" الوضع في مصر خطير جدا، وخارطة الطريق القائمة تبتعد بمقدار 180 درجة عن خارطة الطريق الصحيحة التي يفترض ان تحيل ثورة 25 يناير الي ثورة خلاقة جميلة توفي بوعودها للصابرين والحالمين والمنتظرين، ما يحدث في مصر هو فوضي اهدامةب لكل شيء جميل، فالأمن الذي تشتهر به مصر بدأ يُفقَد للمرة الاولي في تاريخها والاستثمارات تفر والسواح محجمون وخائفون والاقتصاد في طريقه بالتبعية للهاوية، ومع توقف الاقتصاد تبدأ الازمات السياسية والتمزقات الطائفية والتطاحنات الاهلية والمناطقية والتشتيت والتشطير، وربنا يحفظ مصر العزيزة مما هو قادم" . هذه المقدمة وردت في مقال للكاتب الصحفي الكويتي سامي النصف وهو بالمناسبة طيار مدني معروف ويحظي مقاله اليومي في صحيفة "الأنباء" الكويتية اليومية العريقة باهتمام كبير . والرجل معروف بمحبته لمصر ومتابعته الدقيقة لكل ما يجري فيها سياسيا واقتصاديا وثقافيا واعلاميا بنفس اهتمام ومتابعة كل المثقفين العرب . وكنت وعلي صفحات الأخبار يوم الخميس الماضي تناولت تفاصيل المخطط الذي وضعه المؤرخ الأميركي صهيوني الهوي بريطاني الجنسية برنارد لويس لتفتيت العالم الاسلامي وهو المخطط الذي يعتبر الأساس الذي تم البناء عليه في خطة الفوضي الخلاقة التي أعلن عنها في العام 2004 الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش وكونداليزا رايس مستشارة الأمن القومي الأميركي ثم وزيرة الخارجية الأميركية بعد ذلك . ولا شك أن حال الفوضي والفلتان المستمر في مصر منذ سقوط نظام الرئيس السابق حسني مبارك لا يمكن فهمه الا في اطار خطة الفوضي الخلاقة التي تحدثت عنها الادارة الأمريكية لكنها - وبكل أسف ذ فوضي لا علاقة لها بأن تكون خلاقة يقوم بها في خبث قادة الثورة المضادة التي تستهدف بوضوح توريط القوات المسلحة في الشؤون الداخلية لابعادها عن مهمتها الأصيلة وذلك بالخروج من أزمة الي أزمة ومن اعتصامات الي أخري ومن احتجاجات الي أخري . وفي مقاله يشبه النصف ما يجري هذه الأيام بما سبق أن جري بعد ثورة 23 يوليو 1952 عندما جري تشجيع الفوضي واثارة الاحقاد والزج بكبار رجال الاقتصاد في السجون بتهم الفساد وتحت راية التطهير، وقد ثبت زيف تلك الدعاوي بعد عشرين عاما بعد خراب مالطة وتم رد الممتلكات لأصحابها في السبعينيات والثمانينيات . وكنفس الحال السابقة ومع الزج بالكثير من رجال الاعمال والمستثمرين المصريين في الأعمال العقارية والسياحية في الحبس الاحتياطي والحملات الاعلامية المبالغ فيها لتغطية ذلك ، سيتعرض نحو 11.5 مليون مصري علي الأقل الي البطالة عن العمل في قطاعات الانشاء والبناء والتنمية السياحية ، يضافون الي 5 ملايين عاطل مسجلين رسميا حاليا و3 ملايين عاطل من القطاع السياحي المتوقف و2.5 مليون عاطل عائدون من دول الثورات كليبيا واليمن والاردن وتونس وملايين اخري عاطلة عن العمل في المصانع والمزارع والمخابز والمحلات والبنوك وقطاعات التجزئة التي لا تجد مشتريا، فمن اين ستدفع الحكومة أو القطاع العام والخاص رواتب العاملين؟. ان شيوع سياسة تعميم الاتهامات والعقاب وعدم التفريق بين المنحرفين والمتجاوزين في الأجهزة الأمنية والحزب الوطني وبين غيرهم من الأبرياء كفيل بتحويل مصر الي عراق جديد تفرغ فيه المعزولون وكل الذين تم اجتثاثهم من مواقعهم لعمليات التخريب والتفجير والتفتيت واثارة الخوف والفزع والارهاب بعدما تحولوا الي دمي في أيدي أعداء الوطن وهذا هو ما لايمكن أن نرضاه لمصر كنانة الله في ارضه . والآن يصبح السؤال المنطقي هو : هل سنحصل علي هذه الفرصة للتفكير بهدوء أم يظل الصراخ والزعيق يحيط بنا من كل جانب وتصبح الفوضي هي العامل المشترك الأكبر للحياة من حولنا ؟ . . ان سؤالا واحدا نوجهه لأنفسنا كفيل بأن يرد علي مثل هذه التساؤلات الحائرة الطائرة : ماذا لو لم يهدا عمال المطاحن والمخابز وينتبهوا لدورهم في توفير الدقيق للمخابز .. هل كنا سنجد ويجد معنا الناس جميعا رغيف الخبز لطعامنا ؟ .. الاجابة بالتأكيد : لا ذلك أن الضجيج الذي يملأ الآفاق يفقدنا التركيز في ما هو قادم ويجرجرجنا الي الاهتمام فقط بما قد كان وأخشي ما أخشاه أن نظل مشدودين الي حديث الماضي فتضيع بوصلة المستقبل من بين أيدينا . وفي اطار الرغبة في التفكير الهاديء تعالوا بنا نحاول معا أن نفكر في كيفية الخروج من هذا المأزق قبل أن يتحول الي ورطة لا يمكن الخروج منها . والخروج من هذا الموقف هو مسؤولية مشتركة لأكثر من جهة : الجهة الأولي تتمثل في الكتل السياسية المختلفة سواء الأحزاب السياسية التي عاشت زمنا من الجمود والركود علي مدي السنوات الماضية وكانت حجتها في هذا النظام السياسي السابق الذي كبلها بقيود منعتها من التفاعل والنزول الي الجماهير ورفض منحها فرصة التفاعل مع المجتمع . وها هي الفرصة سانحة وقد فتحت الأبواب علي مصاريعها لهذه الأحزاب السياسية لكي تثبت وجودها وتقدم الدليل علي قدرتها علي العمل وعلي رأسها جماعة"الاخوان المسلمين" التي كانت أكثر من عاني من النظام السابق الذي استمرأ محاربتها بكل ما أوتي من قوة أمنية وغيرها ووضع رموزها في المعتقلات.