لا شك أن الإنسان إذا أصابته شدة أو ضراء أو بأساء لم يجد ملجأ من الله إلا إليه، في البر، أو في البحر، أو في الجو، في السهل، أو في الجبل، علي جنبه، أو قاعدًا، أو قائمًا، فإذا ما أنجاه الله (عز وجل) نكص علي عقبيه، وسرعان ما انتقل من الشكر إلي الجحود، وربما البغي، يقول الحق سبحانه : »قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ، قُلِ اللّهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ»، ويقول سبحانه : » وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَي ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ». ويقول سبحانه : »هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّي إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَي أَنفُسِكُم مَّتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ». وكل هذه النصوص تكشف عن طبيعة النفس البشرية وجوانب ضعفها إلا من رحم ربي وهداه إلي سواء السبيل، فإذا أدرك الإنسان كل هذه الحقائق ووقف إزاءها متأملا مراجعًا نفسه، مذكرًا إياها بلحظات الضعف، وتعرجات الحياة وانعطافاتها وانثناءاتها، وأيقن أنه في كل خطوة من خطوات الحياة في حاجة إلي مزيد من الرحمة واللطف لراجع نفسه، ووقف طويلاً عند ما مر من مواقف حياته، وأخذ من ما مضي معتبرًا لما هو آت، فالسعيد من وعظ نفسه، والشقي من وعظ بغيره. وليس الشأن في كشف الضر فقط، وإنما أيضا في باب شكر النعمة، يقول الحق سبحانه : » وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَي يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ ». وفي الحديث الشريف أن ثلاثة من بني إسرائيل أبرص وأقرع وأعمي أراد الله (عز وجل) أن يبتليهم فبعث إليهم ملكا، فأتي الأبرص، فقال : أي شيء أحب إليك ؟ قال : لون حسن وجلد حسن، قال : فمسحه فذهب عنه، فأعطي لونا حسنا وجلدا حسنا، فقال : أي المال أحب إليك؟ قال : الإبل، فأعطي ناقة عشراء، فقال : يبارك لك فيها، وأتي الأقرع فقال : أي شيء أحب إليك ؟ قال شعر حسن ويذهب عني هذا، قال : فمسحه فذهب عنه، وأعطي شعرا حسنا، قال : أي المال أحب إليك ؟ قال : البقر، قال فأعطاه بقرة حاملاً، وقال : يبارك لك فيها، وأتي الأعمي فقال أي شيء أحب إليك ؟ قال : يرد الله إلي بصري، قال : فمسحه فرد الله إليه بصره، قال : فأي المال أحب إليك ؟ قال : الغنم فأعطاه شاة والدا، فأنتج هذان وولد هذا، فكان لهذا واد من إبل، ولهذا واد من بقر، ولهذا واد من غنم، ثم إنه أتي الأبرص في صورته وهيئته، فقال : رجل مسكين تقطعت بي الحبال في سفري فلا بلاغ اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن والجلد الحسن والمال بعيرا أتبلغ عليه في سفري، فقال له : إن الحقوق كثيرة، فقال له: كأني أعرفك، ألم تكن أبرص فقيرا فأعطاك الله ؟! فقال : لقد ورثت لكابر عن كابر، فقال إن كنت كاذبا فصيرك الله إلي ما كنت، قال : وأتي الأقرع في صورته، فقال له مثل ما قال لهذا، ورد عليه مثل ما رد علي هذا، فقال : إن كنت كاذبا فصيرك الله إلي ما كنت، قال : وأتي الأعمي في صورته وهيئته، فقال : رجل مسكين وابن سبيل انقطعت بي الحبال في سفري، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي رد عليك بصرك، شاة أتبلغ بها في سفري، فقال : قد كنت أعمي فرد الله إلي بصري، فخذ ما شئت ودع ما شئت، فوالله لا أَجْهَدُكَ اليوم شيئا أخذته لله، فقال : أمسك مالك، فإنما ابتليتم، فقد رُضِيَ عنك، وسُخِطَ علي صاحبيك . فما أحوجنا أن نتعلم من ذلك كله شكر النعم حتي لا تزول عنا بالجحود والكفران.