لم تكن تتوقع إسرائيل أنه سيأتي اليوم الذي تتجرأ فيه إحدي المنظمات الدولية وتخضعها للمحاكمة والتحقيق في جرائم حرب اقترفتها يداها الآثمتان؛ ولكن حدث ما لم تكن تتوقعه إسرائيل علي يد امراة إفريقية هي فاتو بنسودا المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية التي أمرت بفتح تحقيق رسمي في الجرائم التي ارتكبت في غزة خلال العدوان الإسرائيلي الأخير الذي قتل فيه أكثر من 2200 فلسطيني بينهم الكثير من الأطفال. حققت بنسودا انتصارا عندما اختيرت عام 2012 لتصبح أول أفريقية مسلمة تتولي هذا المنصب وسط آمال عريضة أن تنجح في ملاحقة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية، وأن تحسن صورة المحكمة التي اتهمت بمحاباة دول إفريقية علي حساب دول أخري ولم تنجح طوال سنوات عملها في إدانة أحد غير الكونغولي توماس لوبانجا بتهمة تجنيد الأطفال، وهو ما يعتبر أداء متواضعًا بالنظر إلي حجم الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبت وترتكب في مختلف أنحاء العالم. ولدت بنسودا عام 1961 في جامبيا واحبت القانون منذ صغرها حيث كانت تذهب إلي قاعات المحاكم لمتابعة القضايا والمرافعات. درست القانون في إحدي جامعات نيجيريا وتدرجت في عدة وظائف قضائية إلي أن وصلت إلي منصب المدعي العام في جامبيا ثم وزيرة للعدل وحصلت بنسودا علي ماجستير في القانون الدولي البحري لتصبح أول خبيرة في هذا المجال في جامبيا، كما تسلمت جائزة فقهاء القانون الدولية عام 2009 لمساهماتها في مجال القانون الجنائي المحلي والدولي. عملت بنسودا مستشارا قانونيا في المحكمة الجنائية الدولية لرواندا ثم اختيرت عام 2004 لتصبح مساعدا للمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو أوكامبو لتخلفه بنسودا في رئاسة المحكمة، وقد اختارتها مجلة تايم الأمريكية ضمن قائمتها لأكثر 100 شخصية مؤثرة في العالم عام 2012. ووعدت بنسودا العالم بأن تلاحق الجريمة في أي مكان. وطالبت من قبل بتسليم سيف القذافي (ابن الرئيس الليبي معمر القذافي) في نوفمبر الماضي بينما أصرت السلطات الليبية علي محاكمته في ليبيا وتوقفت المحاكمة نظرا لتردي الأوضاع الأمنية. وكانت قد وجهت العديد من الاتهامات لفاتو بنسودا لعدم فتحها لتحقيقات تتعلق بالانتهاكات والجرائم التي ارتكبتها إسرائيل في عدوانها الاخير علي غزة، وذكرت أن العقبة القانونية تتركز في عدم توقيع فلسطين علي وثيقة روما ولكن اختلف الأمر الآن، بعد أن وقعت فلسطين علي الوثيقة، وهو ما جعلها تصدر قراراها بإجراء تحقيق دولي رغم الضغوط الإسرائيلية والأمريكية التي من المتوقع أن تتصاعد وتيرتها في الأيام القادمة.