لم أكن حاسما لأمري مثلما كنت بالأمس.. اتخذت قرارا بالتوجه إلي ميدان التحرير للاحتفاء مع أبنائي شباب مصر بنصر ثورة 52 يناير.. إنها جمعة غير عادية.. هي جمعة النصر التي ستظل مجريات أحداثها محفورة في ذاكرة كل من حضر مشهدها الرهيب.. كانت الجمعة 81 من فبراير عام 1102 مثل يوم الحشر. اصطحبني إلي الميدان أحد عناصر الثورة الابن محمد فائق دسوقي، وعندما اقتربنا من حدود الميدان استقبلنا رجالات القوات المسلحة بابتسامة عريضة، ووجه بشوش.. ولم يمنع الود والحب من تفتيش ذاتي، الساعة كانت تشير إلي الحادية عشرة صباحا والعرق يتصبب من جبيني.. اليوم شديد الحرارة، افترشنا الأرض، جلست بجوار من اطلقت عليه »لطفي« ليضع لنا كوبين من الشاي الذي أدمنه ثقيلا.. لاحظت انه غير محترف.. قال لي جئت للميدان بعد أغلقت ورشة تصنيع الأحذية التي كنت أعمل بها في باب الشعرية، واستطرد »الايد البطالة نجسة«، ومع أطراف الحوار كانت تمر أمام عيني أفواج من البشر.. اختلطت قطرات العرق بدمع العيون.. لم تكن الفرحة شبابية بل هي فرحة مصرية. ميدان التحرير.. ذكرني بالأيام الخوالي.. عندما كنا أطفالا ونحرص علي حضور »موالد أولياء الله«.. الميدان تحول إلي كرنفال أزياء، وانتشر الباعة من يبيع الشيبسي والمياه والفيشار، والسندوتشات، والشاي.. وهناك من يبيع أعلام مصر و»تي شيرت الثورة«.. ووسط هذه الكتل البشرية تجد من يخترق حشود الناس ليجمع المخلفات في كيس قمامة. أكبر ظني أن الشيخ يوسف القرضاوي عندما اعتلي المنصة التي تم تجهيزها ليلقي خطبة الجمعة ويؤم المصلين شعر بسعادة غامرة.. لم أر من قبل شيخاً يؤم 3 ملايين مصل يوم جمعة.. إنه حدث غير مسبوق لم يكن ليخطر علي عقل أو قلب بشر.. ولأول مرة في خطبة الجمعة يستهل الخطيب كلامه قائلا أيها المسلمون والأقباط.. قدم الشيخ القرضاوي التهنئة للشباب بانتصار ثورتهم المعلمة.. وأوصي الشباب بالحفاظ علي الثورة التي لم تنته، بل بدأت وأولي خطواتها بناء مصر الجديدة.. وحذر الشباب من المنافقين، وطالبهم بأن يكونوا علي يقظة وألا يسمحوا بأن يدخل بينهم من يفسد وحدة الشباب. وأثني الشيخ علي الكاتب الكبير الأستاذ أحمد رجب عندما قال أن الثورة نجحت عندما زار الميدان ورأي المسيحي يصب الماء للمسلم لكي يتوضأ.. ووجه الشيخ التحية لجيش مصر باعتباره درع الشعب وسنده مشيدا بأن الجيش لا يمكن أن يضحي بالشعب من أجل شخص واحد.. كما اشاد بالاجراءات التي اتخذها المجلس الأعلي للقوات المسلحة وإنشاء لجنة لتعديل الدستور خلال عشرة أيام، وأسند مهمتها للرجل الفاضل المفكر المعتدل المنصف المستشار طارق البشري. وما أن انتهت صلاة الجمعة، وصلاة العصر، وصلاة الغائب حتي علت في الميدان صيحات وتكبيرات عيد الأضحي المبارك.. الله أكبر كبيرا.. ألم أقل إنها جمعة غير مسبوقة في تاريخ أمة الإسلام والمسلمين. سلمت لنا يا مصر.. وسلمت لنا يا شباب مصر.. ومبروك النجاح المذهل للاحتفال بثورة 52 يناير 1102.. وعاشت مصر حرة قوية بسواعد رجالات القوات المسلحة العظيمة.