كنت أود أن أستكمل حديثاً بدأته عن حاجة العقل المصري إلي اعادة إحياء سياسي وثقافي بعد زمن من الطمس والحصار.. وكان دافعي لذلك الإحياء هو تأمين الحوار الوطني الواسع المطلوب قبل أي فعل.. وعلي نحو يخالف ما فعله الدكتور يحيي الجمل لكي نصل إلي اجماع وطني مكتمل حول الأهداف والوسائل تكون الأمة ممثلة فيه بحق.. وبالتالي تكون مصدره الأساسي. ولكني أفقت في هذا الاسبوع علي لطمة اصابتني بالغضب والاحساس بالعار معاً حين شاهدت ما حدث في المباراة مع تونس.. وتونس بالذات؟! توءم الثورة المصرية ومن احتضن ابناءها عند حدود ليبيا من حوصروا في دائرة الجنون من المصريين داخل ليبيا؟ هل هي فضيحة.. أم نذير؟! هنا تساءلت أي وقت سيسعفنا لإحياء العقل المصري هذا؟ أو لاستكمال مسيرة الثورة.. إن كان النظام القديم بهذا القدر من الخسة والشر؟ ان البلطجية الذين كانوا متربصين منذ الصباح بأسلحتهم في الاستاد.. هم نفسهم المأجورون يوم موقعة الجمل.. ان النظام القديم يتربص مسرعاً بخطواته في كل اتجاه مشدداً ضرباته علي كل الوجوه.. انه الخطر الذي نبهت اليه بعد ايام من الثورة: السرعة في التطهير بمنطق ثوري لا وسط فيه ان الخطر ليس في البلطجية الذين تصدر في شأنهم الاحكام العسكرية الرادعة والعاجلة.. بل الخطر فيمن وراءهم.. من هم مطلقو السراح حتي الآن.. في مواقع سلطة مازالوا.. وعلي رأس مؤسسات.. وفي المجالس المحلية بالآلاف.. وفوق هؤلاء جميعاً كبار كهان الفساد السياسي.. وهؤلاء جميعاً لم تقترب منهم الأحكام العسكرية العاجلة.. أو علي الأقل الاحترازية لتكون المعاملة بالمثل كما البلطجية الصغار الذين يلتقطونهم من بؤس العشوائيات مستغلين فقرهم وجهلهم. في التأني الندامة! إن رسالتي موجهة بالدرجة الأولي إلي حكومة الدكتور عصام شرف برغم ما نحمله له من حب واحترام لوطنيته ونقائه، أما المجلس العسكري وجيش مصر ذو التاريخ المجيد الذي ينتمي إليه المجلس فلا نحمله أكثر مما يحتمل وبالقدر الذي حدده وارتضاه وهو حماية هذه الثورة.. وان ألزمته المسئولية المؤقتة بخطوات تعجل بنقل المسئولية لسلطة مدنية.. فمن واجب الحكومة أن تراجع ذلك وان تتحمل نصيبها من المسئولية.. خاصة ان رئيسها جاء من ميدان التحرير.. اي جاء وهو يحمل في قلبه وعقله منطق الثورة.. ومفروض ألا يسمح بالنيل منه سواء من داخل وزارته أو خارجها.. بالتالي فإن مسئولية التأني في التطهير والابقاء علي كهنة الفساد السياسي الذين يقودون حركة الثورة المضادة تقع علي عاتق حكومة الدكتور عصام شرف وكان عليه ان يقاوم ذلك ويراجعه فهو وجه الثورة في السلطة القائمة.. ولقد كان بجانبه كبار فقهاء القانون الدستوري.. الدكتور يحيي الجمل وكان عليه دور في ذلك مثلما كان يساعد الحكومة علي تدارك خطأ تشكيل لجنة التعديلات التي كانت هي والاستفتاء أمراً لا مبرر له.. بدليل إلغاء دستور 1791 والعودة إلي الاعلان الدستوري.. الذي حل مشكلة الطعن في التعديلات وعواقبه وان لم يمنع ذلك خطأ ان الاعلان نفسه جاء بعيداً عن اي مشاركة من الأمة في الرأي. ثم كانت الطامة التي تحمل وزرها كاملاً الدكتور الجمل نائب الدكتور شرف.. بما اسماه الحوار الوطني.. تأليفاً وإخراجاً!! وكل هذا وياللعجب يصب في صالح الثورة المضادة علي المدي البعيد كما سنوضح وكان هناك مؤشر عجيب في أجندة الحوار الوطني التي قدمها الدكتور الجمل عن النظر في آلية للتصالح مع النظام القديم!! أليس هذا مذهلاً؟ وأنا هنا أسأل أليس لذلك علاقة بأننا تركنا أساس الفساد في النظام كله وهو الفساد السياسي وانصرفنا إلي ما دونه؟ فالفساد السياسي هو الأصل.. هو الغطاء لما عداه: الفساد المالي والنهب والفساد الاداري والامني.. هل ترك بمنطق انه لا يوجد له نصوص في القانون الجنائي؟ عجباً!!.. هل كل اشكال الدمار التي لحقت بالحياة السياسية في مصر حكومة للزمرة الحاكمة من انتخابات مزورة ومجلس نيابي هزلي.. ومن تدمير مخطط للحياة الحزبية واختراق واجهاض لفاعلية الاحزاب بكل الوسائل غير الشرعية، وتقنين كل اشكال الانحراف الذي ساعد علي تبديد كل الاصول من ممتلكات الشعب وكل ما بقي من مكتسبات ثورة يوليو في التعليم والصحة والزراعة والصناعة والوصول بغالبية كبيرة الي ما تحت خط الفقر.. وبحق هذا وغيره لا يكفي لمحاكمة الفساد السياسي ومن يعلن أخيراً عن خطوات لاستدعاء دهاقنة الفساد السياسي.. نجد الأمر يتعلق بقطعة أرض هنا.. أو كسب غير مشروع هناك.. مثلما يحاكم العادلي الآن علي قطعة أرض.. مؤجلين بعيداً جريمته الكبري مع الشهداء.. وهو متساو في هذا مع الآخرين في تلك المقارنة!. كيف يتفق هذا مع منطق الثورة وأنت الثوري النبيل في اعماقك يا دكتور شرف.. ويدرك ذلك كل من عرفك؟! وأما العجلة.. فهي الخسران المبين وتعالوا ننظر فيما تصير اليه الأمور ان لم نحسم أمر التطهير الكامل الحاسم وسارت الامور دون ان يتم اولاً اجماع وطني علي الاهداف والوسائل فأمامنا خطوات تحكمها شهور قليلة وبهدف التعجيل بنقل السلطة يتم خلالها انتخابات مجلس الشعب ومجلس الشوري الذي لا يريده الكثيرون وتلك الانتخابات سوف تجري بلا حياة حزبية.. فالساحة تخلو من أي كيانات حزبية حقيقية.. فالأحزاب القديمة حل بها ما حل وتكاد تكون بلا قواعد شعبية بل وبلا قيادات متفق عليها لتكون مسلحة ببرامج تمثل مصالح من تمثلهم وعلي مستوي ثورة.. والأمر اكثر صعوبة أمام الاحزاب الجديدة، خاصة التي تمثل شباب الأمة وفي مقدمتهم طلائع الثورة.. فمن حقهم ان يجدوا الوقت لبلورة برامجهم وحشد قواعدهم والتأهب لمعركة ليس لديهم خبرة سابقة بها.. رغم انهم طرف مهم جداً في رسم طريق المستقبل. اذن من بقي في الساحة جاهزاً بحق لهذه الانتخابات خلال تلك المدة؟ ليس سوي التيار الاسلامي.. برغم ما يبدو علي السطح من بعض خلافات.. الا انه منظم تماماً وبقواعد واسعة اما قدرته علي التأثير فقد بدت واضحة في استفتاء التعديلات.. ويقابله وقد يتحالف معه الحزب الوطني وجيشه الأساسي مازال في المجالس المحلية في كل مصر.. بخلاف جيوبه وجنوده وأموال من بقي من رموزه.. واذن فهم من سيملكون مع التيار الاسلامي مجلسي الشعب والشوري.. وهم من سيتحكمون في انتخاب رئيس الجمهورية علي صورة تناسبهم.. وهم من سينتخبون اللجنة التأسيسية للدستور الدائم!! فإلي أين نحن ذاهبون إن صح ذلك؟ هل تعود الأرض للعصر الجليدي؟ يمكن ان تعود الأرض للعصر الجليدي او الشتاء النووي لو قامت حرب نووية شاملة لا قدر الله وهنا يرتد التاريخ الي الماضي السحيق في لمح البصر.. وهذا ما نخشاه لو جرت الأمور علي الصورة التي سردتها سلفاً.. أن يرتد المجتمع المصري وارجو الله ان تخيب ظنوني الي الخلف وذلك يستدعي وقفة حاسمة لا تحتمل التردد او اللغو العقيم.. قبل ان يهبط علينا عصر من التجمد والظلام وهذه الوقفة تفترض التركيز علي التطهير الحاسم أولاً وفي هذا الصدد أقترح التالي: 1 حل الحزب الوطني واسترداد كل مقاره. 2 تجميد نشاط افراده بعيداً عن المشاركة السياسية في المرحلة الحالية علي الاقل حتي نعبر الي استقرار بدستور دائم ونظام يتوافر له الاجماع الوطني.. وليس هذا باقصاء.. فالاقصاء يكون لأعضاء حزب حقيقي.. وهو لم يكن حزباً.. بل تجمع مصالح ان لم نقل تشكيل عصابيا يتخفي وراء برامج سياسية وهمية.. وكل أعضائه يعرفون ذلك وأتحدي من يثبت منهم انه شارك وفقاً لاقتناع بهذه البرامج الزائفة. واذا اعتبر البعض ان هذ الاقصاء المؤقت ضد الديمقراطية فإنني ضد الديمقراطية.. في هذا الامر بالذات.. حماية لظهورنا وإيقافاً للتداعيات المشار اليها. 3 الاسراع وعلي الفور ببدء الحوار الوطني بمعناه الحقيقي غير المفروض من اي شخص او جهة.. بل من خلال آلية تسمح بمشاركة ممثلي كل القوي علي ارض مصر ومن اقصاها لأقصاها وان يكون في صدارته صوت الثورة من الشباب ومنطق الثورة لا المنطق الاصلاحي الذي يخفي في طياته روح النظام القديم. 4 وفقاً للاجماع الوطني علي الارضية المشتركة من الأهداف والوسائل يعاد النظر في الاعلان الدستوري المؤقت من اطراف يتم الاستقرار عليهم خلال الحوار الوطني او بانتخاب بين ممثلين لقواه. 4 حتي يتفرغ جيش مصر الوطني لمهامه المقدسة في حماية الوطن وأمنه دون قلق صار يثقل عليه بمشاكل الداخل يتم تشكيل مجلس رئاسي ممثل فيه الجيش ويمكن ان يكون للجنة الاعلان الدستوري المؤقت دور في هذا الاختيار وأيضاً في اختيار اللجنة التأسيسية للدستور الدائم.. أو طرح عدد من المرشحين للاستفتاء. 5 دعم الحكومة التي تقوم علي شئون البلاد في ظل المجلس الرئاسي بعناصر قوية مهنياً وسياسياً تعمل وفق المنطق الثوري لا الاصلاحي.. حتي نصل بالمجتمع المصري الي البداية الصحيحة وهي اعلان الدستور الدائم وبمقتضاه وبعد الاستفتاء عليه.. تجري الانتخابات علي النحو.. والنظام الذي سيتم الاتفاق عليه. هذه الرؤية أظنها تمثل بوصلة صحيحة تتحاشي اختطاف هذه الثورة وحماية ظهرها من الانقضاض والتآمر.. وطالما ان القرار يكون ويظل في يد الأمة ومن وحي ضميرها ومصالحها. فلن نخشي اي تهديد من قوي النظام القديم او اي قوي تسانده من الخارج وبالمناسبة اسرائيل في الصورة بقوة دون ان نراها ولن نخشي ايضاً من وجود تيارات اسلامية في المشهد السياسي.. ولا محطمي الاضرحة.. ولا التخويف بالعائدين آلافاً من أفغانستان.. ولا من أي فزاعة كانت.. لأن البناء كما أشرت سيجري بأيدي أبناء الأمة ووفق ارادتها وفي حماية قواها صاحبة المصلحة وسيظل الجيش في موقعه من قلوبنا بتدخله في اللحظة الفاصلة وباستمرار دوره في حماية الوطن.. وايضاً درعاً دائمة للثورة.. مثلما سيكون ابناء الامة من الشرطة داخل دورهم الحقيقي وفق مصالحة حقيقية مع الشعب.. بعدما استبعد التطهير بحسم ووضوح من فرط في الامانة ونال ما يستحق.