مع دقات الساعة الثامنة صباحا، كانت الحكومة الجديدة تحلف اليمين الدستورية أمام الرئيس عبد الفتاح السيسي، ومعها تشبث المصريون بأمل جديد في أن تكون هذه الحكومة أفضل حالا من سابقتها في الاهتمام بالخدمات.. «الأخبار» تجولت في الشارع، واكتشفت أن المواطن لم يعد مشغولا بالأسماء التي ستتولي المهمة، قدر انشغاله بما ستضيفه هذه الأسماء إلي حال الخدمات التي تقدمها الحكومة له، وهو ما دفع أحدهم إلي السؤال عن اسم رئيس الحكومة الجديد واسم سلفه، ثم شرع يقول ببساطة المصريين المعهودة: « شالوا محلب حطوا شريف.. المهم هو الرغيف».. وعبر آخرون عن نفس المعني بالحديث عن خدمات أخري تمنوا أن تتحسن مع الحكومة الجديدة بغض النظر عن أسماء وزرائها، فتحدث بعضهم عن خدمة التعليم، وتحدث آخرون عن زيادة الحصص التموينية لمواجهة جشع التجار، وكان اللافت أن المطالب الأمنية لم تذكر تقريبا، بما يعكس وجود تعاظم في الشعور بالأمن، جعل هذا المطلب يتراجع، مقارنة بالحال في حكومات سابقة.. الأسماء لا تهم علق المواطنون نجاح الحكومة في تحقيق الفارق الملموس في مستوي هذه الخدمات علي تحلي وزرائها بالهمة في أداء أعمالهم، وعبر أحدهم عن ذلك بقوله: « نتمني أن يفهموا رسالة الرئيس بأن يكون حلف اليمين في الثامنة صباحا»..علي أحد المقاهي في منطقة وسط القاهرة، جلس بعض المواطنين يتابعون التعليقات التي يبديها ضيوف بعض البرامج التليفزيونية علي الحكومة الجديدة وأسماء وزرائها.. أحدهم ويدعي محمد حامد موظف بإحدي المصالح الحكومية، لم يكن سعيدا بما يقوله ضيف أحد البرامج التليفزيونية، والذي كان ينتقد خطوة إعادة هشام زعزوع إلي وزارة السياحة بعد مرور فترة بسيطة جدا علي خروجه منها.. وقال حامد مشوحا بيده: « لا يهمنا الأسماء، ما يهمنا هو الأداء، ولو الوزير ده كان كويس وشيله من الوزارة كان غلطة، إيه المانع اننا نصلح الغلطة ونرجعه».. اهتمام حامد وأقرانه بمتابعة تفاصيل التعديل الوزاري، ربما كان حالة شاذة بين المقاهي التي ترددنا عليها خلال جولتنا، والتي كان بعضها يدير القنوات الإخبارية لمناقشة التعديل الوزاري، فيما كان البعض الآخر يدير قنوات تعرض أفلاما قديمة.. القاسم المشترك بين النوعين، أن كليهما لم يكن مهتما بمتابعة تفاصيل التعديل الوزاري، فحتي المقاهي التي كانت تلفازها يعرض برامج تتابعه، أدار روادها ظهورهم للتلفاز..أحمد محمد ويعمل مدرسا لمادة الفلسفة بإحدي المدارس الثانوية، كان مشغولا بالحوار مع صديقه المهندس أحمد عبد البديع، بينما كان تلفاز المقهي يعرض أحد البرامج التي تتابع تشكيل الحكومة.. محمد كان يتحدث مع زميله عما آلت إليه أحوال المدرسة الحكومية التي يعمل بها بسبب غياب الرقابة عليها، فلم ينتظر أن نكمل سؤالنا له عما يطلبه من الحكومة الجديدة، فقال بلا تردد: « ما كنت أتحدث عنه مع زميلي، وهو عودة الرقابة إلي المدارس الحكومية».. وتمسك محمد، بالأمل في أن يحدث التغيير، رغم عدم اهتمامه بمعرفه الأسماء والتفاصيل، وأضاف: « هنعمل ايه، ليس أمامنا إلا الأمل، فبدونه لن نستطيع أن نكمل مشوار الحياة». السرعة في الإنجاز ما يطلبه محمد من الحكومة الجديدة جاء انعكاسا لهمه الشخصي كمدرس بإحدي المدارس الحكومية، وظهر نفس الأسلوب في حديث صديقه المهندس أحمد عبد البديع، والذي طالب الحكومة بسرعة الإنجاز.. عبد البديع يعمل في مهنة المقاولات، وما يحزنه عند تعامله مع المصالح الحكومية أن أداء