منذ بدأت ثورة 25 يناير الشعبية وأنا أحاول قراءتها في هذا المكان. وكما أسميتها فهي قراءة أولي لأن الثورة، وكما يتفق تقريبا كل المحللين والكتاب، لم تنته بعد. هذه المرة أترك القراءة للشعر. لقريحة الشاعر محمد رفيق السنوسي. وهو شاعر موهوب ومتمكن قادم من صعيد مصر. لا تسلط عليه أضواء إعلام وندوات ومجتمعات العاصمة. كما أنه يصر علي كتابة الشعر العربي العمودي في وقت ندر فيه هذا الإصرار، وهجر الشعراء عمود الشعر إلي ما يسمونه الشعر الحر أو قصيدة النثر. والسنوسي ليس فقط شاعر، بل هو فنان متعدد المواهب. فهو أستاذ للخط العربي. بينما درس الموسيقي العربية في كلية التربية الموسيقية، وتخصص في عزف العود. تعود معرفتي بالفنان محمد رفيق السنوسي إلي سنوات التلمذة في مدارس مدينة منفلوط الإعدادية والثانوية. كان يكبرنا سنا بسنوات. وكان يدرس الموسيقي في القاهرة. وكنا مجموعة من الأصدقاء الزملاء في مدرسة مصطفي لطفي المنفلوطي الثانوية نلتقي به في شهور الإجازة الصيفية في نادي المعلمين أو نادي البلدية أو مركز الشباب. وكلها في محيط واحد هو محيط ميدان القلعة أكبر ميادين المدينة ومفتاحها. كنا نتجمع حوله لنسمع منه معزوفاته علي العود، وليعلمنا مبادئ الموسيقي العربية، أو ليسمعنا من شعره. ونتناقش في شئون الحياة والثقافة. كنا في مرحلة التكوين، وكان السنوسي وغيره ممن يكبروننا سنا سواء كانوا أساتذة لنا أو أصدقاء من أهم عوامل تكويننا في هذه المرحلة. ثم افترقنا كل في سبيل. وتواصلنا بالصدفة علي سنوات متباعدات. إلي أن هاتفني منذ أيام قائلا أنه كتب قصيدة في ميدان التحرير. وقرأها علي في التليفون. فاستأذنته في نشرها فأذن. ذلك لعذوبة القصيدة وثوريتها من جهة، ولقلة التعبير عن هذه الثورة الشعبية الوليدة شعرا حتي الآن من جهة أخري. وفي القصيدة التالية يعيد الشاعر قراءة وقائع ثورة 25 يناير 2001 بالشعر. لذا أفسح هنا المجال لهذه القراءة الشعرية لوقائع ثورة الغضب. في ميدان التحرير شعر: محمد رفيق السنوسي المنفلوطي حيّ الشبابَ تحيةَ العرفانِ إنَّ الشبابَ همُ الذخيرةُ لِلْحِمَا قُمْ حَيِّهِم واصْدَحْ بقولِكَ هَاهُنَا أحْبَبْتُهَا ولَسَوفَ يبقَي حُبُّهَا يَا مِصْرُ يَا أُمَّ البِلادِ وأُمَّنَا هَذَا ينايرُ قدْ أتاكِ مُجَنْدِلًا عشْرُونَهَ مِن بَعْدِ خَمْسٍ زَغْرَدَتْ مَيْدَانُكِ الرَّحْبُ الفَسِيحُ يقولُ: لَا يَا أيُّهَا المَيْدَانُ أَنْتَ حَبِيبُنَا رَحَلَ الأُلَي عَاثُوا بَأَرْضِكَ، وَاخْتَفَي شُهَدَاؤنَا الأَبْرَارُ خَطُّوا أَرْضَهُ سَقَطَ النِّظَامُ وَقَامَ شَعْبٌ صَامِدٌ أَنْتُمْ شَبَابُ النَّصْرِ حقًّا قُدْوَةٌ مَيْدَانُكُم أَضْحَي مَزَارًا طَيِّبًا مَيْدَانُكُم لِلْفَخْرِ أَصْبَحَ مَعْلَمًا يَا أيُّهَا المَيدَانُ يَا رَمْزَ الْفِدَا دَرَسُوكَ فِي دُوُرِ العُلُومِ كَمَنْهَجٍ فَالثَّوْرَةُ الكُبْرَي أَطَلَّتْ شَمْسُهَا يَا مَوْطِنِي يَا قَلْعَةً مِصْرِيَّةً سَلَبُوكَ يَا وَطَنِي وَكَانُوا طُغْمَة ًمَلَكُوا زِمَامَكَ يَا رَبِيبَ كِفَاحِنَا هذَا سِيَاسَاتٌ وَذلِكَ مَالِكٌ والمَالُ يُغرِي وَالْحُكُومَةُ هَمُّهَا مَنْ كانَ أَصْلاً لِلأَمَانِ وَحِفْظِهِ حَتّي الْمَجَالِسُ زُوِّرَتْ، وَإَذَا بِهَا شَقُّوا الصُّفُوفَ كّأنَّهُم أَعْدَاؤنَا هَانَتْ عَلَيْهِمُ فِي الْحَياةِ بِلادُنَا مِصْرُ التّي أَحْبَبْتُهَا وَتُحِبُّنِي هَذَا شَبَابُ النَّصْرِ يَهْدِرُ خَطْوُهُ مُسْتَشْهِدًا مِن أَجْلِ مِصْرَ، وَلَمْ يَكُنْ فَتَنَفَّسِي يَا مَصْرُ رِيحَ شَبَابِنَا يَا أَيُّهَا الشُّبّانُ قَدْ بَرْهَنْتُمُوا وانثُرْ زهورَ النَّصرِ في المَيدانِ وَهُمُ الربيعُ الرائعُ الرّيعانُ مِصْرُ التِي في خاطِرِي وَجَنَانِي رمزَ الخلودِ ومَبْعَثَ الإيمَانِ يَا فَيضَ حُبٍّ يَا هَوَي الْوِلْدَانِ عَهْدَ الطُّغَاةِ وزُمْرَةَ الطُّغْيَانِ فَرَحًا بِقَلْبِي وَانْتَشَتْ بِلِسَانِي لِلْبَغِي لِلإفْسَادِ للحِرْمَانِ أَحْبِبْ بِمَنْ قَدْ جَاءَ للمَيدَانِ عَهْدُ الفَسَادِ وَرِبْقَةُ السُّلْطَانِ بِالدَّمْعِ والدَّمِ الذَّكِي القَانِي يَعْلُو لِمِصَرَ بِشَامِخِ البُنْيَانِ خَطَّتْ بِسِفْرِ الْكَوْنِ خَيْرَ مَعَانِي يَسْعَي لَهُ القَاصِي وَيَسْعَي الدَّانِي شِدُّوا الرِّحَالَ إليهِ دُونَ تَوَانِي فِي الْقَلْبِ أَنتَ وَفِي أَجَلِّ مَكَانِ لِلثَّوْرِةِ البَيْضَاءِ لِلشُّبَّانِ ذَهَبًا عَلي الشُّطْآنِ والْغُدْرَانِ يَا خَيْرَ زَهْرٍ ضَمَّهُ بُسْتَانِي نَشَرُوا الفسَادَ وَصَاحَبُوا إذْعَانِي واسْتَمْرَأُوا الظُّلْمَ الذِي أَضْنَانِي دُنْيَا الحديدِ، وذاكَ تُبَّعُ قِيّانِ نَهْبُ البِلادِ ونَحْنُ أَهْلُ هَوَانِ جَعَلَ الْحَياةَ لَنَا بِغَيرِ أَمَانِ حِبْرٌ عَلَي وَرَقٍ بِغَيْرِ مَعَانِي وَالشَّعبُ يَحْمِلُ مِرْجَلَ الْغَلَيَانِ يَا وَيْحَ مَن يَجْنِي عَلَي البُلْدَانِ لَا لَنْ تَهُونَ عَلَي مَدَي الأَزْمَانِ وَيَرُوحُ لِلتّحْريرِ لِلْمَيْدَانِ إِلّا النَّجَاةُ لِمِصْرَ مِن طُغْيَانِ وَرْدًا نَدِيًّا نَاضِرَ الأغْصَانِ أنَّ السَّوَاعِدَ أُعْطِيَتْ لِلْبَانِي