سلسلة للأطفال، عن مركز الأهرام للترجمة والنشر بمؤسسة الأهرام العريقة، عنوانها (علماء العرب)، كتبها الروائي الكبير سليمان فياض، صاحب الكتاب الشديد الأهمية: (عمالقة العلوم التطبيقية وإنجازاتهم العلمية في الحضارة الإسلامية)، ورسم صورها المبدع إسماعيل دياب، تتناول المبدعين والمبتكرين من علماء العرب، من حملة مشاعل حضارة الإسلام عبر تاريخه، وقد رأيت من تلك السلسلة ثلاثة وعشرين إصدارا، وما زلت أنتظر بقيتها، والذي ذكرني بها أنها كانت علي رأس الكتب التي اقتناها ابني وبنتي من معرض الكتاب، وهما دون العاشرة من العمر، وقد تركت لهما تماما حرية اختيار ما يحبان اقتناءه من الكتب، فرجعت ذات يوم إلي بيتي وجلست إليهما لأري الجديد من أخبارهما، فوجدت عددا من القصص والكتب والموسوعات التي تناسب عمرهما الصغير، ومن بينها هذه السلسلة المهمة: (علماء العرب)، وجلست أتصفح العناوين: (البيروني: عالم الجغرافيا الفلكية)، و(ابن البيطار: عالم النبات)، و(ابن سينا: أبو الطب البشري)، و(الدميري: عالِمُ الحيوان)، و(ابن رشد: آخر الفلاسفة)، و(الزهراوي: أبو الجراحة)، و(الأنطاكي أبو الصيدلة)، و(ابن العوام: عالم الزراعة)، و(الطوسي: أبو حساب المثلثات)، و(الكاشي: مكتشف الكسر العشري)، و(الوزان: رائد الموسوعات الإفريقية)، و(ابن الرزاز: أبو الحيل الميكانيكية)، و(تقي الدين الراصد: أبو التكنولوجيا)، و(الرازي: رائد المستشفيات الحديثة)، و(الكِنْدي: أبو الموسيقا العربية)، و(الخليل بن أحمد: أبو المعاجم العربية)، و(ابن حمزة: رائد علم اللوغاريتمات)، و(الزرنوجي: أبو التربية والتعليم)، و(يوحنا بن ماسويه: عالِمُ الأحجار الكريمة)، و(ياقوت الحموي: أبو الموسوعات الجغرافية)، و(ثابت بن قرة: رائد علم التفاضل والتكامل)، و(ابن ملكا: أبو علم الحركة)، و(ابن الشاطر: أبو النظام الشمسي). وأسجل هنا عددا من الخواطر والتعليقات: أولا: أشكر مؤسسة الأهرام علي تبني هذه السلسلة، وأرجو من مؤسسة أخبار اليوم أن تصنع سلسلة أخري في أهم الاختراعات التي قدمها علماء العرب والمسلمين للبشرية، وأضافوا بها إلي سجل الحضارة، بحيث يشتمل كل إصدار علي حكاية اكتشاف أو اختراع من اختراعات علمائنا المسلمين، علي أن يتم صياغة ذلك بأسلوب سهل يناسب عمر الطفولة، والمراحل العمرية المختلفة، وبأسلوب مشوق يجعل نفس الطفل تفهم الإسلام من خلال ذلك، وأن هذا الدين الحنيف السمح قد حرك في العقول أشرف البواعث والمعاني، وأنه قد دفع العقول إلي العمران والحضارة والابتكار والاختراع، وأنه نظر للحياة نظرة تقدير وإجلال، وأنه لا يدفع أبدا إلي التكفير ولا القتل ولا الخراب. ثانيا: أرجو من مؤسساتنا أيضا أن تحول كل هذا إلي تطبيق يسهل تنزيله من (App store) علي أي جهاز تليفون ذكي أو جهاز أيباد، حتي يسهل دخول الأطفال عليه بدلا من الألعاب الحافلة بالحرب والنسف والقصف والزومبي وغير ذلك من الألعاب