قال صديقي وهو ألماني الجنسية ويعمل مديرا لإحدي الشركات الألمانية في القاهرة: أريد أن أتحدث إليك بصراحة عن بعض الظواهر السيئة التي لمستها وشاهدتها خلال إقامتي بينكم وعلي أرضكم. وسكت صديقي برهة.. وكأنه يرتب ما في رأسه من أفكار.. ثم قال: إن أهم ظاهرة تؤلمني هي الإهمال الشديد.. فالإهمال عندكم يكاد يكون من الأمور العادية.. والمهمل لا يجد من يحاسبه.. ولذلك فهو لا يعبأ بأي سلطة.. ولا يهاب أي قانون.. إذا نزلت إلي الشارع وجدت الإهمال واضحا في المطبات ومخلفات المباني.. وإذا مشيت علي الرصيف وجدت الحفر والبلاط المخلوع أو المكسور وهذا معناه إهمال شديد في الرقابة والصيانة.. وهذا الإهمال يعرض حياة الناس للخطر.. فكيف يمكن لسيدة حامل.. أو رجل مسن.. أو طفل صغير.. كيف يمكن لهؤلاء أن يسيروا آمنين علي رصيف مهدم مملوء بالحفر؟.. وقد لاحظت أيضا أن الشركات التي يعهد إليها برصف الشوارع لا تؤدي عملها بدقة.. والدليل علي ذلك أنها إذا رصفت شارعا يعود بعد شهور قليلة إلي حالته الأولي.. وإذا انتهت من أعمال الرصف تركت أكواما من المخلفات خلفها دون حرج أو شعور بالمسئولية. وإذا قام أحد الأجهزة المسئولة عن المرافق بالحفر في مكان عام لإصلاح ماسورة مياه.. أو خط تليفوني أو كهربائي فإنه لا يحرص علي وضع شريط فسفوري حول المكان المحفور.. أو تعليق إشارات ضوئية عليه لتحذير المارة وقائدي السيارات، حتي يتجنبوا السقوط فيه، وفي هذا استهتار شديد بحياة المواطنين الآمنين.. أما عن ظاهرة الإهمال في النظافة فإنها في رأيي من أهم الظواهر التي تشوه جمال عاصمتكم وتهدد الصحة العامة.. ولا يمكن أن تتحمل الحكومة وحدها كل المسئولية، بل إن جزءا كبيرا منها يقع علي عاتق الأفراد.. فكل فرد مسئول عن نظافة المسكن الذي يقيم فيه.. ثم نظافة بلده.. أما مسئولية الحكومة فتنحصر في تنظيف الشوارع وتوفير الوسائل الحديثة لجمع القمامة.. وظاهرة أخري سيئة لاحظتها خلال إقامتي في القاهرة وهي عداؤكم الشديد للخضرة.. وهذا يبدو واضحا من عدم حرصكم علي غرس الأشجار في كل شارع وإنشاء الحدائق العامة في الميادين والأحياء المختلفة خاصة الأحياء الشعبية. إن الخضرة ليست مجرد ديكور لتجميل الشوارع، بقدر ما هي ضرورية لحياة الإنسان.. إن النظر إليها يريح الأعصاب، ويهديء النفوس.. ويرفع مستوي الذوق. هناك أيضا ظاهرة إهمال الآثار.. هذا التراث التاريخي العظيم الذي لا يمكن تعويضه.. والذي يحمل بصمات حضارتكم القديمة.. ويتحدث عن ماضيكم العريق.. لقد شاهدت آثارا لا تقدر بمال ملقاة علي الأرض في المتاحف والمناطق الأثرية!! إن هذه الآثار يمكن أن تدر عليكم آلاف الملايين من الجنيهات كل عام.. ولكن للأسف الشديد أنتم لا تعرفون كيف تستغلونها.. كما أنكم لا تجيدون فن الدعاية. ومن الأشياء المهمة التي لاحظتها أيضا الإهمال في تطبيق القوانين.. وهذه الظاهرة يمكن القضاء عليها إذا تمسكت كل جهة بتطبيق القوانين التي تصدرها.. ولو كانت قوانينكم لها احترامها وقدسيتها لاستقام الكثير من الأمور. وهنا اعتدل صديقي الألماني في جلسته فجأة.. وكأنه تذكر شيئا هاما ثم قال: في بلادكم منظر غير إنساني يضايقني كثيرا كلما شاهدته.. بل وأشعر في بعض الأحيان بالاشمئزاز والغثيان عند رؤيته.. ولو كان القانون مطبقا لاختفي هذا المنظر نهائيا..! إنه منظر الذبائح وهي معلقة أمام محال الجزارة.. هذا المنظر لم أشاهده إلا في مصر، وعدد قليل من البلاد المتخلفة. إلي هنا انتهي حديث صديقي رجل الأعمال الألماني.. إن الظواهر التي أثارها في حديثه معي والتي تشوه في رأيه جمال بلادنا هي ظواهر حقيقية نلمسها ونعاني منها جميعا.. ونتمني أن تختفي من حياتنا.