«في الاحتفال بذكري اكتوبر الحادية والأربعين الأسبوع الماضي، خصص جزء من العرض لظهور رمزي لبعض الجيوش العربية التي شاركت في الحرب وأثار هذا عندي ما أثار..». في الجبهة وخلال حرب اكتوبر وحرب الاستنزاف قبلها، التقيت وحدات من الجيوش العربية وكتبت تحقيقات عديدة في الأخبار عن مشاركاتها، وسرت في جنازات شهداء عرب، اذكر منهم ستة عشر شهيدا لاقوا ربهم من الكتيبة الكويتية التي كانت مرابطة في الدفرسوار، أذكر عرضا عسكريا أقيم في الكلية الحربية، اصطفت فيه قوات الجيوش العربية، كان منها جزء من الكتيبة التونسية، والقوات الجزائرية التي بدأت الوصول بعد هزيمة يونيو 1967 مباشرة، وكتيبة من جيش التحرير الفلسطيني، وزرت سرب الطيران العراقي من طراز هوكرهنتر بعيد المدي نسبيا، وقد استشهد منه ثلاثة طيارين يرقدون في مقابر الشهداء بالاسماعيلية. بعد توقف اطلاق النار علي الجبهة المصرية سافرت إلي دمشق، وزرت الجبهة زيارة طويلة شاهدت فيها تجسد القوة العربية، القوات المغربية قوية المراس، اللواء السبعون الاردني الذي اشتبك مع الجيش السوري في عام 1970 بعد ايلول الأسود، كانا جنبا إلي جنب في الجبهة السورية، اما الجيش العراقي فكانت مشاركته قوية وفعالة. لواء مدرع سعودي في مواجهة درعا . في احتفال الاسبوع الماضي الحافل بالدلالات، مرت سيارات تحمل اعلام الدول التي شاركت وبها ضباط وجنود من كل دولة، تأملت بعض الاسماء، لم يعد لها وجود، اختفت الجيوش التي حاربت معنا، ومنها الجيش العراقي الذي كان ثاني أقوي الجيوش العربية، والجيش السوري الذي مازال يقاوم الانهيار وتتكالب عليه قوي هدم الدولة السورية واشاعة الفوضي المرعبة، والجيش الليبي الذي تحول إلي شظايا وتجتهد بقاياه في استعادة الدولة، الفرق شاسع بين ما كان في اكتوبر 1973، وما نعيشه اليوم، غيرأن ما يبعث علي الاطمئنان سلامة المركز، الجيش المصري، من اوراقي استيعد هذا الملمح المهم في اكتوبر، دور الجيوش العربية.. الذاكرة الوطنية والقومية. الجبهة السورية 6 اكتوبر 1973، قطعت الاذاعة الاسرائيلية برامجها لتعلن بالعبرية بيانا صادرا عن ناطق باسم القوات الاسرائيلية جاء فيه : «انه ابتداء من الساعة 2،15 بدأت القوات المصرية والسورية تهاجم في سيناء، وفي هضبة الجولان، وفي الجو، وفي البحر، وبعد سلسلة من الغارات الجوية علي مواقعنا وعلي معسكراتنا بدأت قوات المشاة المصرية بهجوم بري، فقد عبرت قوات مصرية قناة السويس في اماكن عدة، اما القوات السورية فقد بدأت بهجوم مدرعات ومشاة علي طول الخط في جبهة الجولان، وتعمل قوات الجيش الاسرائيلي علي مواجهة المهاجمين، وتدور علي الجبهتين معارك في البحر والبر». في نفس اللحظة التي كانت الطائرات المصرية توجه ضرباتها ضد قوات العدو ومنشآته في سيناء، كانت مائة طائرة سورية تضرب الحشود والاهداف الرئيسية في سهل الحولة وهضبة الجولان، في نفس اليوم بدأ السوريون هجومهم البري، دفعوا بثلاث فرق مشاة تعززها 600 دبابة حديثة من طراز ت54، وت55، وت 62، وتقدمت القوات السورية في هجوم خاطف لتقتحم الخندق الاسرائيلي المضاد للدبابات والمعروف باسم «خط 2 لون» امتد علي طول الجبهة بعرض 4 امتار وعمق 4 امتار، وأقيم إلي جانبه الغربي ساتر ترابي لمنع الدبابات من التقدم إلي جانب حقول والغام واسلاك شائكة، كانت القوات الاسرائيلية قد ركزت بعد عام 1967 علي تدعيم مواقعها في القطاع الشمالي من الجبهة لما يمثله من اهمية استراتيجية بالنسبة للجبهة السورية كلها، ولو احتلته القوات السورية سيمكنها من الانحدار جنوبا لتلتف