لم تمض سوي دقائق قليلة معدودة علي اعلان تخلي الرئيس مبارك عن رئاسة الجمهورية حتي سارع المجلس الاعلي للقوات المسلحة باصدار بيانه الثالث الذي اهتم فيه بالتأكيد علي ان المجلس لن يكون بديلا عن الشرعية التي يراها الشعب.. اي انه اراد طمأنة الشعب الذي قام بالثورة انه لن يحكم نيابة أو بديلا عنه وانه سوف يتول فقط ادارة شئون البلاد لفترة انتقالية يتم خلالها نقل السلطة بشكل سلمي وآمن لمن ينتخبه الشعب في انتخابات حرة شفافة ولكي يتولي حكم البلاد. وبذلك فان المجلس الاعلي للقوات المسلحة يعي انه مكلف فقط بادارة عملية الانتقال من شرعية دستورية استردها الشعب بثورته من رئيسه السابق بعد ان ابهره علي التنحي إلي شرعية دستورية جديدة ومختلفة سوف تتأسس من خلال قواعد دستورية وتشريعية جديدة سوف يصنعها الشعب من خلال الانتخابات الحقيقية. ولعل هذا يفسر الفرحة العارمة التي شهدها الشارع المصري علي اثر تولي المجلس الاعلي للقوات المسلحة ادارة شئون البلاد والترحيب الحار بذلك.. فقد ادرك الشعب ان قواته المسلحة قد انحازت بالفعل اليه.. فقبل ان يصدر المجلس الاعلي بيانه الثاني الذي اعلن فيه انه يضمن تحقيق مطالب ثورة 52 يناير فان القوات المسلحة وفرت للمتظاهرين والمعتصمين الامن والحماية، بل والرعاية ايضا.. وقد عكست المشاهد التي رأيناها للقبلات المتبادلة بين المتظاهرين والجنود والضباط ثقة واطمئنانا شعبيا في الجيش.. ونفس الامر ينطبق علي الشعار الذي ردده المتظاهرون في ميدان التحرير وشتي انحاء البلاد والذي يقول »الجيش والشعب يد واحدة«. وفي المقابل.. فإن ا لقوات المسلحة تعي انها لم تقم بانقلاب حذر منه قبل ايام قليلة مضت نائب الرئيس السابق واكثر من وزير في الحكومة السابقة وخشي منه كثيرون.. وبالتالي فهي تدرك انها لم تنل سلطة يتعين عليها ان تحافظ عليها وتشد عليها بالنواجذ.. انما هي تقوم بمهمة خطيرة وشديدة الاهمية لم يكن احد غيرها قادرا علي القيام بها في ظل اصرار شعبي علي رفض استمرار الرئيس مبارك في موقعه لبضعة أشهر ولو بشكل رمزي فقط، وهو الرفض الذي طال مؤخرا نائبه بعد تأخر طال لنحو ثلاثين عاما. لقد صارت القوات المسلحة في ظل تطورات الاوضاع خلال الايام التي سبقت تنحي الرئيس مبارك هي الملاذ الوحيد لانقاذ البلاد من فوضي عارمة كانت تهددها واضطراب شامل كان ينتظرها اذا لم تقم بادارة شئون البلاد خلال الفترة الانتقالية ما بين شرعية تبددت إلي شرعية جديدة بديلة. فالثورة التي فجرها الشباب وانخرط فيها عموم الشعب بشتي فئاته وطبقاته لم تكن تحظي بقيادة موحدة قادرة وجاهزة علي استلام السلطة بعد تنحي الرئيس مبارك.. والقوي السياسية المختلفة المنظمة لم تكن تحظي باعتراف الشعب بانها تمثله.. حتي جماعة الاخوان التي شاركت بفاعلية في المظاهرات والاعتصامات بعد يوم 82 يناير لم تكن هي الاخري تحظي بتأييد مجموعات الشباب الذين فجروا الثورة.. باختصار عندما ترك مبارك السلطة لم يكن هناك من هو جاهز وفوق ذلك مقبول شعبيا لاستلام هذه السلطة سوي القوات المسلحة وحدها.. وهكذا.. فان تسلم المجلس الاعلي للقوات المسلحة السلطة ليس مطلقا وانما مشروطا من قبل الناس الذين رحبوا بتسلمه هذه السلطة.. مشروطا باعداد البلاد للانتقال إلي حكم مدني ديمقراطي يتم فيه تداول السلطة والبيان الثاني للمجلس يؤكد انه يدرك بل ويقبل هذا الشرط.. ولذلك لا مجال هنا لاية مخاوف قد تكون قد راودت البعض من امكانية ان تشهد البلاد حقبة جديدة من حكم العسكر، وذلك استدعاء لتداعيات الأحداث التي شهدتها البلاد منذ قيام ثورة يوليو وتحديدا ابتداء من مارس 4591. القوات المسلحة التي تسلمت السلطة الان بلا انقلاب وانما بارادة شعبية سوف تمضي في الطريق الذي تعهدت به وهو اعداد مصر لكي تكون دولة مدنية ديمقراطية عصرية انها تحرس الان السلطة مثلما حرست من قبل المتظاهرين والمحتجين. هذه القصيدة اختص بها مؤلفها جريدة »الأخبار«