مستقبل مصر يشغلنا جميعاً.. ثورة 52 يناير أطلقت آمالنا في مستقبل أفضل مما كنا نتوقعه في ظل النظام السابق.. مستقبل تستحقه مصر ويستحقه شعبها الذي عاني الكثير قبل وبعد ثورة 32 يوليو 2591.. عاني منه الاحتلال والاقطاع قبل 25 ثم الديكتاتورية وكبت الحريات والفساد - بدرجات متفاوتة - بعد 25 وصلت ذروتها في السنوات العشر الأخيرة. كيف يكون مستقبل مصر.. كيف نراه.. وماذا نفعل لنصل إلي ما نطمح اليه؟ حول هذا المعني والمغزي التقي شباب ثورة 52 يناير مع رموز الفكر والسياسة وشيوخ المثقفين ورجال الدين الإسلامي والمسيحي في موتمر يحاول الاجابة علي هذه التساؤلات تحت عنوان »رؤي مستقبلية من وحي الثورة«. المؤتمر استضافته الاسكندرية علي مدي يومين الحضور كان يضم كل فئات وأطياف المجتمع جاءوا ليفكروا معاً في مستقبل مصر آملين ان تتجاوز الظروف الصعبة التي تمر بها حالياً لتخرج من عنق الزجاجة الذي يحاصرها وتنتقل الي مصاف الدول الكبري. أجمع الحضور علي ضرورة الدولة المدنية الحديثة وصياغة دستور جديد يتضمن حرية الفكر والتعبير والعقيدة وقبول الآخر بكل معانيه واشكاله كما وضعوا آليات للتعامل مع الفساد واقترحوا وسائل للتواصل الاجتماعي والحفاظ علي الثورة وحددوا مستقبل التعايش الوطني.. ودار الحوار من خلال 4 مجموعات: المجموعة الأولي كان مقررها الشاب وائل علي ومن بينهم الإعلامية نهلة المدني والدكتور سمير فهمي رئيس جمعية الشبان المسيحية وكانت مكلفة بإعداد رؤية لدستور جديد اقترحت الاستفادة من تجارب الدول الاخري في صياغة الدستور المنظم للعلاقة بين الدولة والمجتمع لها.. وان يراعي فيه اختلاف الرؤي واحترام حرية الاعتقاد يحدد الفصل الكامل بين السلطات ويقوم علي اساس دولة مدنية تناسب تحديات العصر ويقضي علي جميع أنواع التمييز وأكدوا علي ضرورة عدم انشاء أحزاب علي أساس ديني أو عقائدي أو فئوي. ورأوا ان اللجنة التي سيتم تكليفها لوضع الدستور الجديد يجب ان تكون منتخبة من كافة القوي الوطنية وتمثل كافة فئات المجتمع وأن تطرح كل مواد الدستور لحوار مجتمعي قبل صياغتها. واوصت بأن يقوم كل فرد من المجموعة بواجبه في تنمية الوعي السياسي والمجتمعي نحو الديمقراطية والحرية. مكافحة الفساد وتناولت المجموعة الثانية التي كانت مقررتها الإعلامية نشوي الديب وضمت بين افرادها الكتاب والمفكرين حسين عبد الرازق وعبد القادر شهيب ورياض سيف النصر. تناولت آليات التعامل مع الفساد وتعرضت للأسباب الكامنة وراء الفساد ومن ابرزها غياب الديمقراطية والفقر والتفاوت الرهيب بين الاجور والتمييز الطبقي واختلال منظومة القيم وعدم وجود قانون لمحاكمة الوزراء وغياب الشفافية وعدم استقلالية الاجهزة الرقابية والقضائية. كما تناولت مظاهر الفساد واهمها تزاوج رأس المال والسلطة.. وتخصيص الاراضي وهي الباب السريع للثراء. وخصخصة الشركات العامة والاتجاه لبيع القطاع العام وعدم تفعيل القوانين وعدم تصدي المؤسسات التربوية والدينية والإعلام للفساد. وتناولت المجموعة ايضا التكلفة الاجتماعية للفساد حيث تبين ان الفقراء هم الذين يدفعون التكلفة وتسلق انصاف الموهوبين إلي مركز صناعة القرار واستبعاد الكفاءات النزيهة وانتشار الفساد