يقول المثل العربي «وبضدها تتضح الأشياء»، بمعني أنك لن تدرك قيمة الشيء الثمين، إلا إذا شاهدت وتعايشت مع الغث، وهو ما يصلح للتطبيق بشكل كبير علي المقارنة بين حالة الطريق الدائري وطريق مصر اسكندرية الصحراوي. الطريقان شهدا تطويرا، لكن طريق «مصر اسكندرية الصحراوي» اتخذ الإجراءات التي تضمن استمرار بهائه وجماله، بينما الطريق الدائري لم يهنأ لفترة طويلة بما شهده من تطوير، وعادت الفواصل والحفر تهدد حياة السائقين. كل الخبراء يرجعون مشاكل الطريق الدائري إلي سير النقل الثقيل بحمولة تفوق طاقته، لذا تم تخصيص حارتين منفصلتين للنقل علي طريق مصر اسكندرية الصحراوي للحد من ا لمشكلة. الحمولات الزائدة للنقل الثقيل خربت «الدائري» سائقو الملاكي: نشعر بهزة أرضية مع مرور أي سيارة المهندس عادل الكاشف : الغرامة ليست الحل قد يقول قائل أن عامل المساحة في طريق مصر اسكندرية الصحراوي يسمح بهذا الحل، وهو ما يرد عليه مرتادو الطريقين بأن التخطيط الجيد للمشروع سمح بمعرفة نقاط القوة لاستغلالها، ولكن للأسف فإن تطوير الطريق الدائري يتم في كل مرة بدون تخطيط، فما تلبث المشاكل القديمة أن تعود من جديد بعد كل تطوير. الخبراء يحذرون في الوقت ذاته، من أن استمرار سياسة تحصيل غرامات علي الحمولات الزائدة للنقل الثقيل في طريق مصر اسكندرية الصحراوي، قد يجعل أمراض الطريق الدائري تمتد إليه لان هذا العقاب ليس رادعا. وقالوا: « الأولي أن يتم منع الحمولات الزائدة من الأساس، لأن الغرامات لن تساوي قيمة ما يتم انفاقه علي تطوير الطرق». الاخبار قامت بجولة ميدانية لرصد ابعاد المشكلة «الخطاب يظهر من عنوانه « ترددت علي لساني هذه العبارة في بداية الرحلة من الطريق الدائري جهة شبرا الخيمة، وصولا إلي المخرج المؤدي منه إلي طريق مصر اسكندرية الصحراوي. حالة النظافة العامة للطريق واستمرار المقاهي العشوائية علي جانبيه، لا تبشر بأن هناك متابعة لعملية التطوير التي شهدها، ولكن تتضاءل هذه الأمور أمام المشكلة الأكبر التي يشعر بها مرتادو الطريق وهي، اهتزاز الطريق مع مرور سيارات النقل الثقيل. حمولات ضخمة خالد محمدي» 32 عاما»، حاول وصف هذه الحالة بقوله:» أشعر مع مرور النقل الثقيل بحمولاته الضخمة أن الطريق انشق إلي قسمين وسقطت سيارتي». محمدي، الذي يقطع هذا الطريق يوميا بسيارته الخاصة في رحلته من مسكنه في مدينة بنها إلي مقر عمله في مدينة 6 أكتوبر، قال هذه الكلمات بجدية، ربما لا تتماشي مع تشبيهه الذي يحمل طابع الفكاهة، وهو ما حاولت أن ألفت انتباهه إليه، ففوجئت به يشتاط غضبا، وهو يتابع قائلا: « امشي عدة كيلومترات وستري أحد الفواصل وقد شق الطريق نصفين، لمساحة صغيرة مرشحة لأن تكون كبيرة في المستقبل القريب». طرح محمدي هذا السؤال منتظرا الرد، لكني اعتذرت حتي أري بنفسي، وما هي إلا بضعة كيلو مترات قطعتها، حتي شاهدت تلك المشكلة. كان مرور سيارة نقل ثقيل في منطقة تواجدنا فيها كافيا للشعور بخطورة استمرار هذه الحالة، والتي لخصها وائل حمدي «39 عاما» بقوله: « لن أبالغ إذا قلت لك أني أشعر بحدوث هزة أرضية». حمدي، والذي يعمل مندوبا للمبيعات ويستخدم هذا الطريق يوميا في تنقله بين محافظاتالقاهرة الكبري، يري أن المشكلة ليست في مرور النقل الثقيل، بقدر ما هي تتعلق بالإلتزام بالحمولة