لا يزال الجدل محتدماً في الولاياتالمتحدة منذ عامين حول الوسيلة الأنجح للحفاظ علي زعامة أمريكا للعالم في القرن ال21 وهو جدل يدور بين معسكريْن رئيسيين: الأول يدعو إلي تقليص الالتزامات الأمنية - العسكرية الأمريكية - في العالم إلي حد كبير، والتركيز بدلاً من ذلك علي «بناء الأمة» في الداخل مع تطوير الاقتصاد والبني التحتية والتعليم والصحة وسد الفجوة الهائلة التي تزداد اتساعا بين الفقراء والأغنياء في الولاياتالمتحدة. والمعسكر الثاني يطالب بإبقاء الاستراتيجية الراهنة القائمة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية والقائمة علي الحفاظ علي النظام الليبرالي الدولي الراهن بقوة السلاح الأمريكي، ويحذَر هذا المعسكر من أن التخلي عن هذه الإستراتيجية والتقوقع في الداخل سيعنيان نهاية الدولار كعملة احتياط عالمية ومن ثم يؤثر علي الاقتصاد الأمريكي. وقد تناولت افتتاحية صحيفة نيويورك تايمز رؤية البروفيسور ديفيد فاين، الأستاذ المشارك في علم الإنسان بإحدي الجامعات الأمريكية ومؤلف كتاب «أمة عسكرية: كيف تضر القواعد العسكرية الولاياتالمتحدة والعالم»، بشأن إصرار وزارة الدفاع الأمريكية علي الحفاظ علي مجموعة واسعة من قواعدها العسكرية في الخارج، والذي يعد من وجهة نظره إهدارا للمال، وتعريض هذه القواعد لخطر ضربات الإرهابيين، فضلا عن أنه عسكرة للسياسة الخارجية. وقد رأت الصحيفة أنه ليس هناك شك في أن بعض مخاوف «فاين» صحيحة. فإن مخطط نقل العديد من مشاة البحرية في أوكيناوا إلي جوام، جنبا إلي جنب مع بناء مطار رئيسي جديد في أوكيناوا هو الإسراف بعينة (علي الرغم من أن طوكيو سوف تدفع معظم التكاليف). واتفقت الصحيفة أيضا علي أنه بالتأكيد سيكون من الأفضل لو أن لديهم قوات أقل في الشرق الأوسط الكبير (علي الرغم من عدم التدخل في سوريا، والفوضي التي أعقبت ذلك، وتبين أن هناك تكاليف ضخمة في كثير من الأحيان عند تجنب نشر قوات). لكن الصحيفة رفضت تناول فاين للقضية بشكل صارخ جدا لخدمة حجته، ورأت أن هناك حاجة إلي التصحيح. يقول فاين: علي الرغم من إغلاق مئات القواعد في العراق وأفغانستان مؤخرًا، فلا تزال الولاياتالمتحدة تحتفظ بما يقرب من 700 قاعدة عسكرية في أكثر من 70 بلدًا وإقليمًا في الخارج. وعلي النقيض من ذلك، لدي بريطانيا، وفرنسا وروسيا، مجتمعة حوالي 30 قاعدة، ووفقًا لحسابات فاين يتكلف الحفاظ علي القواعد والقوات في الخارج ما بين 85 و100 مليار دولار في السنة المالية 2014. وبلغ مجموع النفقات، عند إضافة التكاليف المتعلقة بالقواعد والجنود الموجودين في مناطق الحرب، ما بين 160 و200 مليار دولار. وقد رفعت هذه التكاليف من الجدل حول ما إذا كانت امريكا تحتاج بالفعل لكل هذه القواعد العسكرية في الخارج؛ ويتساءل فاين عن الأثر الذي تحققه هذه القواعد في جميع أنحاء العالم؟ وهل تجعل حقًا أمريكا أكثر أمنًا؟ وتعلق الصحيفة علي الرقم الذي ذكره فاين بأن هناك نحو 700 قاعدة عسكرية أمريكية في الخارج، بأنها في الواقع أقل من 600 اليوم. حقا أرقامه ليست بعيدة عن الواقع، لكن لمعرفة أهمية ذلك، عرضت الصحيفة علي سبيل المثال سلاح الجو، الذي يملك نحو 15 قاعدة رئيسية في الخارج مع قدرة تشغيلية كبيرة (مدارج رئيسية وبنية تحتية ذات الصلة)- والمشكلة الأكبر هي أنه يخلط القواعد الكبيرة بالصغيرة - وهذا كل شيء. قاعدتان في ألمانيا، ومثلهما في بريطانيا، وواحدة في إيطاليا، وأخري في قطر، وثالثة في الكويت، وواحدة في دولة الإمارات، وثلاثة في اليابان، واثنتان في كوريا الجنوبية، وواحدة في دييجو جارسيا بالمحيط الهندي، وقاعدتان لاتزالان في أفغانستان. ومن المؤكد أن سلاح الجو لديه الكثير من مرافق أصغر، إلا أنها ليست قواعد رئيسية عاملة. ومن المؤكد أن قدرات أمريكا في الخارج كبيرة، وتتعدي تلك ما تملكه أي دولة أخري، ولكنها انخفضت بشكل كبير. فقد أعاد الجيش أكثر من 500 منشأة في ألمانيا وحدها بانتهاء الحرب واستمرت العملية منذ ذلك الحين. وانخفض إجمالي أعداد قواعد الخارج بحوالي الثلث علي مدي العقد الماضي. وكذلك انخفضت أعداد الأفراد العسكريين المتمركزين في الخارج إلي أكثر من نصف مليون خلال سنوات ريجان (وأكثر حتي خلال معظم زمن الحرب الباردة)؛ فقد تم تخفيضها إلي أقل من 200،000 اليوم. وشككت أيضا الصحيفة في التكاليف والنفقات التي عرضها فاين. في النهاية تؤكد الصحيفة علي أن ديفيد فاين يثير الكثير من المسائل الصحيحة والأسئلة الصريحة، ولكنها تري ايضا انه يمزج القضية بشيء من الغلو والتشويه الذي يجعل حجته الشاملة أضعف بكثير مما كان يمكن أن يكون إذا كان أكثر اعتدالا وحذرا.