حول خطوط الدفاع الاسرائيلية في القطاعين الاوسط والجنوبي، مع ما سيترتب عليه من مضاعفات أخري ستشمل تهديد شمال فلسطينالمحتلة، وسهل الحولة، والجليل الاعلي، والسيطرة علي مصادر المياه التي تصب في نهر الاردن، ومن الناحية التكتيكية يعطي هذا القطاع القوات الاسرائيلية القدرة علي الحركة والمناورة فهي ان ارادت اتباع مبدأ الهجوم تكون الاوضاع مهيأة لها، وهي ان ارادت الدفاع سيكون بمقدورها ذلك لان الوضع في هذا القطاع يعطيها نوعا من السيطرة علي القوات السورية العاملة في مواجهتها ويمكن للقوات الاسرائيلية تهديد دمشق، والقطاعين الاوسط والجنوبي اذا ما لجأت إلي مبدأ الهجوم ونجحت في تنفيذه. ثلاث محاور المحور الاوسط، واستهدف الوصول علي هذا المحور تطويق مدينة القنيطرة المنيعة من الشمال، والتقدم باتجاه بانياس. المحور الاوسط، واستهدف الوصول إلي مقر القيادة الاسرائيلية في كفر نفاخ، ومن ثم تنقسم القوات المهاجمة علي هذا المحور إلي قسمين: الاول: يضم قوات الجهد الرئيسي، وتواصل هجومها غربا باتجاه الحدود مع فلسطينالمحتلة، والقسم الثاني: يضم قوات الجهد الثانوي العاملة علي هذا المحور وتواصل اندفاعها شمالا باتجاه «واسط» للالتقاء بالقوات السورية المتقدمة من الشمال لاحكام الحصار حول مدينة «القنيطرة». المحور الجنوبي، واستهدف الوصول إلي الحمة السورية في القطاع الجنوبي. منذ بداية الهجوم بذلت القوات السورية جهدا متصلا لتحرير مدينة القنيطرة، لكن جميع محاولاتها صدت، في نفس الوقت كانت القيادة الاسرائيلية قد قررت وقف تقدم القوات السورية في الايام الاولي للقتال، قبل سيطرتهم علي نقاط استراتيجية يصعب اخراجها، منها، وقبل تمكنها من القضاء علي المواقع الاسرائيلية المنتشرة في هضبة الجولان، والتي لاتزال تقاوم علي الرغم من ان الهجوم السوري قد تجاوزها إلي الخلف. كان في مواجهة القوات السورية في الجولان القوات التالية : لواء مشاة ميكانيكي «لواء جولاني» المنتشر علي خط الون داخل 11 موقعا محصنا تمتد من «مسعدة» إلي «تل الساقي» ويغطيها خندق مضاد للدبابات. اللواء المدرع 37 المنتشر داخل حفر رمي علي خط يبعد عن خط انتشار اللواء الميكانيكي مسافة 3 إلي 5 كيلو مترات. اللواء المدرع السابع الذي دفعته القيادة الاسرائيلية لتعزيز قواتها في الجولان قبل بدء الحرب فاحتل الجزء الجنوبي من الجبهة. حوالي 11-20 كتيبة مدفعية. استطاعت القوات السورية التقدم يومي 6 اكتوبر و7 اكتوبر، وتمكنت من تدمير اللواء المدرع 37 تدميرا كاملا، وتدمير جزء كبير من اللواء السابع المدرع لواء «جولاني». وقررت القيادة الاسرائيلية دفع ستة ألوية مدرعة، ولواء مظلات ميكانيكي لدعم القوات الاسرائيلية في الجولان. هجوم مضاد وفي الساعة الثامنة من مساء الاحد 7 اكتوبر وصل الجنرال حاييم بارليف إلي مقر الجبهة الشمالية، وكانت رئيسة الوزراء جولدامائير قد كلفته بالذهاب إلي الجبهة السورية والتعرف علي حقيقة الموقف، واتخاذ التدابير اللازمة بالتعاون مع قائد الجبهة «حوفي»، وفي الاجتماع الذي عقد مساء الاحد 7 اكتوبر تقرر شن هجوم مضاد علي المحاور الثلاثة بهدف صد الهجوم السوري. وفي الساعة الثامنة والنصف من مساء 8 اكتوبر، بدأ الهجوم الاسرائيلي المضاد، شرع سلاح الجو الاسرائيلي في تركيز هجماته ضد الدروع والمدفعية السورية، وحاولت تشكيلات أخري مهاجمة الصواريخ الموجهة أرض- جو، وتصدت الطائرات السورية، ودارت معارك جوية عنيفة، وكانت الطائرات الاسرائيلية قد هاجمت قواعد جوية سورية في العمق، واستمرت معارك الدبابات التي