بعد رسائله من ميدان التحرير إبان تغطيته للثورة المصرية، وصل الكاتب العالمي روبرت فيسك، أكبر مراسلي صحيفة »إندبندنت« إلي البؤر الملتهبة في العالم إلي طرابلس »مراسل الأزمات« لتغطية مجزرة القذافي الأخيرة، و سقوط القذافي الأخير. وتحت عنوان يقرأ »طرابس: مدينة في ظلال الموت«، نشرت صحيفة »إندبندنت« البريطانية أول تحقيق ميداني لفيسك من قلب العاصمة الليبية التي تمزقها الحرب بين أنصار القذافي والثائرين علي حكمه . يبدأ فيسك تحقيقه، الذي تفرد له الصحيفة كامل صفحتيها الأولي والثالثة، برصد صورة ما بدت عليه الحياة في مطار طرابلس الدولي الذي وصل إليه ليلة أمس الأول . يقول فيسك إنه رأي في المطار حوالي 15 ألف طفل وامرأة ورجل ، وقد راحوا يصرخون، ويصيحون، وسط الزحام والضوضاء، علهم يفوزون بمقاعد علي متن الطائرات القلائل، التي كانت لا تزال مستعدة لتسيير رحلاتها من دولة معمر القذافي »المتهالكة«. ويقول فيسك إنه علي الرغم من أن الأوضاع الكارثية داخل المطار كانت لا تحمل أي مكان لللنكتة ، إلا أن ما رآه أكد وجودها " النكتة السوداء " حتي في هذه الكارثة . ويقول إنه رأي في المطار أنصار القذافي ، الذي يتهاوي الآن ، رغم أنه لا يزال يمسك بالسلطة في المدينة الوحيدة ، التي لم يفقد سيطرته عليها بعد ، يهتفون بحياته ثم ينفجرون في الضحك !! ويقول فيسك في رسالته : انتشرت علي جانبي الطريق مجموعات من الشبان المسلحين من أنصار القذافي ، برشاشات الكلاشينكوف، وقد نصبوا متاريس من الكراسي التي قلبوها رأسا علي عقب، ومن الأبواب الخشبية". ويروي فيسك كيف أنه رأي بأم عينيه أشخاصا "يرشون الشرطة الليبية المرة تلو الأخري ، لكي يسهلوا لهم أمر الوصول إلي مكتب حجز التذاكر، يشقون الطريق وسط حشود الأسر التي بللتها مياه الأمطار الغزيرة وهدها الجوع واليأس والخوف ، بعد أن وجد الآلاف من الأجانب أنفسهم فجأة مضطرين لمغادرة ليبيا طلبا للنجاة ، بعد اندلاع الثورة فيها ضد النظام. ويمضي قائلا: " كانت الحشود المندفعة نحو مكتب الحجز تدهس الكثيرين ، بينما كان رجال أمن العقيد يضربون بوحشية من كانوا يتدافعون للوصول إلي المقدمة " . ويمضي فيسك قائلا: "من بين أولئك كان هنالك إخوان للقذافي من العرب، ومنهم آلاف المصريين ، الذين أمضي بعضهم يومين في المطار بلا طعام، أو بدون الذهاب إلي الحمامات. . وقد ملأت أرجاء المطار روائح البراز والبول والخوف". أما جولة ال 45 دقيقة التي أمضاها فيسك داخل طرابلس، فيقول إنها كانت فرصته الوحيدة ليعود بمخزون هائل من المشاهدات والصور المرة التي تحكي قصص الموت والرعب والجوع والخوف في عاصمة " ملك ملوك أفريقيا "علي حد قوله . ويضيف: "هنالك أزمة طعام في طرابلس التي لفتها طبقة داكنة من الغيوم سرعان ما انهمرت أمطارا غزيرة ، فاستحالت سيولا بلون بني ملأت الساحة الخضراء ، قبل أن تتدفق إلي شوارع طرابلس القديمة فتغمرها" وترفق الصحيفة مع التحقيق صورة لأشخاص منهمكين بتحضير عدد كبير من القبور، وأخري لشارع في المدينة خلا إلا من رجلين يظهران كشبحين من بعيد ، وسط سحب من الدخان الأسود الذي يلف المدينة المشتعلة. وينتهي فيسك في تقريره إلي أن طرابلس معقل القذافي الأخير ، قد تحولت إلي مدينة تخيم عليها أشباح الموت . ويقول إنه علم من مصادر ليبية أن وجهة القذافي القادمة " الأخيرة " حال سقوطه المرتقب هي بوركينا فاسو وليست فنزويلا . وقال فيسك إن هناك عمليات هروب جماعي لأسرة القذافي ، بيد أن المشكلة ، علي حد قول بعض المصادر تكمن في الوجهة التي يمكن أن تستقبلهم ، بعض رفض حكومة مالطا استقبال طائرة ركاب كانت تحمل أفراد من العائلة بينهم عائشة ابنته ، ومن قبل رفض حكومة لبنان السماح لطائرة ركاب تابعة للخطوط الجوية الليبية ، تحمل ثمانية من عائلته ، بعد رفض كابتن الطائرة الكشف عن هويتهم . وذكَر فيسك بالثأر " البايت " بين الشيعة في إيران والعراق ولبنان وبين القذافي لتحميلهم مسؤولية قتل الإمام الشيعي موسي الصدر، الذي كان قد اختفي في عام 1978 بعد زيارة لليبيا، التقي خلالها العقيد القذافي، ثم لم يره أحد بعد ذلك .