هل كان هناك اتفاق بين كل القيادات الأمنية في المحافظات علي الغياب المتعمد لرجال الشرطة بدءا من رجال المرور حتي رجال البحث الجنائي، لو كان الأمر كذلك فإنه يرقي إلي مستوي الخيانة العظمي ويتطلب حسابا عاجلا لأن فيه شبهة اتفاق جنائي من شأنه ان يعرض مفاصل الدولة وأمنها القومي للانهيار، عند هذه النقطة يجب ان ننبه ان الشعب المصري أظهر درجة عالية من اليقظة والسلوك المتحضر وأفرز خلال ساعات قياداته الميدانية استطاعت تنظيم المرور والسيطرة علي الأمن وإن كان نسبيا، إلا انه كان رائعا.. لذلك كانت مطالبة الرئيس مبارك بالتحقيق مع المتسببين في الانفلات الأمني ومرتكبي السلب والنهب وترويع الآمنين.. يجب التذكير بأن قيادات الأمن الرئيسية كانت تحصل علي مكافآت مالية خيالية، ويجب علينا ان نطبق عليها صحيح القانون لأنها خاصمت القانون بل تعمدت تدمير وإهلاك بنية المجتمع.. اننا وإن كنا نبعثر اتهامات الخيانة علي كل رجال الأمن من الجندي الفرد والضابط الصغير، وقد فقد الرأس المهيمن والمركز الموجه يجب ان يكون حسابنا سريعا وقاصما لأن كل هؤلاء القيادات قد أثقلوا علي شعبنا بالقوانين الاستثنائية وقرارات الاعتقال، ثم حينما جد الجد إذا بهم يتخلون عن واجبهم الوطني بل الأخطر من هذا انهم ضربوا اسفينا بين أبناء الشعب وبين جهاز الأمن وأحدثوا جروحا عميقة لن تندمل لا بمحاكمات علنية تقطع فيها رقاب من حاولوا دفع بلادنا إلي الفتنة، فالشعوب تعرف النعرات والهبات الشعبية لكنها تعرف أيضا انه لا يجب التسامح مع من يعرضون الأمن القومي للخطر. ربما يكون للصوص ومعتادي الإجرام أسبابهم الاجتماعية أو الاقتصادية التي تدفعهم للانحراف ولخرق القوانين، وإن كنا لا نتفق مع هذه السلوكيات، ولكن بالله عليكم ما هو عذر القيادات الأمنية لكي تصدر توجيهاتها إلي جميع مستوياتها التابعة بالانسحاب المفاجئ من الشارع والتعطيل المتعمد للإجراءات الأمنية.. ألم يكن الهدف من هذا هو تشجيع الخارجين علي القانون لكي يعيثوا في البلاد فسادا حتي تعم فوضي تأكل البلاد والعباد. أليس ذلك هو الثورة المضادة؟ حينما يكون الشعب غاضبا فإن علي صاحب المسئولية ان ينصت باهتمام وأن يستوعب غضب الشعب وأن يصحح مساره فهو مسئول عن أرواح وأموال الناس ولكن حينما يصم أذنيه ويشل مفاصله وأعضاءه عن عمد لمجرد انه استبعد من تشكيلة حكومية فإن ذلك يقترب من الخيانة العظمي! إن الانهيار المفاجئ والمتعمد للقوي الأمنية الذي كان مخططا له قد أدي إلي إطلاق كل شرور المجرمين المودعين في السجون كي يستخفوا بالحراسة الأمنية التي كان عليها أن تواجه آلاف المجرمين دون مدد أمني ليسقط أمام عنفها كل ضابط شريف تمسك بحماية المجتمع المصري من شرور الإجرام الكامنة في السجون والتي لم تتردد في قتل عدد منهم، كان من بينهم الشهيد اللواء البطران مدير مباحث سجن الفيوم، وكما حدث في سجن وادي النطرون والعميد محمد نصار الذي استشهد دفاعا عن أموال الشعب في دمنهور وأسلموا أرواحهم وهم يدافعون عن المجتمع في مواجهة عنف الخارجين علي