المقررة قانونا». وأشار إلي سيارة كانت تمر أثناء حديثه معنا، وقال ساخرا: « هل نسمح بمرور سيارات تحمل هذه الحمولة المبالغ فيها، ثم نتساءل بعد ذلك لماذا يفشل تطوير الطريق الدائري». وأضاف، وقد تخلت نبرة صوته عن السخرية وأصبحت حادة بعض الشيء: « من أجل حفنة أموال تحصل عليها الدولة من تحصيل غرامات علي الحمولة الزائدة للنقل الثقيل، نقوم بتدمير الطريق الدائري». ووفقا لاتفاقية الطرق الدولية، فإن 10 أطنان هي أقصي حد لحمولة النقل الثقيل، بالنسبة للقاطرة الأولي ومثلها للقاطرة الثانية، لكن ما يحدث في مصر أن هذه الحمولة تتم مضاعفاتها، نظير رسوم يتم تحصيلها. الحكومة عارفة وتساءل حمدي وقد أصبح صوته أكثر حدة: « نفسي حد يقولي، هل ستعادل تلك الرسوم، قيمة ما تم انفاقه علي تطوير الطريق الدائري». وتابع، وقد انخفضت نبرة صوته، بعد أن أفرغ طاقة الغضب الكامنة لديه: «لا أظن أننا سنعادلها، وسنظل ندور في نفس الدائرة المفرغة، وهي أموال تنفق علي التطوير، ثم سيارات نقل ثقيلة تدمر هذا التطوير، والحكومة تعرف ذلك لكنها ( مطنشة). وخصصت وزارة النقل في عام 2004، وقت أن كان يتولي مسئوليتها حينها د.عصام شرف، مبلغ 50 مليون جنيه لتطوير الطريق الدائري، وبعد مرور عشر سنوات تخصص الوزارة 359 مليون جنيه لنفس الغرض، وذلك وفق الموقع الرسمي لوزارة النقل علي شبكة الإنترنت. مشهد متكرر حديث حمدي كان كافيا لمعرفة إلي أي مدي أصبح الطريق الدائري عبئا علي مستخدميه، لكن «المضطر يركب الصعب»، هكذا قال فوزي عبد المجيد «42 عاما «، وهو يحكي تجربته مع الطريق. عبد المجيد، والذي يقيم في مدينة 6 أكتوبر، ويستخدم هذا الطريق يوميا، تحدث معنا علي عجل حتي لا يتأخر علي موعد عمله، مكتفيا بالقول:»اقطعوا عدة كيلو مترات للأمام، وسترون كم نعاني مع الطريق الدائري». حالة الغضب التي كانت ظاهرة بوضوح علي وجه عبد المجيد، كانت كافية لنعرف أننا علي موعد مع مشهد جلل، وما هي دقائق حتي كنا علي موعد مع هذا المشهد، وهو لجثة مواطن تم تغطيتها بأوراق الجرائد ووضعت علي جانب الطريق. هذا المواطن الذي لقي حتفه، كان يحاول تفادي إحدي الفواصل الكبيرة في الطريق الدائري، لتصدمه سيارة نقل ثقيلة من الخلف، ليلقي حتفه علي الفور، وهو المشهد الذي وصفه محمد صفوت «50 عاما» بأنه «متكرر». صفوت، كان يقود سيارته في موقع الحادث القريب من وصلة الطريق الدائري المؤدية لطريق مصر اسكندرية الصحراوي، وهو ما دفعه إلي القول: « كنا نشاهد مثل هذه الحوادث بشكل متكرر علي طريق مصر اسكندرية الصحراوي، فلماذا لا نراها الآن، ولماذا نراها في هذا الطريق بعد وقت بسيط من افتتاحه بعد إعادة تطويره؟». طرح صفوت السؤال، لكنه لم ينتظر الإجابة، إذ أجاب هو بنفسه علي سؤاله قائلا: « في طريق مصر اسكندرية الصحراوي أصبح هناك نظام، أما الطريق الدائري فهو سمك لبن تمر هندي، والحكومة تقف عاجزة أمام وضع حل لمشاكله». غضب وارتياح المقارنة بين الطريقين التي أشار إليها صفوت، كانت مشجعة لنا علي الولوج إلي طريق مصر اسكندرية الصحراوي، لنكتشف أننا أمام مشهدين، سيارات نقل ثقيلة تسير ببطء، لتصل إلي منطقة «البوابات»، وهي بداية لهذا الطريق الذي ينتهي في مدينة الإسكندرية، وعلي الجانب الآخر سيارات ملاكي تسير بسرعة وصولا إلي نفس المنطقة. هذا