أحاديث السلمية التي يبثها عدد من أقطاب التنظيم الدولي للإخوان (يوسف ندا وراشد الغنوشي وانضم إليهم مؤخرا محمد بديع) هي أشبه بقنابل الدخان التي يطلقها الإخوان في الوجوه لاخفاء ما يقومون به من عنف فعلا وما يخططون له لزيادة هذا العنف.. أكتب ذلك لينشر هنا في صباح اليوم الذي تصدر فيه محكمة الجنايات برئاسة المستشار شعبان الشامي حكمها الذي طال انتظاره في قضيتي التخابر واقتحام السجون المتهم فيها عدد من قيادات جماعة الإخوان من بينهم المرشد بديع ونائبه الشاطر والرئيس الاسبق مرسي عضو مكتب الارشاد، وثمة توقعات بأن نشهد محاولات عنف أكبر من قبل الإخوان بعد إعلان هذا الحكم، في ظل تهديدات لم تتوقف منذ أن أحالت هيئة المحكمة أوراق عدد من المتهمين في القضيتين الي فضيلة المفتي، وطالت مع هيئة المحكمة كل القضاه، وكل مؤسسات الدولة بل وجموع الشعب كله انتقاما منهم. نعم ان الضربة القاصمة التي تلقتها جماعة الإخوان وتنظيمها الدولي خلفت بالتأكيد آثارا داخلية عنيفة تتجاوز سقوط معظم قيادات الصف الاول وبعض قيادات الصف الثاني والثالث، وتتحدي حالة الهزال والضعف التي يعيشها التنظيم الداخلي السري للجماعة، وتتسع لتشمل خلافات حادة داخلها سواء بين الحرس القديم أو الكوادر الشابه، أو بين قيادات الداخل والقيادات الهاربة في الخارج، أو حتي بين مجموعة القيادات الموجودة في السجون والتي يحمل بعضها خيرت الشاطر ومحمود عزت مسئولية ضياع حكم مصر الذي فقدته الجماعة بعد انتظار طال اكثر من ثمانية عقود، بل وتعرض الجماعة لاخطر أزمة في حياتها، حيث صارت مطاردة من جموع الشعب وليس من أجهزة أمن أو مؤسسات حكومية فقط.. ومن المفهوم ان ترتفع في ظروف الازمة القاسية أصوات بين صفوف الإخوان تطالب بالمراجعة او التراجع والمهادنة والبحث عن حلول أخري غير ممارسة العنف للخلاص من هذه الازمة، خاصة ان الازمة طالت رقاب عدد من قيادات الاخوان، وهددت جماعتهم بالفناء علي عكس أزمة حل الجماعة ومطاردتها أمنيا سواء في الاربعينيات أو خمسينيات أو سبعينيات القرن الماضي. لكن.. تلك الجماعة تكفيرية وتمارس العنف منذ لحظة تأسيسها في عام 1928 علي يد حسن البنا.. طوال الوقت ظلت هذه الجماعة تستعد وتتأهب لممارسة العنف في الأوقات التي اضطرتها الظروف لممارسة العمل العام والعمل السياسي.. وهذا ما كشفته بوضوح في كتابي الجديد (اغتيال مصر.. مؤامرة الامريكان والإخوان) والذي يرصد جريمة العصر التي قام بها الإخوان لانتزاع حكم البلاد، وهي الجريمة التي كان العنف مع الغش والخداع والتدليس هو سلاحها الرئيسي وكذلك التواطؤ مع الامريكان. لذلك.. فان تخلي قيادات الإخوان عن العنف بحق وصدق هو تخل عن المفهوم الرئيسي الذي قامت عليه جماعتهم.. أي تخلي عن كيان هذه الجماعة وتنظيمها السري.. لكن إعلانهم التخلي عن العنف او استعدادهم لذلك مع الاحتفاظ بكيان هذه الجماعة هو استمرار لنهج الغش والخداع والتدليس الذي مارسوه علي مدي عقود عديدة منذ ان وصف البنا كوادر الجهاز الخاص للجماعة الذي أسسه هو بأنهم ليسوا اخوانا وليسوا مسلمين، رغم انه هو الذي طلب منهم القتل والتخريب وأمرهم بذلك، وحتي دعوة المرشد بديع لاعضاء جماعته التمسك بالسلمية، وهو الذي طلب منهم الاستمرار في اعمال التخريب والحرق والقتل بدعوي استمرار الثورة! المعني الوحيد، الذي لا معني آخر غيره لتخلي الاخوان عن العنف هو القبول بالتصفية الكاملة لجماعتهم، لان هذه الجماعة قامت اساسا علي مبدأ التكفير الذي يحض علي العنف.. وهذا أمر لا يتحدث عنه أحد من هؤلاء الذين ينتمون للتنظيم الدولي للإخوان، فان كل ما يهدفون اليه هو انقاذ التنظيم من التصفية الكاملة في ظل هدنة تهيأ لهم مجددا فرصة إعادة ترميمه وحماية أعناق بعض قياداته من حبل المشنقة والبعض الآخر من سجن مدي الحياة. انهم يبحثون فقط عن فرصة لالتقاط الأنفاس لكي يتمكنوا من الانقضاض علي بلدنا مجددا، عندما تتهيأ ظروف مناسبة، خاصة ان الامريكان الذين يدعمونهم لم يتخلوا عما يضمرونه تجاهنا وهو بالتأكيد ليس خيرا.