والرشوة وزيادة البطالة وانحسار الرقعة الزراعية والنتيجة تراجع الانتماء وهجرة العقول والخبرات المصرية للخارج. ورأت اللجنة تعظيم الدور الرقابي لمواجهة الفساد والفصل بين السلطات وتدعيم ومتابعة تقارير المجتمع المدني وتطبيق سيادة القانون.. مع وضع حد أدني للاجور واستقلال النيابة العامة عن السلطة التنفيذية وانتشار ثقافة الحوار وقبول الآخر ليس في الدين فقط وهدم الفساد ثم البناء من جديد. وسرعة تنفيذ الاحكام القضائية وتجميد الحالة الحزبية للرئيس طوال فترة رئاسته. التواصل الاجتماعي وعرضت المجموعة الثالثة المكلفة بوسائل التواصل الاجتماعي والحفاظ علي الثورة ومقررها عماد توماس ان الفيس بوك واليوتيوب كان لهما دور كبير في عملية التواصل قبل وأثناء الثورة لكنهما لا يكفيان لعملية التواصل في المجتمع كما ان المواقع الالكترونية ليست وسيلة جيدة للتواصل في الريف والقري وركزت علي دور المجتمع المدني في أهمية التواصل بين المواطنين والوصول الي الفئات المهمشة في الصعيد والنوبة والمحافظات الحدودية مثل شلاتين وحلايب وسيوة وشمال وجنوب سيناء والوادي الجديد واعطائهم كافة الحقوق في العلم والمعرفة وكذلك التركيز علي دور رجال الدين الإسلامي والمسيحي في التواصل المجتمعي بشرط تجديد الخطاب الديني وتبني ثقافة قبول الاخر وحقه في التمتع بالحريات والمواطنة وحقه في التعايش السلمي في المجتمع. التعايش المشترك وقدمت المجموعة الرابعة التي كان مقررها ريمون ادوار رؤيتها من مستقبل التعايش المشترك رأت أن أهم معوقات التعايش يكمن في نظام التعليم وغياب الرقابة علي المدرسين وعدم تدريبهم علي مفهوم المواطنة وحقوق الآخرين وانفجار القنوات الدينية وممارستها لخطاب ديني يحث علي الكراهية وتكفير الآخر.. وغياب الرمز الديني للاقباط في الإعلام للتعريف بتعاليم الدين المسيحي حيث لوحظ ان الجهل بالاخر وعدم معرفة تعاليمه ومفاهيمه تؤدي إلي مزيد من الاحتقان.. وكذلك ترديد الشعارات الدينية واللقاءات المصطنعة دون الوصول للاعماق. واوعزت المجموعة ان احد أهم اسباب الفتنة الطائفية في مصر كانت الحكومة ممثلة في وزارة الداخلية وعدم سيادة القانون وتطبيقه علي الجميع وعدم معالجة الخلافات الطائفية في المهد واللجوء للاحكام العرفية بعد وقوعها وعدم الاعتراف بالواقع واللجوء للحلول السطحية. وخلط الدين بالسياسة كما حدث في الاستفتاء الاخير. وتلاشي الطبقة الوسطي التي كانت تحفظ التوازن في المجتمع. واقترحت المجموعة لحل هذه المشاكل تطوير مناهج التعليم واستخدام الدراسة لترسيخ المواطنة وتطوير الخطاب الديني وفض الاشتباك بين الدين والسياسة وتفعيل دور الازهر والكنيسة وعدم تركهما للمتطرفين من الجانبين كما اقترحت الغاء خانة الديانة في بطاقة الرقم القومي. شهادات للتاريخ وكان منتدي حوار الاديان بالهيئة القبطية الانجيلية الذي نظم هذا المؤتمر قد بدأ جلساته بعرض شهادات حية لعدد من شباب الثورة في ميدان التحرير حيث تم عرض جوانب الفنون والإبداع وتطور العنف والمشاركة النسائية التلاحم الوطني خلال الثورة. تحدثت في البداية فيولا فهمي (صحفية شابة) بجريدة المال عن شهادتها حول الجانب الفني والإبداعي في ميدان التحرير قالت ان