دائما ما تخرج من رحم الثورات حركات نهضة جديدة.. نهضة حقيقية، وليس فقط نهضة علي صفحات صحف الحكومة. وإذا كان محمد علي باشا هو صاحب نهضة حقيقية منذ قرنين من الزمان بالضبط.. وكانت حركة الخديو إسماعيل مواصلة لحركة جده للنهوض بمصر.. فإن مصر شهدت بداية نهضة كبري خرجت من رحم ثورة 91.. كانت ثورة 91 سياسية في المقام الأول فقد كانت مصر تحلم بطرد قوات الاحتلال.. وكانت تحلم بحكم دستوري حقيقي يكمل مسيرة مجلس شوري النواب الذي أقامه الخديو إسماعيل في أكتوبر 6681.. فصدر دستور 32 يوم 91 ابريل ثم تم تشكيل أول حكومة دستورية نتيجة لهذه الثورة برئاسة سعد زغلول زعيم الوفد المصري.. وكانت أول قرارات هذه الحكومة اطلاق سراح السجناء الذين حسبتهم قوات الاحتلال واعلنت عغوا عاما عن الثوار.. وألغت الأحكام العرفية التي هي قوام حكم الطوارئ. وانطلقت تضع أساس النهضة السياسية للبلاد. وهنا تزامت مع الثورة السياسية ثورة أخري اقتصادية.. فقد انطلق طلعت حرب باشا بمشروعه الاقتصادي الكبير ليضع قواعد نهضة اقتصادية رائدة تواصل ما بدأه محمد علي باشا بمشروعه التنموي الكبير.. فشهد مساء يوم الجمعة 7 مايو 0291 والثورة مشتعلة خطبة طلعت حرب في حفل تأسيس بنك مصر بدار الأوبرا السلطانية وتم وضع الحجر الأساسي لمبني البنك يوم السبت 9 مايو 5291.. ثم توالت عمليات إنشاء المصانع والشركات، وكلها تقوم علي محصول واحد هو القطن: أي مصانع وشركات للغزل والنسيج وحليج الأقطان.. ومعاصر وإنتاج الزيوت في الدلتا. وشركات للنقل النهري والنقل البحري وبيع المصنوعات المصرية ومصر للطيران.. ومصر للتمثيل والسينما ومصر للتأمين وهكذا أقام الرجل حتي وفاته عام 4491 أكثر من 83 شركة ومصنعا في أهم مناطق مصر.. وكانت مصانع وشركات طلعت حرب تمثل الجانب الاقتصادي لثورة 91 السياسية. والآن.. مطلوب أن تتحرك العقول الواعية بأهمية إعادة بناء نهضة جديدة.. تتحرك لوضع خريطة جديدة وشاملة لمصر.. ولقد شدتني كثيرا كلمات الدكتور والعالم الكبير الدكتور صبري الشبراوي في برنامج مصر النهاردة مع الإعلامي الهاديء الرزين خيري رمضان.. فقد قدم الرجل الذي يجب أن تستمع إليه مصر جيدا روشتة لعلاج أوجاع الوطن ووضع هذا العالم الكبير أصابعه في عين النظام عندما قال إنه كان يدار في الظلام.. وكيف انه كان يأتي بالرجل الأسوأ ليتولي المسئولية في كل موقع، علي غرار اعتراف الجاسوس السوفيتي الشهير.. وقال الرجل إن الاختيار السييء للقادة.. هو الفساد بعينه.. وعلينا أن نسخر مع الدكتور صبري من الذين كانوا يتجولون خارج مصر بدعوي تشجيع الاستثمارات الأجنبية وأعلنها صراحة ان مصر ليست فقيرة. بدليل وجود 059 مليار جنيه يضعها المصريون في البنوك.. بينما الأفضل أن نحسن استخدامها في احداث تلك النهضة المطلوبة. حقا إن مصر دولة غنية.. ولكن