من جديد يطلق المصريون حملات المقاطعة في مواجهة غلاء الأسعار، فبعد »بلاها لحمة» و»ثورة الإنترنت» و»قاطعوا الطماطم»، أطلق المواطنون في عدد من المحافظات حملة »خليه يعفن» ردا علي الارتفاع غير المبرر لأسعار الأسماك وخاصة البلطي الذي يعد الأكثر استهلاكا بين المواطنين في مصر حيث وصل سعر الكيلو إلي 40 جنيها في الأسواق. ورغم تعدد تلك الحملات وتجددها طوال الوقت لمواجهة الغلاء، إلا أن أياً منها لم تتمكن من تحقيق هدفها وتخفيض الأسعار والضغط علي التجار، حيث أرجع عدد من الخبراء ذلك إلي عدم وجود آلية للتنسيق، فضلا عن عدم وجود البدائل التي من الممكن أن يرجع إليها المستهلكون حال مقاطعة أي سلعة. الجمعيات الأهلية قال اللواء عاطف يعقوب رئيس جهاز حماية المستهلك إن نشر ثقافة المقاطعة لدي المواطنين يساهم بشكل كبير في تحقيق نتائج إيجابية في السيطرة علي الأسواق ويحد من جشع التجار، مشيرا إلي أن الجهاز يشجع الجمعيات الأهلية علي زيادة دورها في نشر ثقافة المقاطعة للمساهمة في حماية المستهلك من ارتفاع الأسعار. وأضاف يعقوب أن الجهاز يدعم كافة الجمعيات الأهلية التي تدعو إلي مقاطعة بعض السلع بسبب ارتفاع أسعارها، مشيرا إلي أن عدد الجمعيات ارتفع من 16 جمعية إلي 90 جمعية علي مستوي الجمهورية، وذلك بهدف توسيع منظومة الجهاز ونشر دوره في جميع المحافظات. وقال يعقوب إن الجهاز لا يتردد في تقديم أشكال مختلفة من الدعم المادي والمعنوي لجميع الجمعيات التي يتم تأسيسها بشكل قانوني. وأكد رئيس جهاز حماية المستهلك أن إحكام الرقابة علي الأسواق يتطلب تضافر جهود جميع الجهات المختصة، مشيرا إلي أن الجهاز يعقد اجتماعات دورية مع جميع الجهات والأجهزة المختصة ومنها اللجنة العليا للرقابة علي الأسواق والهيئة العامة للرقابة علي الصادرات والواردات وذلك لإحكام السيطرة علي الأسواق وحماية المواطنين من جشع التجار. وأضاف أن الآليات الموجودة بالقانون الجديد لحماية المستهلك سوف تلزم جميع التجار والبائعين بضرورة إخطار الجهاز بأسعار السلع والمنتجات التي يبيعونها وأية تغيرات تطرأ علي هذه الأسعار وذلك حتي يتمكن الجهاز من دراستها وتحديد ما إذا كان زيادة الأسعار لأسباب حقيقية أو لمجرد مضاعفة الأرباح، مضيفا أن تحقيق رقابة فعالة علي الأسواق تتطلب زيادة وعي المواطنين بحقهم في الحصول علي السلع بأسعار عادلة وجودة مناسبة. القوة الشرائية فيما قالت د. سعاد الديب رئيس الاتحاد النوعي لجمعيات حماية المستهلك، إن ثقافة المقاطعة مازالت جديدة علي المصريين، مشيرة إلي أن غياب التنسيق سبب أساسي في ضعف هذه الحملات حيث إن الجمعيات الأهلية المهتمة بحماية المستهلك والتي يجب أن تكون مسئولة عن هذا التنسيق عدد أعضائها كبير جدا ولا يوجد تنسيق بينهم، فضلا عن أنهم لا يلتزمون في كثير من الأحيان بالتجاوب مع هذه الحملات. وأضافت أن الزيادة السكانية في مصر وما يصاحبها من قوة شرائية كبيرة جعلت المعروض أقل بكثير من الطلب وبالتالي وفي ظل الظروف الاقتصادية الحالية أصبح من يمتلك المال فقط هو من يقوم بشراء السلع بأي سعر، ومن هناك يتسبب أصحاب الدخول المرتفعة في فرض واقع معين علي الغالبية العظمي من المواطنين أصحاب الدخول القليلة وهو ما يؤدي في النهاية إلي فشل حملات المقاطعة، مشيرة إلي أن التجار يقومون باستغلال أي قرارات اقتصادية لصالحهم فكثير من السلع لا تحتمل أي زيادة في سعرها ومع ذلك يتم رفع السعر اعتمادا علي »سياسة الهوجة» مدعين أن كل شيء يرتفع سعره وبالتالي يقومون أيضا برفع السعر دون مبرر لذلك دون خوف من عقاب بسبب ضعف الرقابة وسياسة الاقتصاد الحر التي تقوم علي العرض والطلب، فالسلعة الواحدة سعرها يختلف من مكان لآخر بحسب أهواء التجار. وأكدت أن هناك سلعاً أساسية لا يمكن مقاطعتها وإن حدث يكون لفترة محددة دون الامتناع النهائي، موضحة أن السلع سريعة التلف هي التي يمكن أن يكون بها استجابة أسرع مثلما حدث في محافظاتالإسماعيلية ودمياط وبورسعيد عندما امتنع المواطنون عن شراء الأسماك بعد ارتفاع أسعارها وهو ما أدي إلي إغلاق عدد من المحلات لفترة، مؤكدة أن السبب الرئيسي لفشل حملات