القانون، أمام عدم استجابة قوي الأمن أو قيادات الداخلية لامدادهم بالمدد اللازم، ذلك يجعل دماء هؤلاء الشهداء في رقبة هذه القيادات التي تعمدت التقاعس عن حفظ الأمن أو التي خططت لانهياره!! ولأن كل امتحان وطني لا يخلو من فوائد فإن بعضا من الفوائد التي خرجنا بها هو ان شعبنا المصري علي درجة عالية من التحضر يتضح ذلك في درجة الوعي التي تم بها تنظيم المرور حينما انهار جهاز الشرطة وتم سحب أفراده من الشارع فتطوع شباب لا يحملون دفاتر مخالفات ولا عصا كهربائية لتنظيم المرور وقد نجحوا في ذلك بامتياز، كان يكفي أن يرفع أحدهم يده حتي يستجيب قادة السيارات عن رضا وليس عن خوف، ذلك درس أمني وحضاري لنا جميعا، فالناس لاتستغني حركتهم عن التنظيم حباً في الوطن وليس خوفا من قوانين العقوبات ولا من دفاتر المخالفات. علينا ان نخرج من هذه الأحداث وقد امتلكنا إرادتنا ونضجنا كي ندير مجتمعنا بأبسط القوانين وأقل ما يمكن من رجال الشرطة. ان ما قامت به الجماهير من تشكيل لجان شعبية لحماية أملاكها يثبت بالدليل القاطع اننا شعب متحضر وأننا قادرون علي تنظيم مجتمعنا، لو اننا اشركنا في الأمر عن قناعة وعدالة وتكافؤ في الفرص، عندها يصبح الشعب رديفا لرجال الشرطة لننهي الخصومة التاريخية التي صنعتها بعض قيادات الأمن التي مارست عملها باستعلاء شديد واستبعاد صريح لجهود المواطنين، فهي عندما كانت تلجأ للاستعانة بجهود المجتمع المدني كانت تنظر إليهم علي انهم من المرشدين أو المخبرين وليسوا أصحاب وطن أمناء علي أمنه أو حراس علي ثروته. علينا ألا ننسي ان نطاق استعراض القوة التي مارستها بعض القيادات الأمنية والتي تمثلت في حشد سيارات لمكافحة الشغب بخوذاتهم المرعبة وسياراتهم المقبضة لكي تحيط ببضع عشرات من المتظاهرين علي سلم لنقابة أو زاوية في شارع من الاستخدام المفرط للعصي الكهربائية أو الركل المتعمد لأبناء الوطن، علينا ألا ننسي أن هذه المظاهر قد تبخرت تماما حينما اندفعت الجماهير غاضبة في الشوارع. علينا أن نحاسب من ضم المجرمين إلي قوات الأمن ومنحهم المكافآت لكي يعتدوا علي المظاهرات السلمية التي اندلعت هنا أو هناك طوال الفترة الفائتة، علينا ألا ننسي أيضا أن هؤلاء المجرمين هم من استخدمتهم أجهزة الأمن وأمدتهم بالسيوف والسنج لكي يرهبوا الناخبين ويمنعونهم من التعبير عن رأيهم لكي يدفعوا بالأحداث دفعا إلي المواجهة التي أفرزتها الأيام الماضية، وليس لنا أبداأن نلوم الشعب إذا غضب، بل علينا أن نحاسب كل من استفز هذا الشعب أو تعمد الاعتداء علي حرياته أو حبس صوته في التعبير عن رأيه، لقد استخدمت قيادات الشرطة البلطجية وتعمدت خرق القانون حينما كان الأمر يتعلق بالتعامل مع حق الناس الطبيعي في التعبير عن رأيهم بشكل مسالم وها هو الحصاد عنيفا غاضبا ثائرا ضد القيادات الأمنية التي كانت تتعالي علي الشعب فإذا بها تفر من واجبها الوطني فرارا لا يصح السكوت عليه.. المتظاهرون اقتحموا كل مراكز القهر من مقرات ومراكز الشرطة التي كانت تضج مما بها من ظلم وتجبر ورشوة واستعلاء.