لم يصدم القذافي في »خيانة« القادة العرب سواء بتجاهلهم التهديدات التي يتعرض لها، أو عدم تدخلهم في كبت أجهزة إعلامهم ومنعها من تأييد شعب »الجرذان« الذي يصر علي اسقاطه لا لشيء إلاّ لأن القذافي فقد ثقته، منذ زمن طويل، في القادة العرب وفي شعوبهم. الصدمة الرئيسية، التي أفقدت القذافي ما تبقي له من اتزان عقله، جاءته من أصدقاء وحلفاء اليوم، من رؤساء الدول الغربية علي رأسهم الرئيس الفرنسي الحالي: نيكولا ساركوزي ورئيس الحكومة الإيطالية:برلسكوني. »الصديق الحميم الإيطالي« حاول قدر استطاعته أن يقف موقفاً مائعاً ومانعاً ضد إجماع شعبه وإعلامه وأحزابه علي شرعية الثورة الليبية وضروره إسقاط القذافي ونظامه الفاشي النازي، وهو ما تفهمه القذافي فلم يهاجم صديقه الحميم برلسكوني علناً. الأمر اختلف مع »الصديق الحميم الفرنسي«. كان القذافي قد وطد علاقته خلال السنة الماضية مع الرئيس نيكولا ساركوني. فقبل وساطة زوجة ساركوزي وأفرج عن الممرضات البلغاريات والطبيب الفلسطيني بعد أن اتهمهم ظلماً وافتراء بنقل عدوي »الإيدز« إلي عشرات الأطفال الليبيين، وألقي بهم في السجن عدة سنوات! وعادت العلاقات بين باريس وطرابلس أفضل مما كانت خلال العقود العديدة الماضية، مع تضاعف الصداقة الحميمية بين الرئيسين: الليبي والفرنسي. سمعنا عن اتفاقات اقتصادية هائلة فازت بها الشركات والمصانع الفرنسية لتصدير منتجاتها بدءاً بالأسلحة والقاذفات والمقاتلات، مروراً علي البحث عن البترول وسحبه واستثمار منتجاته، والتفاوض حول إنشاء مفاعل نووي للأغراض السلمية، وصولا إلي تصدير أي شيء وكل من المنتجات الصناعية والاستهلاكية والغذائية. أن هذه الصفقات تحسب عائداتها علي الاقتصاد الفرنسي بعشرات المليارات من الدولارات، في وقت كانت ومازالت فرنسا، وغيرها من الدول الأوروبية، تعاني من الأزمات الاقتصادية الطاحنة والمتتالية. واعترافاً بالفضل.. رأينا ساركوزي يوثق علاقته الشخصية مع الزعيم الليبي، لعل وعسي ينافس الإيطالي برلسكوني في كسب صداقة القذافي. الفارق بين المتنافسين أن الأول برلسكوني كان يستثمر تلك الصداقة في الحصول علي صفقات بأرقام خيالية لصالح شركاته وأعماله ومصانعه الشخصية، في حين أن الثاني ساركوزي يستثمرها لصالح الاقتصاد الفرنسي بهدف زيادة شعبيته المتدهورة لدي الفرنسيين. وكما لبّي القذافي دعوة صديقه الحميم رئيس الحكومة الإيطالية لزيارة روما، للقاء عشرات فتيات ايطاليات اختارهن برلسكوني، بخبرته المشهود له بها في هذا المجال للإنصات والاستمتاع بالأقوال المأثورة للمفكر العالمي، الإصلاحي، النسائي، التقدمي، الثوري، والتصفيق له كلما توقف للحظة عن الكلام باللغة العربية التي لا يعرفن حرفاً منها، أو ببضع كلمات بلغته الإنجليزية الركيكة التي تم تكرارها علي مسامعه لعل وعسي لا يخطئ في نطقها سارع الصديق الحميم الفرنسي بتوجيه دعوة للقذافي لزيارة باريس رحب الأخير بها، رغم أنها أثارت غضب وحنق واستنكار الغالبية العظمي من الفرنسيين ، وأجهزة إعلامهم، وأحزابهم السياسية، والعديد من وزراء الحكومة آنذاك، وجماعات حقوق الإنسان.. خاصة من العاملين في كل الأماكن والمنشآت العامة والتاريخية التي طلب زيارتها! كل هؤلاء نددوا بهذه الزيارة المجمع علي رفضها، وهاجموا رئيسهم الذي دعا إليها وسمح للقذافي باصطحاب ناقتيه ليشرب من لبنهما، وينصب خيمته في وسط باريس، لاستقبال ضيوفه، و تدنيس أشهر وأهم وأعرق المزارات الباريسية. رد ساركوزي علي المنددين به والرافضين لزيارة رئيس أبشع نظام ديكتاتوري علي مستوي القارات الخمس، كان مركزاً علي ضخامة العائدات المالية التي ستنهال علي الاقتصاد الفرنسي من وراء الاتفاقيات والتعاقدات والصفقات التي بصم عليها الديكتاتور الليبي قبل، وأثناء، تلك الزيارة المرفوضة! انتهت الزيارة.. وعاد القذافي إلي طرابلس ليبشر من حوله بأنه وضع الرئيس الفرنسي في جيبه، وأن الحكومة الفرنسية، والأحزاب السياسية، و أن 99,99٪ من الشعب الفرنسي أصبحوا يهتفون بحياته، سعداء بزيارته، ومبهورين بحكمته وشعاراته ومقولاته في أي شيء وكل شيء خاصة نظريته العلمية والفلسفية والروحانية عن: »حيض المرأة، ولماذا لم يُختص الرجل بها؟!«. .. مساحة المقال انتهت، وللحديث بقية.