الحكومة بطيء للغاية، وقال بحدة: «المصلحة اللي ممكن تنجز في عشرة أيام، يتم إنجازها في ستة أشهر بسبب الروتين».. وتساءل عبد البديع عن السبب في عدم تحلي الوزراء بروح مشروع قناة السويس الجديدة، وقال وقد خفت حدة كلامه وارتسمت ابتسامة علي وجهه: « نفسي الوزراء يفهموا المغزي من استدعاء الرئيس لهم في الثامنة صباحا لحلف اليمين، ونفسي حد يجاوبني لماذا لا يكون كل أعمال الحكومة بنفس سرعة مشروع قناة السويس الجديدة «.. وبالرغم من أن عبد البديع هو من طرح السؤال، إلا أنه لم يملك الإجابة عليه، مكتفيا بالقول وهو يضرب كفا بكف: « مش عارف الخلل فين، بس اللي أنا أعرفه كويس أن محلب كان شغال كويس، بس النظام الغلط اللي كان بيعمل فيه هو سبب المشكلة». الفساد ثم الفساد مسافة تقدر بما يقرب من الكيلو والنصف كانت تفصل بين المقهي الذي يجلس عليه عبد البديع، ومقاول آخر يدعي محمد عبد الرازق.. عبد الرازق أجاب علي سؤال زميله، وكأنه كان يسمع حوارنا معه، حيث تحدث هو الآخر عن بطء الأداء في المصالح الحكومية، وقال إن إصلاح الخلل يبدأ بالقضاء علي الفساد.. والفساد، الذي يقصده عبد الرازق هو تعمد قيادات وموظفي المصالح الحكومية التلكؤ في إنجاز التوقيعات، رغبة في الحصول علي الأموال.. وأضاف بحدة وهو يشير إلي المصلحة الحكومية التي يتعامل معها: « المصلحة دي من كبيرها إلي صغيرها فاسد، وأي وزير مش هيقدر يعمل حاجة».. وتابع محاولا البحث عن علاج للمشكلة: « التغيير يبدأ من القاعدة، أي من الموظفين الصغار، ويكون ذلك عن طريق الرقابة وتغليظ العقوبة، فمهما نغير وزراء دون متابعة لمن يعمل في المستوي الإداري الأقل، لن يشعر المواطن بأي تغيير». فاتورة الكهرباء حماسة عبد الرازق في الحديث، لفتت انتباه حسين محمد عطا الذي كان يمر بجوار المقهي، فتدخل في الحوار، انطلاقا هو الآخر من تجربة شخصية يعاني منها، وهو السعر المرتفع لفاتورة الكهرباء.. عطا يقيم في حارة من حواري وسط القاهرة في غرفة بإحدي العمارات، ويتقاضي معاشا يقدر ب 500 جنيه، وفوجئ أن عليه أن يدفع منهم 189 جنيها قيمة فاتورة الكهرباء في أحد الشهور.. ما يحزن عطا، الذي كان يعمل سائقا قبل تقاعده منذ سنوات، أن الرقم المطبوع علي الفاتورة «44 جنيها»، لكنه وجد أن هذه القيمة تم شطبها، واستبدالها برقم 189 جنيها. واستند عطا إلي العصا التي كان يتكئ عليها، وأخرج من حافظة أوراقه بصعوبة فاتورة الكهرباء التي وصلته وتبين هذا الخلل، وقال وقد علت نبرة صوته وهو يشير إليها: « الفرق بين الرقم اللي في الفاتورة والرقم المكتوب بخط اليد هيروح لمين». ودلل عطا بهذه التجربة الشخصية علي ما قاله عبد الرازق من أن مقاومة الفساد تأتي في مقدمة مطالبهم من الحكومة الجديدة، مضيفا: « مش ده برضوا فساد، الفلوس دي هتروح لمين». يسيبونا نعيش لم يشغلنا عن التجاوب مع سؤال عطا سوي صورة السيدة التي كانت تحمل ما يقرب من ستة أقفاص من الفاكهة فوق رأسها، ونجحت رغم العدد الكبير في الحفاظ علي الإتزان. وتدعي هند سمير من القليوبية كانت تمر بجوار المقهي والابتسامة تملأ وجهها، ولكن ما إن سألناها عن الحكومة الجديدة، وما تطلبه منها، تغيرت انطباعاتها، وبوجه عابس قالت: « يسيبونا بس نعيش».. ووضعت يدها علي وجهها خشية أن تلتقطها عدسة زميلي المصور، وأضافت:» عايزين حل لمشكلتنا.. احنا ناس أرزقية، بنعيش اليوم بيومه من البيع في الشارع، والبلدية بتحاربنا، عشان احنا بنعمل