عندما استمعت إلي التصريحات التي أدلي بها الدكتور سمير رضوان وزير المالية الرجل المسئول عن تدبير موازنة الدولة والاحتياجات المعيشية والحياتية لشعب مصر.. لم أجد ما أقوله سوي ان أقول: لا حول ولا قوة إلا بالله. ما قاله د.رضوان احد أركان وزارة تسيير الأعمال التي يرأسها د. أحمد شفيق.. كان خطيرا ومرعبا. لا اعتقد ان احدا كان يدرك من خلال الأرقام التي أعلنها الوزير حجم ما يواجه مصر وشعبها بكل اطيافه من اخطار وهو الأمر الذي يهدد كيانها ووجودها ماليا واقتصاديا، ان الاعباء والخسائر اليومية التي تتحملها مصر منذ 52 يناير نتيجة توقف دولاب العمل ومرافق الحياة الاقتصادية والانتاجية تبلغ 013 ملايين دولار أي ما يساوي بالجنيه المصري 8.1 مليار. معني هذا ان خسائرنا تقدر وحتي الآن ومنذ 52 يناير ب 42 مليار جنيه. من الذي سوف يتحمل هذه الخسائر والاعباء المرشحة للزيادة بمرور الوقت مع عدم ظهور مؤشر علي قرب نهاية حالة الجمود والشلل والفوضي التي ارادها البعض ان تسود مرافق الدولة وأجهزتها المختلفة، انه الشعب المصري هو وحده الذي سيتحمل ويدفع فاتورة استمرار هذا الخراب. لا يمكن وصف ما يجري في الكثير من مواقع العمل حاليا من أعمال انتهازية سوي تعمد الاساءة إلي الشعب ومنجزاته السياسية باعتباره صاحب المصلحة في هذا البلد. ان ما يقومون به يستهدف تعمد اجهاض التطلعات والمكتسبات النبيلة لثورة 52 يناير التي لم يكن لأصحاب الدعاوي الفوضوية أي فضل فيها. ان سلوكياتهم تتناقض تماما وأهداف هذه الثورة التي قامت لإصلاح مصر وليس تخريبها وتدميرها. ان ما يحدث حاليا لا يقل انحطاطا وخطورة عما جري في موقعة الجمل بميدان التحرير والتي قلبت الموازين لصالح رواد الإصلاح السياسي. لا أحد ينكر معاناة قطاعات كبيرة من المواطنين وانه كان هناك ظلم واقع عليهم ولكن هذا ليس معناه غياب الادراك والوعي. ليس خافيا ان استمرار هذه الأوضاع انما يقود إلي مزيد من المعاناة. ان المصادر التي نحصل منها جميعا علي قوت يومنا سوف تنضب وتتلاشي بمرور الوقت إذا لم تعد الحياة لطبيعتها في مواقع العمل والانتاج. ان ارتفاع الأصوات الشاكية من الظلم بعد المنجزات السياسية التي لم يكن يحلم بها أحد لا تعني بأي حال من الأحوال الدعوة إلي الفوضي في هذه المواقع والتي حذر منها المجلس الأعلي للقوات المسلحة ورئيس حكومة تسيير الأعمال. لابد ان يوقن كل أصحاب هذه الشكاوي سواء كانت علي حق أو علي غير حق انه لا يمكن ان تسير الحياة بدون قوانين والتزامات ولوائح معمول بها حاليا. ان تداعيات ما سوف يحدث من توقف للعمل والحياة.. تعني الفوضي التي ستعم الجميع بلا استثناء إلي الدرجة التي لن تُمكنهم حتي من الحصول علي الأجور والمرتبات الحالية لشراء احتياجاتهم المعيشية اللازمة لهم ولأسرهم. قد يكون هناك ما يجب تغييره من القوانين واللوائح والنظم المعمول بها حاليا.. ولكن ما يجب ان يتفق عليه الجميع هو ان هذه الخطوة لابد وان تنطلق من الأسس التي يتبناها المجتمع حاليا من اجل التغيير الشامل. في هذا الإطار فإن الفوضي لا يمكن القبول بها من جانب جموع الشعب باعتبار انه لا يمكن ان تكون أساسا لأي تعامل. علينا ان يكون لدينا حسن التقدير والفهم العميق لما قام به شباب 52 يناير وما صنعوه من تحولات سياسية غير مسبوقة. كما ان علينا ان نتابع سلوكياتهم الحضارية خلال اليومين الماضيين عندما نزلوا إلي ميدان التحرير لتنظيفه واعادته ليكون جديرا بحياتنا الجديدة. من المؤكد ان أهداف الثورة السلمية التي قادوها كانت تستهدف حياة أفضل لمصر وشعبها يسودها الأمن والاستقرار. واجبنا جمعيا الالتزام بالبذل والعطاء والعمل والانتاج في كل المجالات من أجل التقدم الذي نتطلع إليه جميعا. المؤكد انه لم يدر في فكر شباب التحرير ان تدفع تطلعاتهم النبيلة بنا إلي نفق الاستغلال من جانب احد لوقف الحياة في مصر والدفع بها الي الفوضي والدمار. ان الظروف الصعبة التي يمر بها الوطن تتطلب نقطة نظام من أجل بناء عالم الحرية والديمقراطية الذي كنا نحلم به والذي من المفروض ان يفتح امامنا آفاق النهضة والتقدم. حان الوقت وبكل السرعة كي نشارك جميعا وبمسئولية وطنية في بناء الحاضر والمستقبل. هذا يتطلب منا جميعا كشعب متحضر ان تتضافر جهودنا جميعا للتصدي ووقف أعمال الفوضي التي تحرض عليها بعض العناصر الفاقدة للمسئولية المجتمعية . إنها لا تقدر تداعيات ما نقوم به والتي ستكون علي رأس ضحاياها. لابد للشرفاء أصحاب المصلحة الحقيقية في أمن واستقرار هذا الوطن ان يتحركوا بكل الوعي والمسئولية لضمان عدم الجنوح الي ما يعطل العمل والانتاج . جلال دويدار [email protected]