المقاطعة هو عدم وجود بدائل أمام المواطنين فكل اللحوم أسعارها مرتفعة، والبقوليات ارتفعت أسعارها بشدة وبالتالي لن يجد المواطنون أمامهم أي بديل إلا الشراء حتي لو بسعر مرتفع. عمل تراكمي قال محمود العسقلاني، مؤسس جمعية »مواطنون ضد الغلاء»، إن حركات حماية المستهلك المصري مازالت في مرحلة البداية ولا يمكن الحكم علي نجاحها من عدمه، حيث إن العمل الإيجابي هو عمل تراكمي، فأي حملة مقاطعة لا تحقق استجابة أو نتائج كبيرة لكن بعد فترة وبوجود حملات أخري تحدث النتائج بشكل تراكمي، مشيرا إلي أن جمعية »مواطنون ضد الغلاء» بدأت أولي هذه الحملات قبل ثورة يناير حينما أطلقت حملة لمقاطعة اللحوم وبالفعل أكدت شعبة الجزارين في ذلك الوقت أن 30 % من محال الجزارة أغلقت، فيما تعرضت كميات كبيرة من اللحوم في المحال للتلف وهو ما نتج عنه فيما بعد تراجع في الأسعار. وأضاف أن حملات المقاطعة ليست الحل الجذري لمشاكل ارتفاع الأسعار، لكنها جزء منها، وجاء سلاح المقاطعة نتيجة تجارب تراكمية لابد من الاستفادة منها لتطويرها وضمان نجاحها، فإذا قاطع المواطنون اللحوم لارتفاع أسعارها، يزيد الطلب علي الدواجن والسمك، وبالتالي تزيد أسعارها وهكذا، فالأعباء موزعة بين السلع في الأسواق، وأكد أنه لنجاح هذه الحملات يجب أن تدخل الدولة طرفاً من خلال التفاوض مع المعنيين بالأمر من تجار اللحوم والسلع الغذائية واقناعهم بضرورة الاستجابة للحملات والعمل علي خفض الأسعار. وأكد أن حملات المقاطعة من الممكن أن تكون سلاحاً قوياً إذا توحد المستهلكون وتوحدت جمعيات حماية المستهلك للتأثير علي التجار، حيث إنه من الضروري وجود حركات قوية لحماية المستهلك، كما هو الأمر في كل دول العالم، حيث إن قوة المستهلكين في الاستجابة وهو ما يحدث في كثير من دول العالم وعلي رأسها فرنسا التي تعد من أكبر الدول في الاستجابة لحملات المقاطعة، موضحا أن المتضرر من حملات المقاطعة المستهلك والبائع معاً، حيث إن الأول يحرم نفسه من سلعة معينة نتيجة ارتفاع سعرها، والثاني يتضرر من فشله في بيع سلعته وعدم تحقيق المكاسب التي يرجوها، ومن الممكن أن تفسد السلعة لديها أو تنتهي صلاحيتها ولذلك يصبح مضطرا لبيعها بأي سعر. بدائل حقيقية من جانبها، قالت د. يمن الحماقي أستاذ الاقتصاد بجامعة عين شمس إن السبب الرئيسي لعدم نجاح دعوات المقاطعة التي تقوم بها بعض الجمعيات الأهلية هي عدم وجود آليات واضحة لتنفيذ المقاطعة وزيادة تأثيرها، مشيرة إلي أن المشكلة الحقيقية التي تواجهنا هي عدم وجود معلومات كافية عن السوق المحلية والمنتجات المعروضة وهذا ما يسمي بعدم كفاءة السوق. وأضافت أن عدم وجود بدائل حقيقية للسلع التي تتم مقاطعتها تضعف دعوات المقاطعة وتقلل من تأثيرها بشكل كبير ويكون لها مردود سلبي علي أسعار السلع، مشيرة إلي أن فشل دعوات المقاطعة يزيد من جشع التجار ويعطيهم ثقة أكبر في قدرتهم علي التحكم في السوق بسبب عدم وجود منافسين حقيقيين. وطالبت د. يمن الحماقي بضرورة نشر قوائم دورية بأسعار جميع السلع والمنتجات سواء بالجملة أو التجزئة، وتوفير معلومات كافية عن المنتجين والبائعين في السوق المحلية، مشيرة إلي أن توافر تلك المعلومات يساهم بشكل كبير في تحقيق منافسة كاملة في الأسواق تؤدي في النهاية إلي توفير السلع بأسعار مناسبة وجودة عالية. وطالبت الحماقي جهاز حماية المستهلك ومركز معلومات مجلس الوزراء بعمل مسح شامل للسوق المحلية وتحديد بدائل السلع وأسعارها فضلا عن تحديد نوعية السلع ومدي استجابتها لدعوات المقاطعة التي يمكن أن تدعو إليها بعض الجمعيات الأهلية. وأشارت إلي أن السلع الاستراتيجية خاصة الغذائية لا تستجيب بصورة كبيرة للمقاطعة حيث إنها تمثل سلعاً أساسية للمواطنين ومن الصعوبة الاستغناء عنها. وشددت علي ضرورة خلق منظومة متكاملة لإحكام الرقابة علي الأسواق ووضع ضوابط واضحة لجميع المتعاملين بالسوق بدءاً من بائع التجزئة وانتهاء بالتجار والمصنعين، مشيرة إلي أن العشوائية التي يعاني منها السوق المحلية تمثل أحد أهم الأسباب وراء عدم قدرة الجهات الحكومية علي السيطرة علي الأسواق وحماية المواطنين من جشع التجار.