التباين، يرجع إلي أن طريق مصر اسكندرية الصحراوي عند إعادة تطويره، تم تخصيص حارتين منفصلتين لمرور النقل الثقيل، بينما خصص باقي الطريق للسيارات الملاكي، وكان من نتيجة ذلك، مزيد من الارتياح بين قادة السيارات الملاكي، وفي المقابل حالة من الغضب بين قادة سيارات النقل الثقيل. لماذا التفرقة همام عبد المجيد « 45 عاما «، وهو أحد سائقي النقل الثقيل، بدا غاضبا من هذه التفرقة، وقال: « كيف يخصص للنقل الثقيل حارتان فقط، ويترك الباقي للسيارات الملاكي». ما يراه عبد المجيد « عيبا «، وصفه أيمن أبو السعود «60 عاما» بأنه «عين الصواب»، وقال أبو السعود: « وهل المطلوب أن نترك هذه السيارات تسير بلا ضابط، كما يحدث في الطريق الدائري، تحجيم هذه السيارات هو عين الصواب، ونتمني أيضا ضبط حمولتها، والغاء فكرة السماح لها بالحمولات الزائدة، نظير تحصيل رسوم». حل جذري ما طالب به عبد المجيد هو الوضع المثالي، الذي من المفترض حدوثه، ولكن ما يحدث في طريق مصر اسكندرية الصحراوي وفق مشاهدتنا، هو أن تخصيص حارتين للنقل الثقيل، أضاف مزيدا من الانضباط علي الطريق، لكن لا تزل مشكلة الحمولة الثقيلة مستمرة. وتمني محمد حنفي، وأحد قادة السيارات الملاكي، بأن تكتمل الصورة الجميلة، بإلغاء تحصيل الغرامات علي الحمولة الزائدة، وأن يتم منعها من الأساس. وقال حنفي الذي يستخدم طريق مصر إسكندرية الصحراوي بشكل أسبوعي، خلال رحلته الأسبوعية زيارته اسرته في الإسكندرية: « نخشي مع الوقت، أن تمتد أمراض الدائري إلي طريق مصر إسكندرية الصحراوي بسبب الحمولات الزائدة». ويسمح لسيارات النقل والمقطورة باستكمال رحلتها علي الطرق إذا كانت محملة بأكثر من حمولتها، في مقابل غرامة حددها قرار وزير النقل رقم 28 لسنة 2000، وهو القرار الذي يري خبراء أنه سيدمر شبكة الطرق في مصر. ثقافة الجباية ووصف المهندس عادل الكاشف رئيس جمعية الطرق المصرية لسلامة المرور هذا التوجه، بأنه تجسيد لما سماه ب « ثقافة الجباية». وقال الكاشف: « أرجو ممن أصدر هذا القرار، وممن سمح باستمراره إلي الآن، الإجابة عن هذا السؤال: كم أنفق علي تطوير الطرق في مصر، وكم من الأموال تم تحصيلها من هذه الغرامات؟ «. وتابع: « أتحدي أن يجيب أحد عن هذا السؤال، لأن الإجابة ستكشف بوضوح عن أن هذه الغرامات هي نقطة في بحر الأموال التي تنفق علي تطوير الطريق، وهذا جرم يتم ارتكابه في حق طرق مصر ومواردها، والسبب هو الحمولة الزائدة لسيارات النقل الثقيل». أفكار خارج الصندوق وللبحث عن مبرر يدفع الحكومة للاستمرار في تطبيق هذا القرار المدمر لشبكة الطرق، قلت لرئيس جمعية الطرق المصرية: لربما يكون السبب هو الحرص علي عدم ارتفاع أسعار السلع، لأن التضييق علي هذه السيارات التي تنقل السلع بين المحافظات، سيتبعه بالضرورة توجه نحو زيادة الأسعار. وكأني ضغطت بإصبعي علي موطن الألم في جسد الكاشف، حيث صرخ قائلا: « وهل من المفترض الاستسلام لهذا التخوف، ولا يتم البحث عن حلول تضع حدا للمشكلة». وقبل أن أسأله: ما هي هذه الحلول؟، تابع قائلا: « نريد أفكاراً خارج الصندوق، يعني مثلا يمكن تأسيس مناطق لوجستية خارج عواصم المدن، تفرغ داخلها سيارات النقل الثقيل حمولتها، ليتم نقل هذه الحمولات إلي داخل المدن بسيارات أصغر لا تؤثر علي البنية التحتية.