لم يتخيل القذافي أن ما كان يسمعه من قادة الغرب خاصة في فرنسا وإيطاليا والولاياتالمتحدة عن انبهارهم بشخصه، وثوريته، وقدراته الهائلة غير المسبوقة في حل أعقد الأزمات الدولية، كان مجرد مجاملات فارغة ترضي غرور القذافي وتغذي أوهامه الشخصية في كيفية تصريف شئون الكرة الأرضية! أصيب القذافي بصدمة عمره عندما فوجيء ب »خيانة« قادة الغرب الذين سارعوا بإعلان تأييدهم لثورة ملايين الليبيين ضد النظام الحاكم المستبد، والمطالبة بإسقاط رئيسه. ورداً انفعالياً علي هذه الخيانة، سمعنا القذافي يتهم من وصفهم ب »قنوات أجنبية« بالتآمر علي مصالح ليبيا وتزييفها لحقائق ما يحدث في بلاده! وكعادة القذافي المزمنة في توجيه الاتهامات لخصومه بسهولة متناهية وبلا أدني دليل، سمعناه يربط تلك »القنوات الأجنبية« بتنظيم القاعدة واتفاقهما علي زعزعة الأمن والاستقرار في جماهيريته! وبنفس السهولة هاجم القذافي صديقه الفرنسي نيكولا ساركوزي ليس فقط لأنه أيد »المؤامرة علي الجماهيرية العظمي« وإنما أيضاً لأنه سبق كل الدول العربية والغربية الصديقة لنظامه والمعارضة له.. معاً وأعلن اعتراف فرنسا بالمجلس الوطني الليبي الذي أنشأه الثوار الليبيون، بعد أن التقي في قصر الإليزيه بعدد منهم وحملهم تحياته ودعم بلاده لثورتهم الشرعية التي وصفها ساركوزي بأنها أسقطت شرعية نظام الحكم الحالي مما يتطلب تنحي القذافي فوراً. ندد القذافي بخيانة ساركوزي وتدخله في شأن داخلي ليبي، متحسراً في الوقت نفسه علي ما سبق له تقديمه لحكومات وشعوب الغرب من خدمات ومساعدات طالما رحب قادتها بها وبكرم وحكمة مانحها الأوحد! ذكرّنا القذافي بيد السلام التي مدها في السنوات القليلة الماضية إلي الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي، متباهياً بأن ليبيا »لعبت وتلعب دوراً أساسياً في الحفاظ علي السلام الإقليمي والعالمي«، ووصف القذافي هذا الدور الملعوب ب » صمام الأمان للدول الغربية أمام موجات الهجرة غير المشروعة من فقراء العرب والأفارقة بعد أن قامت ليبيا بغلق حدودها في وجه تلك الموجات الهائلة التي كانت تتدفق علي أوروبا عبر الحدود والشواطيء الليبية«. وتعليقاً علي ما تباهي به، تساءل القذافي أمام مندوبي بعض أجهزة الإعلام الأوروبية قائلاً: »كيف يعقل أن يتنكر قادة الدول الغربية لكل ما قدمناه لها ولاقتصادياتها وشعوبها، وبدلاً من أن يسارعوا كما كنت أتوقع بتأييد ليبيا وشعبها ونظام حكمها في مواجهة المؤامرة التي تقوم بها خلايا القاعدة التي كانت نائمة واستيقظت أخيراً؟!«. ومن الاندهاش إلي التهديد.. قائلاً إن لديه أدلة ووثائق لو تم الكشف عنها اليوم لقامت ثورة حقيقية في فرنسا لإسقاط رئيسها: ساركوزي! وبالطبع لم يكشف عما تحت يديه، وإنما اكتفي بالغمز واللمز حول مصدر الأموال الطائلة التي أنفقها ساركوزي علي الحملة الدعائية الهائلة في الانتخابات الرئاسية التي فاز بها! لم يكشف القذافي عن مصدر تلك الأموال، لكنه اعتمد علي اللبيب الذي يعلم ويفهم.. كما يقولون!