سنة الثورة بدأت في يناير. في دولة صغيرة ليست ذات أهمية كبيرة. ثم انتشرت المظاهرات إلي أكبر وأهم دولة في المنطقة، لتطيح بنظام حكم بدا ولمدة طويلة راسخا في مكانه لا يمكن زحزحته. ولكن تأثير ما حدث بمصر قد تجاوزحدودها بكثير، وأصبحت الأجواء مفعمة بالحديث عن الحرية والتحرر من إيثار الأنظمة. واجتاحت احتجاجات الشوارع كل مكان متحدية حكم الأوتوقراط والملوك الذين تابعوا ما يجري من أماكنهم بخوفٍ. ويمكن تفسير الأحداث في تونس ومصر بأن ثورتيهما السلميتين قد ألهمتا وشحذت همة الشعوب في شتي ربوع الشرق الأوسط، بما يعيد إلي الأذهان الانتفاضات الشعبية التي شهدها العالم و بدأت في صقلية وفرنسا قبل 162 عاما. وتعد ثورات العام 1848- كما يُطلق عليها- هي الأكثر قرباً وشبها لما يجري الآن في الشرق الأوسط. وقد دفعت أحداثها المؤرخون المعاصرون لها لتسميتها ب " ربيع الشعوب ". وقد أعقبت هذه الأحداث مشاكل اقتصادية مؤلمة نطلق عليها في عصرنا هذا أسماء مثل الركود وارتفاع أسعار الغذاء. في تلك الفترات الغابرة، كانت الشيخوخة قد دبت في أوصال الملكيات المترهلة أصلا، وكان الشباب في المقدمة. واستطاعت تكنولوجيا الاتصالات المتقدمة النسبية - وقتذاك ممثلة في الصحف واسعة الانتشار توحيد صفوف هؤلاء. ورغم أن القصة لم تنته نهاية جميلة، استطاع المتظاهرون أن يشكلوا قوة لا يستهان بها، قبل أن يختلفوا ويتفرقوا، ويحاربوا بعضهم بعضا ويضعفوا أنفسهم، في الوقت الذي انحازت فيه الجيوش إلي النظام القديم، وقمع المتظاهرين. وانتظرت النظم الملكية استقرار الأوضاع خلال سنوات قليلة، حتي تعيد ترتيب أوضاعها، وتعزيز قبضتها علي السلطة من جديد. وقد وصف المؤرخ البريطاني إيه. جيه. بي تايلور ماحدث بقوله : لقد بلغ التاريخ نقطة التحول ثم فشل في القيام بعملية التحول "!! وها بعد بلغ التاريخ في الشرق الاوسط إلي نقطة التحول، فهل يمكن أن نراه يفشل في تنفيذ عملية التحول؟.. هل نري بعد سنوات قليلة من الآن المتظاهرين في البحرين واليمن والأردن ودول أخري يتذكرون عام 2011 ليجدوا أن شيئا لم يتغير ؟ نعم بالتأكيد هذا ممكن. ولكن هناك سببين جوهريين يؤكدان أن ما حدث في الشرق الأوسط خلال الأسابيع الماضية من غير المحتمل أن يختفي. بل إن ما حدث في مصر ومن قبلها تونس لن يغير فقط المنطقة، بل والعالم.. والسببان هما الشباب والتكنولوجيا. وتكمن محنة أنظمة الشرق الأوسط في أن الشباب يمثلون الكتلة الأكبر في المنطقة، حيث تبلغ نسبة من هم دون الثلاثين حوالي 60 ٪ من عدد السكان، ولدي الملايين من هؤلاء الشباب طموحات وتطلعات لا بد من تلبيتها، في الوقت الذي نري الآن محلك سر، لا تظهر الاستعداد الواجب للقيام بذلك. فقد رفضت الأنظمة الاستجابة لشبابها بحجة انتمائهم لتيارات إسلامية متطرفة، أو أنهم مدفوعون من الغرب، بينما هؤلاء الشباب ولدوا في بلادهم، وهزوا أرجاء الغرب وصدعوا تحالفاته، وما يريده الشباب في حقيقة الأمر، وقبل كل شيء هو أن يعاملوا كمواطنين، وليس ك جماد. وفي استطلاع أُجريته مؤخرا علي شباب الشرق الأوسط، توصلت إلي أن رغبتهم رقم 1 هي العيش في دولة حرة، رغم أن لديهم رغبة أيضا مؤكدة في تحصيل فرصة عمل ورغبة أكيدة في بلوغ مستوي معيشة لائق كما في المجتمعات الحديثة. والشباب ليسوا دائما مصدرا للعنف وكل قضيتهم الحرية والوظائف، وقد لاحظ السياسيون والصحفيون والباحثون قضية شباب الشرق الأوسط ولكن الحكومات في المنطقة لم تكلف نفسها عناء مواجهتها، والتعامل معها. جرت العادة في الشرق الأوسط- كما قال وارين بوفيت ذات مرة- كلما قلت لرئيس نظام : هذا الزمن مختلف، تجده يتحسس سلاحه لأنه يخشي علي الفور الإطاحة به. والآن أنا استشعر أن الزمن اختلف في الشرق الأوسط، وأضع يدي علي " سلاحي " قلمي- علي أية حال. ترجمة مجدي كامل عن مجلة »تايم الأمريكية«