كشفت تطورات الأحداث أن أردوغان كان يخطط لمشروع الهيمنة، وظهر تدخله السافر في الشئون الداخلية لمصر علي أساس أيديولوجي. أكثر من مرة استدعت الخارجية المصرية السفير التركي بالقاهرة، ثم القائم بالاعمال بعد مغادرة السفير لمصر نهائيا، للاعراب عن استنكارها للسلوك المشين للرئيس التركي رجب اردوغان تجاه مصر وتماديه لاكثر من مرة في عدائه وتطاوله علي مصر ورئيسها عبد الفتاح السيسي، وفي الاسكندرية تنظر محكمة الأمور المستعجلة 24 فبراير الجاري دعوي قضائية تطالب باعتبار تركيا (دولة داعمة للإرهاب في مصر) لمواقفها العدائية ضد مصر باستضافة العديد من الاجتماعات لقيادات جماعة الإخوان، وفضائيات معادية لمصر. والسؤال الان: ماذا يريد السلطان أردوغان من مصر؟ إن ما حدث من أردوغان والفريق المحيط به تجاوز حدود الأخطاء المسموح بها والمقبولة في عرف الدبلوماسية ليصل إلي التدخل السافر في شئوننا متجاهلا عمق العلاقات التاريخية والاجتماعية بين القطبين المصري والتركي، والمصالح الاقتصادية المشتركة، وتناسي ترحيب مصر ومعها دول الخليج بأن تدخل تركيا شريكا في القضايا العربية، وحظيت بصفة مراقب بالجامعة العربية، وأن يحضر وزير خارجيتها اجتماعات مجلس وزراء الخارجية العرب، وانطلقت آلية المنتدي العربي التركي، وفتحت الجامعة العربية مكتبا لها في أنقرة. ومع بداية الربيع العربي 2011م، ظهر مشروع أردوغان الشخصي للهيمنة علي دول المنطقة، وفرض زعامته عليها وتحويلها إلي توابع في سلطنته العثمانية الجديدة التي ليس فيها من رائحة الماضي إلا استغلال شعارات الدين والأخوة والمصير المشترك، ورأي أردوغان في الأحداث العاصفة التي هبت رياحها علي منطقة الشرق الأوسط فرصة مواتية ليتخلص من كل منافسيه دفعة واحدة، سواء كان هؤلاء المنافسون في الجانب السني ويمثله مصر والسعودية ودول الخليج الأخري، أو في الجانب الشيعي ويمثله إيران وسوريا والعراق. ومع مرور الاحداث تبلورت القراءة الخاطئة لأردوغان وداود أوغلو للوضع في المنطقة، ولو أن السياسة التركية تملك أدوات قراءة جيدة لما يجري في المنطقة أو أنها تفهم طبيعتها لما كان أردوغان واصل سياسة الاستعلاء وجنون العظمة والتدخل السافر في شئون دولة كبيرة كمصر، والتضحية بعلاقات تركيا بمركز ثقل اقتصادي ضخم كدول الخليج. ويبدو أن النجاح الأولي لخطوة تمكين الإسلام السياسي في تونس ومصر دفع أردوغان إلي استشعار أن مشروعه بدأ يؤتي ثماره وأنه نجح في أن يثبت لأمريكا أن ما تم الاتفاق عليه يسير في الإطار المأمول، ومن هنا كانت غضبته الشديدة علي ثورة الشعب المصري في 30 يونيو، وموقف الجيش المصري الداعم لها ضد حكم الرئيس السابق محمد مرسي. لقد كشفت تطورات الأحداث عن أن أردوغان كان يخطط بالفعل لمشروع الهيمنة، وظهر تدخله السافر في الشئون الداخلية لمصر علي أساس أيديولوجي وهجومه علي الرئيس عبد الفتاح السيسي ووصفه بالانقلابي والقاتل والهجوم علي دول الخليج بسبب دعمها للانتفاضة الشعبية التي استدعت تدخل الجيش. وأسفرت حالة التشنج التي بات عليها أردوغان مع جنون العظمة الذي انتابه في التعامل مع دول كبيرة بحجم مصر والسعودية والإمارات، إلي الجمود في العلاقات مع دول الخليج إلي الحد الذي لم يصبح فيه هناك من دول الخليج من له علاقات بتركيا سوي قطر. لقد انكشفت اللعبة ولن تعود الامبراطورية العثمانية تحت القيادة التركية، ولا الخلافة للدول التي كانت تخضع لسلطانها.