بدأت منذ فجر هذا اليوم طوال اليوم وبدون انقطاع، ودارت اكبر هذه المعارك في ضواحي مدينة القنيطرة، وزادت القوت الاسرائيلية من هجماتها في الشمال علي محور مسعدة، جباتا الخشب، وفي الوسط علي محور كفر نفاخ- الخشنية، وفي الجنوب علي محور العال- الجوخدار، كان الهدف تطويق القوات السورية العاملة في الجولان، وعند الظهر دفعت القيادة الاسرائيلية بمزيد من الوحدات المدرعة إلي المعركة، وزادت من هجماتها علي المدرعات السورية التي ظلت تتصدي للدروع الاسرائيلية وتمنعها من التقدم. والواقع انه اعتبارا من 8 اكتوبر تحول ميزان القوي في المدرعات إلي صالح العدو، لأن القوات السورية لم تعد تملك تشكيلات دبابات سليمة لم تشترك في القتال العنيف من قبل سوي ثلاثة ألوية «لواء من الفرقة المدرعة الثالثة ولواء مدرع مستقل» علي حين دفع العدو إلي الجبهة الوية مدرعة سليمة لم تشترك في القتال «17 و79 و14 و19 و20 و60»، وقد ادي تفوق العدو في المدرعات إلي ان تدفع القوات السورية جزءا من احتياطيها الاستراتيجي باتجاه منطقة الهجوم الاسرائيلي المضاد الرئيسية في القطاعين الاوسط والجنوبي. كان من الواضح أن القيادة الاسرائيلية تستميت في محاولة حسم القتال علي جبهة الجولان قبل وصول القوات العراقية التي بدأت طلائعها في الوصول إلي سوريا بالفعل .مع بداية اليوم الرابع للقتال، الثلاثاء 9 اكتوبر استمر الاسرائيليون في محاولاتهم لاخراج السوريين من الجولان قبل وصول القوات العراقية، بينمااستمر السوريون في محاولة التشبث بالارض التي حرروها. فك الحصار مع فجر يوم الاربعاء 10 اكتوبر، كان من الواضح أن القوات الاسرائيلية قد انهت مرحلة الصد، وبدأت مرحلة الهجوم المضاد بدأ الطيران الاسرائيلي يمهد بسلسلة غارات عنيفة علي قواعد الصواريخ، والمطارات، والاهداف الجوية، وفي نفس الوقت بدأ الهجوم البري علي طول الجبهة السورية . استهدف الهجوم فك الحصار عن القنيطرة، ودفع القوات السورية عن الجولان نهائيا، وتطوير الهجوم في وقت لاحق للسيطرة علي الطريق الرئيسي الموصل إلي دمشق، ودارت معارك عنيفة حول القنيطرة تم خلالها فك الحصار، وقد اشترك إلي جانب القوات السورية في هذه المعركة وحدة مغربية مقاتلة كانت متواجدة في الجبهة السورية قبل بدء الحرب، وفي نفس الوقت كانت هناك وحدة مغربية أخري تقدر بلواء مشاة تشترك مع القوات السورية في المحور الشمالي علي سفوح جبل الشيخ، وقد حاربت القوات المغربية ببسالة وكانت القوات الاسرائيلية تخشاها، خاصة بعد ان اشيع بين صفوفها عن قسوة القوات المغربية في التعامل مع افراد الجيش الاسرائيلي، وقد حاولت اسرائيل تشويه سمعة هذه القوات فادعت ان عددا من الجنود المغاربة يحتفظون بأذن وألسنة بعض الجنود . في مساء الاربعاء العاشر من اكتوبر وصلت القوات الاسرائيلية إلي ما يسمي بالخط البنفسجي، وهو خط وقف القتال في عام 1967، واتخذت القيادة الاسرائيلية قرارا استراتيجيا يقضي بالتقدم إلي دمشق وتهديدها بشكل يجبر السوريين علي وقف القتال، والاستسلام، وقد وضع الجنرال حوفي خطته ليلة 10-11 اكتوبر ونقل جهده الرئيسي من المحور الجنوبي إلي المحور الشمالي، علي اعتبار ان هذا المحور اقصر الطرق إلي دمشق وكان علي المهاجمين ان يقوموا قبل الوصول إلي دمشق باختراق ثلاثة خطوط دفاعية حصنها السوريون منذ عام 1967. ويمتد الخط الاول علي طول حدود وقف اطلاق النار لعام 1967. وكانت القوات السورية تتمركز فيه دفاعيا طوال السنوات الست الماضية. ويقع الخط الثاني علي بعد 20 كيلو مترا من الخط الاول، ويبدأ من