مع اقتراب موعد الانتخابات العامة في هولندا يحبس المسلمون في البلاد أنفاسهم إذ يعيشون مزيجا من الخوف والترقب لما ستؤول إليه الأوضاع بعد الانتخابات التي من المتوقع أن تقلب الموازين في أوروبا.. فرغم أن هولندا تعتبر من أكثر دول أوروبا تسامحا في مجال تقبل واندماج المهاجرين من الدول الإسلامية، إلا أن هذه الانتخابات تنذر بتغيير هذه الصورة في حال صعود حزب »الحرية» الذي يتزعمه اليميني المتطرف »خيرت فيلدرز» المناهض للإسلام والذي تعهد بإغلاق المساجد في البلاد. هذه الانتخابات المصيرية بمثابة اختبار حقيقي للاتجاهات السياسية في أوروبا بالتوازي مع الانتخابات في كل من فرنسا والمانيا.. فهل ترسم الانتخابات الهولندية المشهد الأوروبي من جديد ويتصدر حزب الحرية السباق ويصبح فيلدرز رئيس الوزراء؟. منذ عام 2002 وحتي عام 2012، لم تكمل أي من الحكومات الهولندية فترتها (4 سنوات)، لذا شهدت البلاد خمسة انتخابات برلمانية، ويُعزا هذا بالطبع للتحالفات الهشة التي تخرج من رحم هذه الانتخابات حتي جاءت انتخابات 2012، واستطاع حزب »الشعب للحرية والديمقراطية» (يمين الوسط)، أن يتصدر النتائج بحصوله علي 40 مقعدًا من أصل 150 مقعدًا بالبرلمان، يليه حزب العمل (يسار الوسط) ب35 مقعدًا، ليشكل الحزبان حكومة ائتلافية. أما بالنسبة للانتخابات المقرر انطلاقها في 15 مارس الجاري (الأربعاء المقبل)، فالأمر مختلف تماما، إذ ستشهد منافسة بين عدد قياسي من الأحزاب يبلغ 28 حزبا تحاول كل منها الظفر بأكبر عدد من المقاعد، ويبدو أن المنافسة محتدمة بين حزبي »الحرية» و»الشعب للحرية والديمقراطية » المحافظ الذي يتزعمه رئيس الوزراء الحالي »مارك روت»، وقبل أيام من الانتخابات تنقلب استطلاعات الرأي رأسا علي عقب معلنه تراجع حزب فيلدرز بعد ما كان يتصدر المشهد علي مدار الأشهر الأخيرة. ورغم تراجعه الطفيف إلا أن استطلاعات الرأي تتوقع بروز حزب فيلدرز الشعبوي المعادي للإسلام والاتحاد الأوروبي كأكبر حزب في البلاد. ووفقًا للاستطلاعات فإن أيًا من الأحزاب المتصدرة لن يمكنه تشكيل الحكومة بمفرده، ولن يقتصر تشكيلها علي التحالفات الثنائية كما حدث عام 2012، إذ سيتعدي الأمر ما هو أبعد، مما يجعل تحالف الحكومة هشا في النهاية. واستباقا للمجهول.. أشهرت الأحزاب الكبري سيفها في وجه فيلدرز معلنة رفضها تشكيل حكومة معه حيث تعتبر برنامجه الانتخابي لا يؤسس لعمل مشترك بل يدعو إلي التفرقة بين أفراد المجتمع والتحريض علي الكراهية والعنصرية. وبدلا من أن يصب فيلدرز اهتمامه في بداية حملته علي قضايا الأمن والاقتصاد وغيرها، دشن حملته بتصريحات مناهضة للمهاجرين في هولندا وبخاصة المسلمين حيث وعد بإغلاق حدود البلاد في وجههم وإلغاء الإقامات الممنوحة للاجئين ومنع تلاوة القرآن الذي شبهه بكتاب »كفاحي» للنازي أدولف هتلر والزج بالمسلمين المتطرفين في السجون كخطوة احترازية. ويري محللون أن برنامج فيلدرز الانتخابي يقتدي بالخطة العنصرية التي عرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال حملته الانتخابية. في المقابل، يري خبراء آخرون أن وصول فيلدرز للسلطة سيكون فرصة ليعي هو وأنصاره أن ما يدعو إليه لا يمكن تحقيقه لان هناك حسابات ومصالح معقدة وسياسة خارجية لا يمكن تجاهلها، لكن تكمن الخطورة علي المدي البعيد.. فخطورة فيلدرز تكمن في اتصالاته وصداقاته مع الأحزاب اليمينية الأوروبية الأخري، وهذه الأحزاب تنسق فيما بينها وتدعم بعضها البعض فاذا نجحت في الوصول إلي السلطة سيكون تأثيرها عميقا علي الأجيال القادمة. ورغم رفض الأحزاب الكبري لفيلدرز، إلا أن لديه قاعدة من المؤيدين، ويبدو أنه يستمد شعبيته من الأصوات الغاضبة من الاداء الحكومي الحالي والحديث المبالغ فيه عن أن الهوية الهولندية مهددة، بعدما أظهر استقصاء أن عددا كبيرا من الهولنديين يعتقدون أن المسلمين أوشكوا أن يشكلوا 50 % من سكان البلاد. ويشكل المسلمون أكبر أقلية اجنبية في هولندا حيث تشير الأرقام إلي وجود نحو مليون مسلم في البلاد، 70% منهم من أصول تركية ومغربية وصفها فيلدرز ب»الحثالة». منذ القرن السادس عشر، وهولندا ملاذ أوروبي للاجئين بعد ما انفصل الهولنديون عن إسبانيا وكرسوا دولتهم الجديدة للحرية الدينية ووفروا الحماية للأقليات. ويري محللون أن خطابات فيلدرز وتزايد شعبيته لا تثير فحسب مخاوف المسلمين في البلاد وتؤدي إلي تصاعد حدة النقاش حول المسلمين ليصل الأمر إلي معارك ومشادات عنصرية، بل أنها تنذر بتجريد هولندا من هذا الطابع التاريخي الذي تميزت به علي امتداد أربعة قرون أو يزيد، لذلك يبدو أن هولندا تنتظر مستقبلاً مظلما بعد الانتخابات، فالعديد من الوعود الانتخابية التي أطلقتها أحزاب اليمين المتطرف، ستفرز صراعات داخل المجتمع الهولندي، وليس من المستبعد أن تمتلأ الشوارع بالمتظاهرين لمكافحة سياسات اليمينيين، مثلما حدث في الولاياتالمتحدة عندما تولي ترامب مقاليد الحكم. • مروة جابر