الميدان خلال الثورة لم يكن قبلة للثوار فقط ولكنه كان كرنفالا دائما لكل الزوار وشهد حالة من الحراك الفني ليعلن حالة الابداع التي كانت بطيئة الحركة في المجتمع في ظل مناخ خانق للإبداع والابتكار بكل صوره وترسانة من القوانين المقيدة للحريات والرقابة الدينية والنظام السلطوي. وعندما جاءت لحظة الحرية كان نهار الثوار للهتافات والتظاهر وليلهم للفن والابداع وظهرت في الميدان مواهب الرسم والنحت والكاريكاتير والشعارات الوطنية كما ظهر اتيليه الثورة من فن الجرافيك والرسم علي الاسفلت والجدران والتلوين. وقالت بالرغم من مشاعر الغضب كانت هناك روح دعابة ومرح وتغيير الشعارات حسب كل مرحلة لتعبر عنها وكانت موقعة الجمل الشهيرة لحظة فارقة في حياة النظام السابق كتبت شهادة وفاته.. وعمل الفنانون رسومات علي شكل جمل »يقول سامحوني غصب عني« وغيرها من العبارات وكذلك كان التعامل بشكل جميل مع مغالطات الإعلام فكان يكتب علي علبة الكشري كنتاكي وظهرت الاغاني والمجلات التي تعبر عن صوت الثورة وتغيرت صورة الشباب من الاستهتار والتسكع واللامبالاه الي شباب ثائر وطني لديه مواهب ورغبة في صنع المستحيل. أطول يوم وعرض أحمد مصطفي الصحفي باليوم السابع وكان أحد ثوار ميدان التحرير أنه يوم الاربعاء 2 فبراير الشهير بموقعة الجمل كان اطول يوم في حياته وعرض صور الوحشية التي كان يتعامل بها رجال الأمن والبلطجية مع المتظاهرين من قنابل مسيلة للدموع ورصاص مطاطي ودهس بالجمال والخيول والعصي والطوب وكل ما يملكونه لاجهاض الثورة وتطرق إلي العنف الذي شاهده للفتيات والسيدات والشيوخ والكبار والتلاحم الشعبي الجميل الذي لم نشهده من قبل وكان شاهد عيان من فوق سطوح احد المنازل الواقعة في الميدان والاعتداء علي المتحف المصري. وعرضت مني عزت الصحفية بجريدة البديل للدور النسائي في الثورة قالت كانت السيدات والفتيات جنبا إلي جنب مع أخوتهم واشقائهم من الشباب والرجال وكن يقمن بأعمال الرعاية الطبية للمصابين واسعاف الجرحي وتقديم الأكل والشرب لهم كما شاركن في الدعوة من خلال الفيس بوك وكن يسهرن حتي الصباح مع باقي الثوار في الميدان كما خرجت مظاهرة نسائية يوم 8 فبراير من امام نقابة الصحفيين للمطالبة بخلع الرئيس واسقاط النظام وقمن بدور كبير في اللجان الشعبية ومواجهة الفساد في المصانع ومواقع الانتاج بالتظاهر ضد الفساد. التلاحم الوطني وأخيراً عرض نادر شكري الصحفي بجريدة وطني شهادته عن التلاحم الوطني في ميدان التحرير بين طوائف الشعب وتعرضهم لضرب مبرح من البلطجية كاد يفقد حياته علي اثرها مثل غيره من الشباب المسلمين. وقال شعرنا أن مصر في خطر بعد احداث العمرانية وحادث كنيسة القديسين بالاسكندرية وكانت تلك مقدمة للثورة حيث ظهر التلاحم القوي بين الاقباط والمسلمين وقوفهم دروعاً بشرية أثناء صلاة عيد الميلاد امام الكنائس. وكنا في ميدان التحرير لا نعرف المسلم من المسيحي حيث اختلطت الدموع وقت الحزن والفرح وامتزجت الترانيم مع اصوات الأذان. واجتمع الجميع تحت علم واحد وشعار واحد مسلم قبطي كلنا مصريون. يحيا الهلال مع الصليب . كلنا ايد واحدة.. لقد حدث تحول غريب ضد النظام الفاسد الذي كان يخلق الطائفية في المجتمع.