لاتزال يد الدولة ممدودة إلي القوي السياسية من أجل الاستماع إليها والتحاور معها حول كل القضايا والمطالب المطروحة علي الساحة في هذه الأيام، والتي تبلور معظمها في صيحات وهتافات تظاهرات يوم 25يناير وحتي الآن. الرئيس حسني مبارك قال في خطابه مساء أمس الأول إنه كلّف نائب رئيس الجمهورية عمر سليمان بإجراء اتصالات مع كل القوي السياسية والتحاور معها لكنها رفضت وبررت رفضها بأنها سبق أن تقدمت بمطالب محددة وعلي الدولة تنفيذها أولاً. بعض القوي السياسية كانت تشكو من أن الحزب الحاكم وحكومته ينفردان بالسياسات وإصدار القرارات والقوانين دون اعتبار لآراء أحزاب المعارضة الشرعية، وهو ما يوصف ب»ديكتاتورية الأغلبية« التي لا مكان لها في أي نظام ديمقراطي متعارف عليه. انقلب الوضع اليوم. رئيس الجمهورية يوجّه الدعوة إلي القوي السياسية المصرية والتحاور معها في كل ما يصب في مصلحة الوطن والشعب العليا، فنفاجأ برموز تلك القوي يرفضون دعوة رئيس الجمهورية التي أكد الرئيس أنها لاتزال قائمة. ولم يكن من المعقول أن تتجاهل الدولة مطالب ونداءات وهتافات شباب مصر التي وصفها الرئيس مبارك بأنها شرعية ومقبولة انتظاراً لإعادة القوي السياسية النظر في رفضها التحاور معها، وإنما قررت الدولة بلسان رئيس الجمهورية أن تلبي كل ما خرج شباب مصر من أجل المطالبة به في 25يناير قبل أن تندس بينهم قوي سياسية اعترف رموزها في البداية بأن لا علاقة لأحزابهم وتنظيماتهم، من بعيد أو قريب بمسيرات الشباب المصري التلقائية، وإن سارع البعض بتبنيها والإضافة إليها بما لم نسمعه من شبابنا في بداية التظاهرات. لم يحدث خلال السنوات العديدة الماضية أن سمعنا الرئيس حسني مبارك سيترشح لفترة رئاسية تالية. حقيقة أن قيادات في الحزب الوطني أجابوا عن تساؤلات الإعلاميين حول مرشح الحزب المنتظر للانتخابات الرئاسية في سبتمبر عام 2011 فقال البعض إن هناك الكثير من المرشحين سيتم اختيار أحدهم والإعلان عنه في أبريل القادم، وربما حدد أحد القيادات اسم الرئيس مبارك كمرشح الحزب لكن حقيقة أيضاً أن الرئيس مبارك شخصياً لم يشر من قريب أو بعيد إلي ما يقال عن ترشيحه لفترة رئاسية تالية. بالأمس فقط، وفي كلمته الرائعة.. كشف الرئيس مبارك لأول مرة عن قراره الشخصي، علي عكس ما كانت الملايين تنتظره وتتوقعه. فاجأها مبارك بإعلان عدم ترشحه لفترة رئاسية جديدة، ولم يكتف بذلك وإنما وعد شعبنا بالبقاء معه خلال الشهور القادمة حتي يطمئن المواطنون علي إجراءات الانتقال السلمي للسلطة من جهة ولمتابعته الشخصية من جهة أخري لخطوات التنفيذ للعديد من القرارات بالغة الأهمية التي أصدرها تباعاً خلال الأيام والساعات الأخيرة. كلها قرارات تحقق ما سمعناه بأصوات شباب مصر اقتصادية كانت أم سياسية. الأولي يتباري الوزراء الجدد في الإعلان عن بدء تنفيذها، في حين تتولي المجالس التشريعية والمحلية دراسة القرارات السياسية الثانية بعد أن أسعدنا الرئيس بتكليف البرلمان بالالتزام بأحكام القضاء في الطعون علي نتائج الانتخابات الأخيرة التي أساءت كثيراً إلي بلادنا إساءة بالغة في عيون الدنيا كلها. قبول تلك الأحكام يعني كما نتوقع وننتظر حل المجلس المطعون في شرعيته وصلاحيته والدعوة إلي إجراء انتخابات جديدة تتم في شفافية وتأتي بنواب يمثلون كل القوي السياسية والحزبية والمستقلين الذين تم إبعادهم والعمل علي إسقاطهم في الانتخابات الأخيرة. انتظار المجلس الجديد ليس آخر الإصلاحات التي أعلن الرئيس التزامه بتنفيذها خلال الشهور المعدودة القادمة. فقد أمر الرئيس بإحداث تعديلات دستورية أهمها مناقشة المادتين 76و77 التي ينتظر منهما توسيع الدائرة لاستقبال العديد من مرشحي الانتخابات الرئاسية القادمة في سبتمبر من هذا العام بدلاً من قصرها علي مرشح الحزب الواحد. الذين طالبهم الرئيس مبارك في خطابه أمس الأول بتعديل المادتين الدستوريتين، هم أنفسهم المناط بهم تعديل المادة الدستورية التي تسمح بتكرار فترات رئاسة الجمهورية، ويهدف التعديل الذي أمر به الرئيس إلي تحديد فترة أو فترين اثنتين فقط لرئاسة الجمهورية.