لم يبالغ أحمد شفيق عندما قال إنه رفع استقالته أكثر من مرة إلي القيادة العليا للقوات المسلحة. ليس لأنه ليس علي مستوي المهام الجسيمة التي كُلّف بها. بالعكس.. فقد أثبت الرجل كفاءته وصلابته وحسمه في حسن إدارة شركة مصر للطيران، ثم وزيراً للطيران المدني. انجازاته الكبيرة التي حققها شاهدة علي ما أنجزه. وفور تكليفه برئاسة الوزارة بعد انتفاضة الشباب في 25يناير توقعنا نجاحه في التصدي لكل التحديات التي كانت في انتظاره. في أول تصريح له بعد تشكيل الوزارة أكد أنه ينتظر من كل وزير في حكومته أن يحدث تجديداً وتطويراً وحلولاً إصلاحية بصفة يومية، مثلما كان ينتظر من كل القيادات التي عملت تحت رئاسته علي امتداد تاريخه الطويل. الترحيب العام باختيار أحمد شفيق لرئاسة حكومة تسيير الأعمال، لم يستمر طويلاً. في البداية لم تخرج المظاهرات ضد شخص أحمد شفيق، وإنما كانت رفضاً للعديد من وزرائه لا لشيء إلاّ لأنهم سبق لهم العمل في حكومات الحزب الوطني المتعاقبة الواحدة بعد الأخري.. بلا تفرقة بين وزير كان شريفاً ومخلصاً من أجل الصالح العام، وبين آخر حامت حوله الشبهات ولا يعقل الإبقاء عليها ولا عليه. في اجتماع رئيس الوزراء الجديد مع مجموعة كبيرة من الصحفيين والمفكرين والإعلاميين.. صارحهم أحمد شفيق بأن تشكيل الحكومة يضم عدداً » تمت التوصية علي الإبقاء عليهم«. المعني: أن أحمد شفيق لم يكن مسئولاً عن تعيين بعضهم، وإن وافق علي منحهم فرصة لإثبات جدارتهم في تنفيذ ما سبق أن وعدوا بتحقيقه، وإلاّ فلا مفر من تغييرهم. وهو ما حدث في أول تعديل وزاري خرج فيه بعض هؤلاء. ولم تتوقف التظاهرات والاعتصامات، لأن المطلوب إبعاد كل الذين كانوا من العهد القديم بمن فيهم رئيس مجلس الوزراء أحمد شفيق نفسه. وأتصوّر أن »شفيق« قرر وقتها أن يتقدم باستقالته، مادامت التظاهرات تصر علي إبعاده، حتي وإن كان المشاركون في هذه التظاهرات يمثلون قطاعات عريضة من الشعب وليس جميعها. وأعتقد أن الرجل حفاظاً علي كرامته وتاريخه نفذ ما كان يفكر فيه وبادر بطلب قبول استقالته من القيادة العليا للقوات المسلحة، التي طلبت منه تأجيل البت فيها. ومع تصاعد الصيحات خاصة تلك المطالبة ب »إقالة أحمد شفيق«، كان المنطقي أن يكرر الرجل طلبه بقبول استقالته. فمثله لا يقبل علي نفسه أن يصبح إبعاده مطلباً ثورياً وشعبياً. و بالأمس فقط ووفق علي قبول استقالته. وجاء في البيان الصادر عن القيادة العليا للقوات المسلحة أنها »قبلت إستقالة أحمد شفيق« و ليس »إقالة أحمد شفيق« كما ينشر ويعرض علي غير الحقيقة في بعض أجهزة الإعلام! ما فعله أحمد شفيق ليس غريباً ولا نادراً وإنما علي العكس هو التصرف الطبيعي والمنتظر من أي مسئول يحترم نفسه، لا يقبل أن يتعرض لهذا الكم المذهل بالكلمة، والصوت، والصورة من الاحتجاجات والانتقادات، وبعدها التجريحات والاتهامات والبحث والتنقيب في تاريخه وتصرفاته وممتلكاته وإعداد ملفات تتضمن ما عثروا عليه من مواقع وجدوا فيها أخطاء وخطايا لا أول لها أو آخر..وقام البعض بنشرها عبر مواقع »النت«، لتنقل عنها فضائيات و صحف. ليس هذا دفاعاً عن أحمد شفيق. فهو الأقدر للدفاع عن نفسه. لكن المذهل ان كل ما نسب للرجل من »وقائع« و»انحرافات«، وما وجّه إليه من »عريضة« اتهامات، لم تكن نقلاً عن»تحريات« الأجهزة الرقابية، ولا من واقع »تحقيقات« النيابة العامة، وإنما كان اعتماداً فقط علي تفسيرات وتحليلات واقتناعات من رددها، و من استند إليها »كمعلومات موثقة« في الكشف عنها وإعلانها أمام الرأي العام! كان الله في عون الفريق الدكتور أحمد شفيق الذي تحمّس في البداية لتكليفه برئاسة حكومة منتظر منها ان تتصدي لكم هائل من التحديات والصعوبات والأزمات، ثقة منه في قدراته وكفاءته ارجعوا إلي تاريخ إنجازاته السابقة فإذ به يواجه بتظاهرات مليونية أسبوعا تلو الآخر تطالب بإقالته وكل من كان من رموز، أو حتي من عامة، العهد البائد السابق! »برافو« أحمد شفيق.. فقد فعل، بالضبط ، ما كان من عرفه شخصياً، ومن سمع وتابع إنجازاته ينتظره ويتوقعه.