تحقيق: مخلص عبدالحي تصوير: محمد مهران إذا اردت معرفة اسرار سوق اللحوم، فعليك زيارة سوق المواشي مجرد زيارة لسوق في اي بلد ريفي، ستعرف من خلالها كل كبيرة وصغيرة حول العجول التي أجهدت العقول في الوقوف علي اسباب الغلاء الذي اصاب لحومها!.. هناك ستجد ان المربي الصغير يربح.. والتاجر يتربح.. بينما الجزار يشهر ساطورة في وجوه الجميع! ستري طرح صغار العجول وكذا الاناث للبيع. و»شحنها« في رحلة قاسية الي المجازر »!«.. وان إهمال الدولة للمزارع الذي يحمل لقب »المربي الصغير« قد ساهم بدرجة كبيرة في زيادة سعر اللحوم فهو بذكائه الفطري سعي الي تحويل خسارته في سوق المحاصيل الزراعية الي مكسب في سوق اللحوم.. فالحاصلات التي انخفض سعرها استخدمها أعلافا للتربية.. وحتي يحافظ علي استمراريةربحة فإن المعروض من مواشية في السوق يكون بكميات قليلة! »الأخبار« زارت سوق الجلاكمة للمواشي.. رصدت عملية العرض والطلب.. وقفت علي حركة البيع.. وسجلت المحطات الخاصة برحلة العجل بدءا من حظيرة المربي وحتي وصوله لحوما الي المستهلك.. علي بعد 01 كيلو مترات من مدينة الوراق يوجد سوق الخميس بقرية الجلاتمة.. تلتقي فيه كل اطراف سوق اللحوم اسبوعيا حيث يشهد طرح الاف الرؤوس من الابقار والجاموس والبتلو صغير السن وكذا الخراف والماعز.. البائع هناك هو الفلاح المربي.. والمشتري ليس التاجر وحده، إنما الجزار ايضا.. والسمسار يقوم بدور التوفيق بين البائع والمشتري. لكن: كيف تصل الماشية الي هذه السوق؟ من خلال وسيلتين.. الجليب الذي يتولي مهمة جلب الرؤوس من المربين لحساب التجار مقابل عمولة يحصل عليها.. والفلاح المربي الذي يذهب بماشيته الي السوق لبيعها بنفسه الفرق في السعر يصل الي جنيهين في الكيلو جرام.. فالمربي يبيع للجليب ب02 جنيها »في الحظيرة« اما داخل السوق فيصل سعر الكيلو الي 22 جنيها. ورغم ارتفاع السعر فقد شهدت »الاخبار« عودة الكثير من المربين بمواشيهم من السوق وارجاع البيع طالما لم يصل سعرها الي 22 جنيها للكيلو القائم.. وهذا معناه ان المعروض بالسوق لا يدخل كله عملية البيع.. ومعناه ايضا تصاعد الزيادة في الطلب!.. والفلاح محمد السعيد واحد من هؤلاء. قرر العودة ببقرته ورفض بيعها بسعر 12 جنيها للكيلو القائم. سألناه: لماذا رفض البيع.. واضح ان مستواها أقل من غيرها يا عم محمد؟ اجاب: وليكن.. أنا والأولاد تعبنا في تربيتها لكن إطالة فترة بقائها عندك ستزيد من التكلفة؟ السوق ها يغلي اكثر من كده. وبعدين العلف متوفر.. مفيش مشكلة.. ملحوظة: عندما انخفضت اسعار الحاصلات مقارنة بزيادة التكلفة المتمثلة في الاسمدة والمبيدات واجور العمالة فقد لجأ الفلاح الي الاستعانة بالذرة والارز والقمح في تصنيع أعلاف منها وتربية المواشي عليها.. يعني خسائر الحاصلات حولها الي مكاسب في تربية الثروة الحيوانية. ولعل هذا ما يدفع محمد فتحي بدران- جليب- الي التأكيد علي حرص الفلاح علي متابعة سوق اللحوم أولا بأول.. فهو يسمع كثيرا عن زيادة السعر والقفزات المتتالية فيه.. وبالتالي فهو يتوقع زيادات اخري قادمة في سوق اللحوم بما يجعله لا يبيع بسهولة.. واذا كان يمتلك ثلاثة رؤوس فإنه يبيع واحدة ويحتفظ بالاثنين عسي ان تتحقق توقعاته!. ويذكرنا بدران بما حدث منذ ما يقرب من عامين.. حين اصاب الجنون أسعار الاعلاف.. وقتها اضطر معظم المربين. خاصة الفلاحين منهم.. الي التخلص من مواشيهم وطرحها في الاسواق في دفعات متتالية. ذلك الاجراء تعيش السوق اثارة وتداعياته متمثلة في نقص المعروض من الرؤوس حتي الان. ولم يشهد العرض اي زيادة رغم انخفاض اسعار الاعلاف.. ويضيف محمد بدران انه لو كانت الثروة الحيوانية تخضع لسياسة مدروسة لكان تم الاحتياط لتداعيات عملية الذبح الجماعي للمواشي التي حدثت في الماضي القريب!. تبرير يقولون »السعر دوار- بتشديد الواو« بمعني ان سعر السلعة في القاهرة يسمع عنها تجار الغربية وكفرالشيخ وغيرها من المحافظات.. وهذا الجدل الذي حدث بسوق الجلاتمة يؤكد ذلك.. فالمربي حسن علي يصر علي بيع الكيلو القائم ب22 جنيها للجزار كرم محمد الذي عرض عليه 12 جنيها فقط.. فما كان من البائع ان قال للمشتري بلهجة حادة »يا أخي حرام عليك.. دا كيلو اللحمة المستوردة في الجمعية ب53جنيها.. ومعظمه دهن وشغت«. ماذا يعني ماقاله المربي والبائع؟ يعني ان المغالاة في سعر اللحوم المستوردة كان له تأثير علي سعر اللحوم البلدي.. ولو عدنا بالذاكرة الي العام الماضي لوجدنا ان اللحوم البلدي كانت بسعر من 23-53 جنيها للكيلو.. ووصلت الي 24 جنيها في عيد الاضحي وكان متوقعا ان يهبط السعر بعد العيد لانخفاض الطلب.. لكنه حتي لم يثبت انما زاد ووصل الي حد الغلاء.. ولو كانت اللحوم المستوردة متواضعة في سعرها ما صعدت اسعار البلدي.. لان »حسبة« التاجر والجزار هنا مبينه علي اساس الفرق في الجودة بين الاثنين بجانب الموروث الاستهلاكي للمواطن المصري الذي يفضل الانتاج البلدي حتي لو قالوا له شعرا في المستورد«. الطلب كبير والعرض قليل.. معادلة تحتاج الي التوازن وضبط الايقاع بالسوق.. لكن هاني احمد- سمسار- يري ان العرض لن يزيد طالما ان الفلاح اصبح يربي الماشية بكميات اقل من السنوات الماضية. ولهذا فإن الرأس الواحدة زاد سعرها من 0001-0051 جنيه عن العام الماضي. يزيد علي ذلك جشع الجزارين الذين اعتادوا المبالغة في سعر البيع للمستهلك. ويتفق معه في الرأي التاجر ايمن بلبولة مضيفا ان قلة المعروض من الماشية تعود لاسباب اخري.. اهمها ذبح الاناث.. بل ان معدومي الضمير من المربين يبيعون الرؤوس »العشار« الي الجزارين لذبحها غير مباليين بان هذا مخالف للقانون. وان الاجنة التي لا تري النور من بطون امهاتها المذبوحة تمثل ثروة حيوانية مهدرة.. اما التاجر وحيد محمد فيلفت النظر الي ان تكلفة التربية ليست في الاعلاف فقط.. فالمربي يواجه مشاكل زيادة تكلفة الادوية البيطرية واجور العمالة خاصة وان الفترة الاخيرة شهدت وجود امراض كثيرة وافدة من الخارج اثرت علي ثروتنا الحيوانية.. بينما يشير سليمان عليان ورمضان محمود الي مشكلة السلالات.. فالسلالات المصرية من الابقار والجاموس اصبحت قليلة.. ورؤسها باتت ضعيفة ولا تقاوم الامراض.. ويجب علي الجهات المسئولة بحث هذا الامر حتي لا يتم الاعتماد تماما علي الفريزيان المستورد. صغيرة علي الذبح جريمة أخري في حق الثروة الحيوانية تقع احداثها بالسوق.. هجمة شرسة من الجزارين علي شراء العجول الصغيرة واقتيادها الي المجازرالعجل الواحد لا يتعدي وزنه 05 كيلو جراما. وكما يقول التاجر معوض شاكر فان المربين يتخلصون منه بالبيع لارتفاع السعر من ناحية والرغبة في تعويض خسائر الحاصلات الزراعية من ناحية اخري.. ولا شك ان ذبح هذه العجول يمثل كارثة لسوق اللحوم.. بالمفروض الا يتم ذبحها قبل وصولها الواحد منها 5 الي وزن من 052-003 كيلو جرام.. ولو كانت هناك رقابة علي المجازر لتم ردع المخالفين!. مالك.. ومستأجر علاقة قد تبدو غريبة. لكن رواد السوق تحدثوا عنها.. والامانة تقتضي ان تنشرها.. فالمربون يؤكدون ان قانون العلاقة بين المالك والمستأجر كان له تأثيره السلبي علي تربية الثروة الحيوانية.. كيف؟. يقصدون ان قطعة الارض والبالغ مساحتها مائة فدان مثلا كان يستأجرها حوالي 08 مزارعا وكانوا جميعهم يربون الماشية علي أراضيهم الزراعية. لكن تطبيق القانون أعاد المساحة كاملة للمالك.. لكنه قام بتحويلها الي بساتين وفاكهة!. وفي النهاية يبقي سؤال.. أين دور مشروع البتلو؟ المربون يجيبون.. حيث يؤكد محمد يوسف ان بنك التنمية والائتمان الزراعي رفع سعر الفائدة علي قرض التربية من 6٪ الي 41٪ وتعامل مع المربين معاملة رجال الاعمال بما اثر سلبا علي المشروع خاصة ان رفع الفائدة ادي الي الغاء نسبة الربح من التربية بل والي الخسارة للمربي في معظم الحالات.. ويضيف انه لجأ مؤخرا الي الاقتراض من الصندوق الاجتماعي للتنمية فكانت الفائدة 41٪ فهل هذه الفائدة المرتفعة تشجع علي التربية؟ هل من المعقول ان يخسر الفلاح المربي وتتم ترجمة جهده في النهاية الي تربح للبنك او الصندوق؟!. يشاركه التساؤل علي خليل: لماذا لا يعود الاهتمام الحقيقي لهذا المشروع؟ ان ترك التربية للمستثمرين وحدهم من شأنه استمرار المبالغة في سعر اللحوم، خاصة وان قطاع الدواجن مازال تحت حصار مرض انفلونزا الطيور.