انتخاب القيادات الجامعية، يجعل ولاءهم للجامعة، ورسالتها ويصون كرامتها.. وليس لمن يصدر قرارات تعيينهم، وفي مقدمتهم مباحث أمن الدولة. وإذا كانت الجامعات تمولها الدولة، فهل يترك لكل كلية، وكل قسم علمي حرية العمل بعيدا عن الخطة العامة للدولة في التنمية.. وما شكل العلاقة بين الجامعات بعضها ببعض، وبين المجلس الأعلي للجامعات.. هل يبقي أو يلغي وإذا ظل قائما فما هو دوره في الحياة الجامعية، كل هذه الأسئلة وغيرها كثير يجيب عليها أعضاء هيئات التدريس ومجالس الكليات ومجالس الجامعات فهم أدري بشئون جامعاتهم.. وحرصهم شديد علي كرامة العلم والعلماء. أخبار اليوم صحافة جديدة وبمناسبة الحديث عن الجامعة، أجدها مناسبة طيبة، للحديث في عجالة عن نشأة دار أخبار اليوم الصحفية، ودورها في الحياة الجامعية.. لقد أقام الأخوان الأستاذان مصطفي أمين وعلي أمين صرحا صحفيا اسمياه دار أخبار اليوم، وكان باكورة انتاج الدار، صحيفة »أخبار اليوم« الأسبوعية وكان صدورها يوم السبت 11 نوفمبر 4491. وقد أحدث صدورها ثورة في عالم الصحافة، في مصر وفي الشرق الأوسط، جاءت في ثوب جديد، تخلصت من الرتابة في التحرير والإخراج، وهي السمة الغالبة علي ما قبلها من الصحف، ولم تقف أحلام التوءم مصطفي وعلي أمين عند حد إصدار صحيفة أخبار اليوم الأسبوعية، بل كانا يحلمان باصدار صحيفة يومية، فكان صدور »الأخبار« اليومية في 51 يونيو 2591 وقد شهد هذا العام قيام ثورتين في أوقات متقاربة، الأولي صدور »الأخبار« اليومية، وكانت رائدة في فن التحرير: التحقيق الصحفي، والمقال، والتحليل السياسي، والخبر، وتميزت بنشر الصورة الصحفية المعبرة عن الأحداث، التي تغني عن آلاف الكلمات.. والثورة الثانية، قيام ثورة 32 يوليو 2591، التي خلصت البلاد من الاحتلال الإنجليزي بعد استعمار دام 07 عاما، وانطلقت تحقق أهدافها الاجتماعية والاقتصادية، ولكنها فشلت في إقامة حياة ديمقراطية، وجمدت تداول السلطة، أساس الدولة المدنية الحديثة، بعد أن ذاق القائمون عليها حلاوة ما تحققه كراسي الحكم من مكاسب لا حصر لها، مما أسلم الشعب إلي هزائم مخجلة.. لغياب الحريات وسيادة الحكم الشمولي.. اليوميات ابتكار وإبداع وابتكرت »الأخبار« في سعيها للتطوير: »اليوميات« يتناوب علي كتابتها كبار الصحفيين والمفكرين، يعبرون من خلالها عن خواطرهم، من الأحد إلي الجمعة، وابتكرت أيضا الأبواب الصحفية المتخصصة، وخصصت لها مساحة كبيرة في الصفحة الأخيرة، وهذه الأبواب تميزت بها »الأخبار« عن باقي الصحف الأخري، تخاطب فئات اجتماعية محددة، فكان هناك: »أخبار حواء« تصدر الأحد وتحررها الأستاذة خيرية خيري، و»أخبار السينما« وتصدر الاثنين ويحررها الناقد الفني صلاح ذهني، و»أخبار العلم«، يوم الثلاثاء ويحررها الأستاذ سلامة موسي، و»أخبار الفن« يوم الأربعاء ويتناوب علي تحريرها الفنانون: حسين بيكار، وعبدالسلام الشريف، وصدقي الجبخانجي وكمال الملاخ، و»أخبار الأطفال« الخميس ويحررها باباشارو، الإذاعي الشهير محمد محمود شعبان، و»أخبار الأدب« يوم الجمعة ويحررها الأستاذ محمد زكي عبدالقادر.. وبعد ثلاث سنوات من صدور »الأخبار« حلت »أخبار الجامعات« محل »أخبار الفن«، وكان أول صدور لها الاربعاء 21 أكتوبر 5591، مع بداية العام الدراسي، وتولي التأسيس والإشراف والتحرير الكاتب الكبير الأستاذ احمد لطفي حسونة، نائب رئيس تحرير الأخبار والمستشار القانوني لدار أخبار اليوم والمحرر القضائي لصحف ومجلات الدار. وكانت العلاقة بين الصحف والجامعة قبل صدور »أخبار الجامعات« لا تتعدي ذلك الخبر الروتيني الموسمي عن بدء الدراسة ومواعيد سداد رسوم الدراسة، واختلفت العلاقة بصدور »أخبار الجامعات«.. أصبحت منبرا للفكر الاصلاحي، وتبنت قضايا الجامعة وتطوير التعليم، وأضحت ملجأ لكل مظلوم.. وبعد مشوار من العمل الصحفي الشاق رحل الأستاذ احمد لطفي حسونة عن عالم الأحياء إلي جوار ربه، صباح الجمعة 51نوفمبر 8691 عن عمر يناهز 05 عاما.. وتسلمنا من بعده »أخبار الجامعات«.. بابا صحفيا ناجحا، له رصيد كبير من التقدير في الأوساط الجامعية لصدق الأداء، والانتصار لكل مظلوم. التوقف خمس مرات وأذكر ان باب »أخبار الجامعات« توقف عن الصدور خمس مرات، شأنه شأن بقية الأبواب الأخري، التوقف الأول عام 6591، عقب العدوان الثلاثي الذي شنته انجلترا وفرنسا واسرائيل لوأد ثورة 32 يوليو المطالبة باستقلال الشعوب المستعمرة، في آسيا وأفريقيا.. والتوقف الثاني عقب هزيمة 5 يونيو 7691 من إسرائيل، والثالث خلال حرب أكتوبر المجيدة عام 3791 والرابع عقب اغتيال الشهيد محمد أنور السادات بطل الحرب والسلام، اثناء الاحتفال السنوي بنصر أكتوبر في 6 أكتوبر 1891. ولم يدم التوقف سوي أسابيع قليلة، عادت بعدها جميع الأبواب إلي الصدور.. والتوقف الخامس بقيام ثورة الشعب في 52 يناير 1102، ويعتبر هذا التوقف هو الأطول، ونأمل ان تعاود الأبواب الصدور قريبا، لتظل هذه الأبواب الصحفية المتخصصة أداة التواصل بين »الأخبار« وقرائها.. التي أصبحت علامة تاريخية في الصحافة المصرية. عذاب الصحف وعذاب الزمن من أصدق ما قرأت: الصحف كالزمن، تضيف في كل يوم تجعيدة لا تري علي الوجه، وتحفر كل صباح ندبة لا تحس علي القلب، ويحدث أحيانا ان تصحو من النوم فتجد شعرك قد ابيض فجأة، وقلبك قد شاخ دون انذار.. فالصحف كالزمن قد تدهمك ذات صباح بكل ما لا تتوقعه، وكل ما لا تصدقه، ولكنه حدث.. هذا هو عذاب الزمن أو عذاب الصحافة.