إدارتها فقيرة.. وأقول كما يقول كل المصريين إن اللافت للنظر، انه رغم كل تلك الأموال التي نهبت من مصر.. فإن مصر مازال فيها الكثير وعلينا أن نبدأ نهضة شاملة.. نبدأها بالتعليم وتشجيع الاستثمار فيه وبالذات في البحث العلمي. ولمن لا يعلم فإن محمد علي باشا بدأ بناء نهضة مصر بتطوير التعليم وارسال البعثات إلي انجلتراوفرنسا وإيطاليا وبروسيا أي المانيا وعلي اكتاف هذه البعثات عندما عادت بدأ محمد علي نهضته الرائعة. ومن اللافت للنظر ان أهم الثورات الاصلاحية في تاريخ مصر بدأت مع بدايات كل قرن.. فنهضة محمد علي بدأت عام 1181 أي منذ قرنين بالتمام والكمال، بعد أن استقر في الحكم وتخلص من الذين كانوا ينازعونه السلطة والسلطان.. فحفر الترع وانشأ القناطر وبني مئات المصانع في بحري و الصعيد وادخل الكثير من المحاصيل الزراعية الجديدة وشق الطرق وبني الأساطيل حتي ان اليابان اعجبت بهذه النهضة فأرسلت بعثة من مفكريها لدراستها علي أرض الواقع.. فجاء علماء اليابان إلي مصر ليدرسوا هذه النهضة العظيمة. ليكرروها في بلادهم! وبعد مائة عام بالضبط.. بدأت مصر نهضة عمرانية أخري في عهد الخديو عباس حلمي الثاني فأقيمت في عهده كل الكباري العصرية علي نيل القاهرة »عباس وأبوالعلا والزمالك والجلاء والملك الصالح وبنها وإمبابة وغيرها«. وأقيمت دار الكتب، بعد تطويرها، وتم إنشاء المتحف المصري في ميدان التحرير ومتحف الآثار الإسلامية في باب الخلق وتم إنشاء خزان أسوان وتوسعت مشروعات السكك الحديدية وهكذا.. وفي عهده أيضا ظهرت الأحزاب الجديدة.. والصحافة الوطنية المصرية وإنشاء الجامعة المصرية وعرفنا اسماء مثل أحمد لطفي السيد وكبار المثقفين وتوفيق الحكيم وقبله محرر المرأة.. ثم اندلعت ثورة الشعب الأولي عام 9191 وهكذا. من هنا ننادي بانطلاق نهضة جديدة مع حكم جديد يعتمد علي عقول هؤلاء الشباب شباب ميدان التحرير الذين بهروا العالم.. واثبتوا أن شعب مصر لا يموت.. وليس غريبا ان نجد من يطالب بتعديل سن الترشح للبرلمان ليصبح 12 عاما بدلا من 03 لنعطي لهؤلاء الشباب الفرصة الحقيقية ليشاركوا في صنع النهضة الجديدة.. ونضيف قائلين إن معظم قادة الثورة الفرنسية كانوا من الشباب حتي ان نابليون بونابرت ظهرت عبقريته وعمره دون الثلاثين عاما وتولي السلطة كلها وهو في بدايات الثلاثين.. ليصبح البطل القومي لفرنسا الثورة.. بانتصاراته العسكرية.. وهو أيضا بطل القانون العظيم الذي مازالت فرنسا تعمل به حتي الآن رغم مرور قرن كامل من الزمان علي صدوره. نحن نحلم بنهضة كبيرة تستحقها مصر عن جدارة.. واذا كانت أوروبا قد اجهضت نهضة محمد علي ونهضة الخديو إسماعيل.. بل وعزلت رجل النهضة الثالثة الخديو عباس حلمي الثاني.. فإن مصر الآن تستطيع أن تحمي نهضة جديدة يقودها شباب ميدان الثوار.. التحرير سابقا!