إشغالات، طب احنا نعيش إزاي، نسرق يعني». مدرس وبائع سميط مشكلة هند مع رجال البلدية لا يشتكي منها بائع السميط سمير يواقيم، لكونه يعتمد في عمله علي التحرك من مكان لآخر. لكن ما يتمناه يواقيم أن يكون راتبه من الحكومة كافيا، بحيث لا يضطر إلي العمل بعد الظهر في هذه المهنة. ويعمل يواقيم الحاصل علي دبلوم التجارة سكرتيرا لمدرسة، لكنه يضطر للعمل في فترة بعد الظهر بائعا للسميط لتحسين دخله. ويقول يواقيم، بينما كان يجهز القفص الذي يستخدمه في بيع السميط: « مرتبي بعد 25 سنة من العمل بالتربية والتعليم، لا يتعدي ال1200 جنيه، فهل هذا المبلغ يمكن أن يكفيني ويكفي أسرتي».؟.. الإجابة علي سؤال يواقيم جاءت من بائع اللبن محمود أحمد علي، والذي كان يمر بعجلته، واضعا فوقها الأواني التي يستخدمها في بيع اللبن.. محمود توقف بعجلته في الشارع الذي يجلس فيه يواقيم، وتدخل في الحوار قائلا: « 1200 جنيه إيه اللي يكفوا، كفاية بس مصاريف التعليم». ويقيم محمود في إحدي قري محافظة القليوبية، وخلافا لما هو شائع عن أن الانفاق علي التعليم في القري أقل بكثير من المدن، قال بلهجة ساخرة: « في فرق بس مش كبير قوي، الفرق الكبير كان زمان، لأن الدروس الخصوصية ضيعت كل حاجة».. وبمزيد من التفصيل، أضاف: « المدرسين بقوا نايمين في الخط، عشان يجبرونا علي الدروس، أنا مثلا ابني في أولي ابتدائي وبياخد دروس». التعليم والأسعار معاناة المواطن المصري مع التعليم لا تقتصر فقط علي المدارس الحكومية التي يتعامل معها محمود، لكنها موجودة أيضا في المدارس الخاصة، كما تقول فاطمة رمزي «ربة منزل». فاطمة كانت تسير مع نجليها وقد انتهت لتوها من انهاء بعض الأوراق الخاصة بإلحاق أحدهما بإحدي المدارس الخاصة، وقالت: « سأدفع للطفل الواحد 6 آلاف جنيه، وراتب زوجي كما هو، طب هنجيب منين».. وتعاني دعاء رشاد «ربة منزل» من هذه المشكلة بصورة أكثر ضراوة، بسبب مشاكل يعاني منها زوجها في العمل.. وقالت دعاء التي كانت تسير هي الأخري مع نجليها: « الشركة التي كان يعمل بها زوجي استغنت عنه، وفي هذه الظروف الصعبة أواجه مشكلة ارتفاع الأسعار، وزيادة مصروفات المدارس الخاصة».. وتابعت:» لا يعنينا اسم رئيس الحكومة ولا اسم الوزراء المهم يهتموا بالتعليم ويحاولون ضبط الأسعار». تطوير المحليات ولن يتحقق التغيير الذي ينشده المواطنون في رأي محمد دسوقي «تاجر أدوات منزلية» إلا بالاهتمام بالقاعدة الكبيرة من الموظفين.. وقال دسوقي بحماسة شديدة: « نفسنا الوزراء يهتموا بالقاعدة التي تعمل تحتهم، وأقصد بها رؤساء الأحياء والمحليات، لأن لو حدث تغيير في أدائهم، سيشعر المواطن بالتغيير».. وبينما كان دسوقي يتحدث معنا، توقف محمد سيد علي أمام المتجر منتظرا انتهاءنا من الحديث معه، طالبا هو الآخر الإجابة علي نفس السؤال.. وقال محمد الذي يعمل خادم مسجد: « معاشي 500 جنيه، مش هقولك يزيدوا، أنا راضي بالمبلغ ده، بس نفسي الحكومة تبص شوية علي الغلابة، يعني نلاقي علاج، ونلاقي أكل بسعر كويس». رغيف العيش علي الرصيف المجاور لمتجر دسوقي، لاحظنا سيدة تجلس علي الرصيف وقد اسندت خدها إلي كف يدها. . ولم تبد هذه السيدة وتدعي أم صابر اهتماما باسم رئيس الحكومة واسم الوزراء، بل لم تكن علي دراية بأن هناك تعديلا وزاريا، وسألتني عن اسم رئيس الحكومة الجديد، وسلفة، ثم قالت بتلقائية شديدة ملخصة ما قاله سابقيها:»شالوا محلب حطوا شريف..المهم هو الرغيف».