الشديدة الرواج، والتي تصنع نفسية متعطشة للعنف أو تستسيغه علي أقل تقدير. فإذا نجحنا في ترويج تطبيقات محملة بروائع الحضارة والاختراعات مما اكتشفه آباؤنا وأجدادنا، ويعبر بحق عن حضارة هذا الدين الإسلامي الحنيف، فإن هذا يصنع عندهم مناعة نفسية وعقلية ضد فكر الخراب والتكفير الذي تروجه تيارات التطرف من الإخوان إلي داعش. ثالثا: رسالتنا وهدفنا ومقصد ديننا هي الحياة والجمال والحضارة وفقه العمران وصناعة التمدن، مع الإنسانية واللطف والرحمة والسعة والكرم، وزيادة الإيمان، والإقبال علي الله جل جلاله، فأرجو أن نتعاون معا علي تحويل هذه القيم إلي قصص وروايات ومتاحف وموسوعات وتطبيقات، حتي نكون قد بدأنا طريقنا إلي صناعة شخصية الإنسان المصري، وبناء الوطن، وتقديم شئ للبشرية يليق بنا وبتاريخنا وبوطننا العظيم. رابعا: الإمعان في هذا الاتجاه يعيد للإنسان ثقته في ذاته، وينقذه من حيرة مدمرة تروع نفسيته، وينتشله من الإحباط أو الكآبة أو اليأس، ويجعله مرة أخري يعتز ويفتخر بتاريخه وحضارته ودينه ووطنه، وكل هذا تمهيد للأهم، والذي هو أن ينطلق إلي الإكمال والإتمام والإضافة، حتي لا يقف عند حدود اجترار التاريخ، بل يقتبس منه ما ينير له طريقه، ويساعده علي معرفة ذاته وهويته، ويملأ نفسه بقيم الأريحية والكرم والرخاء والحضارة والعلم والمعرفة، وأن هذه القيم هي المقاصد الحقيقية لهذا الدين. خامسا: أين برامج الأطفال التي تقدمها قنوات التليفزيون المختلفة، والتي تستوعب ذلك كله، وتحوله إلي تعليم ترفيهي، تملأ به وجدان أطفالنا، وترجع من خلاله لمصر ريادة مهمة في صناعة وجدان الطفل العربي عموما، بل ونقدم ذلك إلي مختلف المدارس ومناهج التعليم والجامعات، ونجعله متاحف متنقلة، تجوب القري والمدن المصرية، ليسمعها الكبير والصغير، حتي يعرف كل واحد منهم أنه إنسان كبير وله امتداد عميق وتاريخ مشرف. سادسا: الحضارة حلم قريب وبعيد في الوقت ذاته، لكن عمادها وأساسها هو الإنسان، وأساس الإنسان وعي، وعقل مستنير، ووجدان مهذب، ونفسية راقية متسعة، وهمة مفعمة، وطموح كبير وعظيم وهائل، وغيرة علي الوطن، وحرص علي أن يكون في مكانه الرفيع اللائق بأرض الكنانة، وهذه يدي شخصيا ممدودة إلي كل كاتب أو مبدع أو روائي أو مؤرخ أو إعلامي أو مفكر أو إذاعي حتي نبدأ معا عملا شاقا وطويل الأمد، نبني فيه معا عقول الأجيال القادمة، ونغرس فيهم حب مصر العظيمة، والاعتزاز بحضارة الإسلام وتاريخه، والانطلاق إلي مشاركة الإنسانية كلها بمختلف حضاراتها وفلسفاتها في سياق العمران والفكر، حتي نثبت لنا موضع قدم في سباق الحضارة. إن بناء الأوطان في حقيقته هو بناء الإنسان، ولا ينطلق ذلك إلا بهمم وعقول مبدعة، تعتز بذاتها وتاريخها، وتتجاوز ما فيه من عثرات، وتكتشف مواضع العبقرية فيه، وتبني عليها، وتضيف إليها، وتتحرر من كل الأوهام النفسية الغارقة في الكآبة أو عقلية الصراع، وسلام علي الصادقين.