نحن ننتظر الآن، ما سوف تتخذه الهيئة العليا لقواتنا المسلحة من خطوات لترتيب البيت من الداخل، والإعداد لاجتياز المرحلة الانتقالية في أمان وسلام وشفافية، وقد قال المتحدث الرسمي ان الإعلان عما سيتخذ من إجراءات سيأتي تباعاً، وهذا شيء طبيعي، فكل إجراء قبل اتخاذه يحتاج إلي دراسات ومشاورات وترو، ومن أهم الإجراءات التي أعتقد انها ستكون في المقدمة ولها الأولوية، تشكيل الحكومة الجديدة فإنه طبقا للمبادئ الديمقراطية لابد ان تكون هناك حكومة، ولن تقبل قواتنا المسلحة ان تتركز السلطة في طبقة أو حزب أو طائفة من الطوائف، ولكنها ستحرص علي الرجوع لأفراد الشعب، تأكيدا منها للحكم الديمقراطي الذي من مظاهره الاشتراك الشعبي في اختيار الحكومات، ولإبرهام لينكولن كلمة في هذا الصدد لعلها أصدق تعبير عن النظرية الجديدة في الحكم، قال »ما من رجل مهما يكن بلغ علمه وكفايته ونزاهته يستطيع أن يملك الحق في السيطرة علي رجل آخر بغير رضاه«. فرضاء المحكومين هو أساس الحكومة الناجحة المنتجة، فقد ولي العهد الذي كان فيه حق الحكم يكون بالقوة، أو يفرض كأنه إرادة لا سبيل إلي ردها، بل ان الحاكمين الذين يزاولون سلطتهم علي غير رضي الشعب، يحاولون جهدهم أن يكتسبوا رضاء المحكومين عنهم، وما من شعب حر تقوم فيه حكومة إلا كان يستحقها، وكان هو جديرا بها، وكانت هي جديرة به، ومن هنا كانت الكلمة المأثورة »كيفما تكونوا يول عليكم«. ومظهر قوة الشعب قدرته علي فرض إرادته، ومظهر ضعفه قدرة الحاكمين علي فرض إرادتهم عليه ومظهر قوة الفرد عدم سكوته علي الظلم، ورفضه الضيم، ومظهر ضعفه استكانته للضيم ورضائه بالظلم الذي يحيق به! والمستبدون أيا كانوا هم الذين يحجبون النور عن الشعوب، لأنه مع النور ينبثق التفكير في التحرر، ومع التحرر يكون انهيار الاستبداد وأعوانه، والاستبداد يحول بين الشعب وبين التطور، وليس أبغض لدي المستبدين من الحرية في جميع مظاهرها، حرية الصحافة، حرية الاجتماع، حرية القول، فإذا رأيت حكومة تضيق بحرية الرأي، وتبث الجواسيس هنا وهناك، تجازي وتعاقب، وتقرب وتقصي تبعا للرأي معها أو عليها، فأعرف أنها حكومة مستبدين! ولن تفلح بعد اليوم حكومة مستبدين في مصر بعد نجاح ثورتنا علي الاستبداد، وتحررنا، وإقرار سلطان الشعب الذي أصبحت كلمته وإرادته هي العليا، وبعد أن أصبحت مصر فوق الجميع.إن كل ما نرجوه ان تكون حكومتنا القادمة، حكومة قوية يرضي عنها الشعب، وألا تكون في مستوي أقل من المشاكل الضخمة التي تواجهنا، فإن الخطر الأكبر هو ضعف الحكومة وتعثرها أمام هذه المشاكل، وعدم قدرتها علي مواجهتها، إن هذه المناشدة المخلصة أرجو أن تجد آذانا صاغية لدي قواتنا المسلحة الشامخة التي نفخر بها جميعا. إن الأمم والشعوب لاتتحرر بالصياح والهتافات والكلام، ولكنها تبني مستقبلها بالعمل والإنتاج ومواجهة ما يقابلها من صعاب في قوة وتصميم وعزم، وأن تكون لديها القدرة علي الانتصار عليها.