لم تكن الثورات يوما نزهة في الحدائق الفناء، ولم يكن طريقها مفروشا بالورود، بل هي عمل طويل ممتد.. ومنذ اللحظة الأولي للثورة المصرية في 52 يناير، وقبل نجاحها بتحقيق أول أهدافها وهو رحيل حسني مبارك وإسقاطه، واجهت الثورة المضادة، ومازالت تواجهها، وسوف تظل تواجهها حتي النهاية، فهي تخوض معركتها الأخيرة، وبالنسبة لها معركة حياة أو موت. أود أن أؤكد هذه الحقيقة خلال السطور التالية لنعلم جميعا نحن الذين حررتهم ثورة 52 يناير أن أمامنا معركة طويلة ممتدة، بدأت منذ موقعة الجمال والبغال والحمير »وقد بات مؤكدا لدي سلطات التحقيق أن ممولي ومنظمي البلطجية كانوا قيادات كبري في الحزب الوطني والبرلمان وأمن الدولة«، واستمرت حتي محاولة اغتيال اللواء عمر سليمان بعد تعيينه نائبا للرئيس السابق، وهو ما يحتاج إلي وقفة قصيرة. وإذا كانت الظروف القائمة وقت محاولة الاغتيال، استلزمت سرعة التعامل مع الموقف حسبما ارتأي المجلس الأعلي للقوات المسلحة، كما أن الأحداث المتلاحقة فيما بعد بدا وكأنها غيبت هذا الحدث الجليل، الذي لا تقل دلالته عن الاختفاء الأمني المريب منذ مساء الجمعة 82 يناير، إذا كان ذلك ممكنا قبوله في وقت حدوثه، إلا أنه ينبغي الآن كشف غموضه، فأنا اعتبره أحد أهم محاولات الثورة المضادة للعدوان علي الثورة والنيل منها. وحسبما نشرت الصحف آنذاك، وبعد وقوع محاولة الاغتيال بعدة أيام، تعاملت الحراسة المسئولة عن تأمين اللواء عمر سليمان مع المعتدين وقتلتهم جميعا، ولذلك فإنه ليس هناك أيسر من الوصول للمجرمين الكبار الذين كلفوا مجرمين صغارا باغتيال الرجل، كما انه ليس هناك أيسر من اكتشاف المستفيدين من اغتياله بعد تعيينه نائبا للرئيس السابق، وأقرب هؤلاء المستفيدين هو من شاهد بعينيه مشروع التوريث وقد انتهي وتقوض في لحظة واحدة، إلا إذا كان هناك ما لا نعرفه، خصوصا وأن وزير الخارجية السابق اعلن عن الحادث باقتضاب مريب.. هكذا تخوض الثورة المضادة معاركها بلا هزار.. أموال وبلطجة وتآمر واستخدام كل الوسائل القذرة بلا تردد ليست موقعة الجمل وحدها ولا الانفلات الأمني ولا محاولة الاغتيال الغامضة للواء عمر سليمان، والتي أطالب بالكشف عن غموضها والتحقيق فيها. بل إن حكومة شفيق ذاتها فيما أري كانت عملا من أعمال الثورة المضادة حتي تم اسقاطها، وشهدنا حكومة جديدة يقسم رئيسها اليمين أمام الثوار في ميدان التحرير. ويمكن لملمة تفاصيل عديدة من هنا وهناك علي مدي ما يقرب من شهرين منذ اندلاع الثورة، لنتبين إلي أي مدي تخوض الثورة المضادة معركتها المتواصلة.. فقد نشرت تقارير وأنباء مثلا عن ان الاحتجاجات الفئوية ليست بريئة تماما، وأنا هنا لا أقصد المطالب الفئوية فهي مطالب عادلة تماما، لكنني أقصد أعمال العنف التي صاحبت بعضها، فقد ثبت أن وراءها بعض الأيدي القذرة. وفي هذا السياق لا يمكن أيضا أن ننسي مهزلة أمن الدولة، وقيام ضباطها بحرق وفرم كل الأوراق التي بحوزتهم في وقت واحد علي امتداد محافظات مصر، فهي واضحة وضوح الشمس باعتبارها عملا تقليديا من أعمال الثورة المضادة. وفي الوقت نفسه اندلعت أعمال العنف وشغب بين مسلمين وأقباط في المقطم، وقال شهود العيان للصحف إنها كانت مدبرة، وأن هناك من كان يوجه وينظم ويطلق الشائعات. والمتوقع والطبيعي والعادي جدا أن تتواصل محاولات الثورة المضادة، وعلي الثوار أن يستمروا في مواجهتها حتي الحاق الهزيمة بها. الثورة المضادة، من جانب آخر، ليست فزاعة يخاف الثوار منها، بل هي حقيقة وأكدت الحكومة ان لديها قائمة ببعض الأسماء التي تغذي الفوضي والطائفية والبلطجة، بل واتهم د.يحيي الجمل بوضوح »فلول نظام الرئيس السابق بالوقوف خلف الثورة المضادة«. وعلي الجانب الآخر يمتلك الثوار كل الأسلحة التي تمكنهم من دمر الثورة المضادة وهزيمتها. يمتلكون توافقهم حول الدولة المدنية الديمقراطية التي يصممون علي بنائها والتمسك بها. دولة مدنية ديمقراطية يشارك كل الأطياف السياسية في الدفاع عنها، وليس مسموحا لأي طيف من هذه الأطياف أن يستولي علي مكاسب الثورة. ويقوم بتأميمها لحسابه بمن في ذلك الإخوان المسلمين يمتلك الثوار أيضا ضمان تأييد القوات المسلحة التي اعلنت منذ اللحظة الأولي تبنيها لمطالب الثورة في لحظة تاريخية استعادت فيها تقاليدها العريقة يمتلكون أيضا هذه الملحمة التي صاغوها منذ 52 يناير وحتي الآن، ملحمة الثورة السلمية حتي النهاية علي الرغم من الرصاص الحي وزجاجات المولوتوف والسنج والسيوف.