في شهر يناير من هذا العام تجاوز الزمن حسني مبارك، بعد عقود من حكمه، تم فيها إغلاق الطريق أمام المعارضة للنزول إلي الشارع، وتضييق الخناق علي أنشطة الأحزاب السياسية، وحل الجمعيات والنقابات، والسيطرة علي الاتحادات العمالية بواسطة أذناب النظام، وإحكام أجهزة الأمن قبضتها علي دواوين الحكومة والجامعات، وفرض الأمن السياسي جناحيه علي كل مكان بالبلاد، من خلال الأجهزة البوليسية . وكنتيجة لذلك، بات نظام مبارك عاجزا عن مواجهة التحديات، التي تواجه المجتمع المصري، مما جعل ظهور قوي شعبية تطيح به مسألة حتمية. ومع ذلك، فلكل نظام شرعية . وإسقاط النظام يعني إسقاط الشرعية، التي يقوم أصلا علي أساسها. ومن هنا كانت هناك الحاجة لشرعية جديدة، تلبي مطالب النظام الوليد، الذي سيحل محل نظام مبارك، شرعية جديدة تنظم علاقات النظام الجديد السياسية والاجتماعية، وهذا هو السبب الذي جعل صياغة دستور جديد في أعقاب زوال نظام مبارك المُعَمِر ضرورة ملحة. لقد كانت القوي الثورية التي أطاحت بمبارك حركة شعبية. لم تكن لها قيادة منظمة أومؤسسية، لتتولي السلطة، وتحل محل نظام الرئيس السابق. ولذلك تولي الجيش الأمر. وبكلمات أخري، تم نقل السلطة السياسية إلي المجلس الأعلي للقوات المسلحة علي أساس الشرعية الثورية، وليس علي أساس الشرعية الدستورية . ولهذا، أعلن الجيش انحيازه إلي الشعب المصري ومساندته له، وقبوله التفويض القانوني له بحكم البلاد أثناء فترة انتقالية، وتصميمه علي حماية مكاسب الشعب، وتحقيق تطلعاته وطموحاته . وأصدر المجلس العسكري بيانا أكد فيه أن اضطلاعه بالسلطة سيكون لفترة محددة بستة أشهر، وأنه سيتم تعليق العمل بالدستور، (وليس إلغاءه) ثم سيتم تعديله .وفي تلك الأثناء، تم حل مصادر السلطة الشرعية .. مجلسي الشعب والشوري . وهنا استلزم الأمر إعادة بناء المؤسسات السياسية الدستورية، وفق آليات ديمقراطية. وهذه كانت مهمة اللجنة المكلفة بتعديل دستور 1971 التي أترأسها. وقد أُجري يوم السبت استفتاء علي التعديلات الدستورية، التي أجرتها اللجنة علي دستور 1971 حيث تم طرحها أمام الشعب المصري ليقول كلمته فيها، للعمل بها حتي صياغة دستور جديد يعكس الموقف السياسي الجديد. ولو كانت أغلبية الشعب المصري قد صوتت ب " لا "، لكان المجلس العسكري حال ذلك قد بات حرا في اتخاذ القرار الذي يراه مناسبا، واختيار الطريق الذي يسلكه في ضوء ذلك . ولكن أغلبية المصريين قالت " نعم " للتعديلات، وهذا يجعل المجلس العسكري مُلزَما الآن بموجب الإرادة الشعبية باتباع خريطة الطريق، التي اقترحتها التعديلات فيما يتعلق بالفترة الانتقالية، حيث يتعين إجراء الانتخابات البرلمانية خلال شهرين أو ثلاثة أشهر، وبمجرد إجرائها، يتعين علي أعضائها المُنتخَبين اختيار مجلس دستوري يتكون من 100 عضو لصياغة دستور جديد، ثم تُجرَي بعد ذلك انتخابات الرئاسة، ويلتزم الرئيس المُنتخَب بصياغة دستور يطرح علي الشعب خلال عام للاستفتاء عليه. لقد أنتجت الحركة الشعبية التي شهدتها مصر مؤخرا عددا من النتائج المهمة أولها : الإطاحة بمبارك، وأسرته، وكان سقوطه يعني أن نظامه قد سقط، وأن الدولة لا بد أن تخضع لتغيير .الأكثر من ذلك، أن معظم الشخصيات القيادية في النظام السابق قد أُطِيحَ بها، بما في ذلك رجال الأعمال الذين ارتبطوا بالنظام، وأعضاء لجنة السياسات بالحزب الوطني، وباقي مؤيدي جمال مبارك. وقد كان هؤلاء هم أنفسهم الذين يحكمون قبضتهم علي النظام السياسي في مصر برمته، علي مدي السنوات العشر الماضية، دون أي معارضة ملحوظة. النتيجة الثانية لسقوط مبارك، هي انهيار النفوذ السياسي للشرطة. ذلك النفوذ الذي جعل الشرطة وعلي مدي عشرين عاما تنحرف عن مسارها، وتتخلي عن مهمتها الأساسية وهي توفير الأمن للمواطنين. ويعرف المصريون جيدا كيف اخترقت أجهزة الأمن التابعة للشرطة كل مكان بمصر وهيمنت عليه وأخضعته لها. أما النتيجة الثالثة لسقوط مبارك، فهي ظهور جيل جديد من الشباب في مصر يندفع كالأمواج الهادرة ليتبوأ مكانه في قلب الحياة السياسية في البلاد. وبينما تجري عملية إعادة بناء المؤسسات الدستورية الآن علي أسس ديمقراطية جديدة، فإن تأثير هذا الجيل من الشباب سيكون واضحا في الشهور والسنوات المقبلة. عن صحيفة ال " جارديان " البريطانية ترجمة : مجدي كامل