نقطة تقع غربي «قطنا» علي طريق قطنا عرفة، ثم يتجه جنوبا إلي «سبع» علي طريق القنيطرة- دمشق، وينتهي جنوبي بلدة «الشيخ مسكين». اما الخط الثالث فيقع علي بعد 10-15 كيلو مترا شرقي الخط الثاني. ويبدأ من نقطة تقع إلي الشمال الغربي من دمشق، ويتجه شرقا إلي ما بعد «الكسوة» الواقعة علي الطريق المؤدية إلي «الصنمين» و«الشيخ مسكين» و«درعا». في يوم الخميس 11 اكتوبر واصلت القوات المدرعة الاسرائيلية تقدمها في هضبة الجولان، كان المطلوب حسم القتال بسرعة قبل وصول القوات العراقية التي بدأت طلائعها تصل إلي مسرح القتال، ومع بداية يوم 12 اكتوبر كانت ملامح الخطة الاسرائيلية قد اتضحت، ويمكن تحديدها بما يلي: غارات جوية مكثفة ضد الاهداف السورية في العمق لزعزعة الجبهة الداخلية، ونشر حالة من الرعب. هجمات مدرعة مكثفة من اجل تحقيق الخرق في خطوط الدفاع السورية، واستهدفت القوات الاسرائيلية تطويق دمشق نفسها. هجمات بحرية مركزة علي ميناء اللاذقية والمنشآت الاقتصادية علي طول الشاطئ . القوات العراقية في ذلك اليوم شنت الطائرات الاسرائيلية هجمات عنيفة ضد الاهداف السورية، وتصدت لهاالمقاتلات السورية، والمقاتلات العراقية، التي كانت قد وصلت إلي الجبهة السورية يوم 7 اكتوبر اي في اليوم التالي مباشرة لبدء القتال. في البر بدأت القوات الاسرائيلية في تطوير هجومها مستهدفة شق طريقها إلي اقرب نقطة من دمشق. وذلك عبر ثلاثة محاور: المحور الاول : الشمالي، وخصص لمحاولة الوصول إلي «بيت جن» و«عرنة» علي سفوح جبل الشيخ في عملية تستهدف الالتفاف حول الدفاعات السورية المقامة قرب قرية سعسع من الجهة الشمالية الغربية. المحور الثاني، الاوسط، كان هدف القوات العاملة في هذا القطاع الاندفاع شرقا والالتفاف حول الاجناب السورية لتطويق الوحدات السورية المنسحبة ثم ابادتها بالتعاون مع قوات المحورين الشمالي والجنوبي العاملين في القطاع الشمالي من الجبهة. من الواضح ان دمشق هي الهدف الرئيسي كانت القيادة الاسرائيلية ترمي بثقلها كله للوصول إلي العاصمة العربية. أو تطويقها كان الهدف ثمينا جدا بالنسبة للقيادة الاسرائيلية، اذ ان سقوط دمشق يعني تركيع سوريا ودحر الجيش السوري، وبالتالي رفع معنويات الجنود الاسرائيليين العاملين علي الجبهة المصرية والذين كانوا يتلقون ضربات عنيفة من القوات المصرية. ان سقوط المدن يحدث دويا هائلا، وتأثيرا هاماعلي المقاتلين، ثم ان سقوط دمشق سيحدث تأثيرا عاما علي مسار الحرب كلها. غير أنه ظهر الجمعة 12 اكتوبر طرأ تغيير جذري علي الموقف، في ذلك اليوم كانت اكثر من بلد عربي تحرك قواتها إلي الجبهة السورية. كانت الكويت تستعد لارسال جزء من قواتها إلي الجبهة السورية، وكان اللواء الاربعون الأردني يتحرك متجها إلي الجبهة السورية، ولكن العامل الحاسم الذي قلب عناصر الصورة علي الجبهة المهددة صول طلائع الجيش العراقي واشتباكها بالعدو الاسرائيلي في نفس اللحظات التي كانت الدروع الاسرائيلية توجه مقدماتها تجاه قلب دمشق. يقول ملف وكالة رويتر الخاص بالحرب : فوجئت القيادة الاسرائيلية مفاجأة تامة عندما نجحت القوات العراقية في الوصول إلي الجبهة، والاشتراك لأول مرة في القتال وهكذا باغت لواء عراقي مدرع وصل لتوه إلي ارض المعركة، القوات الاسرائيلية المتقدمة علي محور «جعبا»- «كفر ناسج» وشق هجومها المعاكس، وتمكن من دحرها، كنت أستعيد هذه المشاهد للمشاركة العربية ، وأتأمل أختفاء الجيش العراقي وتضعضع السوري ، من هنا تعلق أي وطني قومي انساني بآخر الجيوش العربية وسلامة جيشنا المصري .