في مقالنا بعنوان »مصطلح الاستبدال والازاحة«2/21/0102 تعرضنا في اطار استعراض تفاعلات المشهد الانتخابي لاهمية فتح النقاش الموضوع والضروري علي مسألة علاقة »الدين بالسياسة« بشكل يضع النقاط فوق الحروف وكان ذلك بمناسبة أن اعلن احد دعاة السلفية انهم ممثلو الاسلام وان الانتخابات البرلمانية هي انتخابات محرمة. بينما وجدنا جماعة الاخوان المحظورة ترفع هذه الشعارات الدينية ولا تحرم الانتخابات- ربما لانها وسيلة للوصول للحكم كذلك وجدنا بعض مرشحي الحزب الوطني يمارس رفع الشعارات الدينية وخلط الدين بالسياسة.. بمعني تسييس الدين وتتدين السياسة لمأرب شخصي واليوم نضيف حدثا اخر يستوجب التوقف امامه وهو اصدار الشيخ محمود عامر رئيس جمعية انصار السنة بالبحيرة فتوي بإهدار دم د. محمد البرادعي ورموز المعارضة بزعم خروجهم علي الحاكم ويذهب الشيخ محمود الي ان ما ذهب اليه له اساس شرعي في صحيح الدين في دولة يقضي دستورها بالفصل بين الدين والسياسة.. وذكر الشيخ ان الفتوي تنطبق علي البرادعي وغيره ممن يخرجون علي الحاكم يعتبر كبيرة من الكبائر في الاسلام ويذكر الشيخ حديث الرسول صلي الله عليه وسلم من أتاكم يريد ان يفرق كلمتكم فاضربوا عنقه.. ثم يستطرد الشيخ محمود في رصد ما يراه علي كونه اسانيد شرعية وفي حوار جريدة النبأ معه 52/21/0102 انه لن يتراجع عن تلك الفتوي لان ما جاء في الشرع والدين ليس هذا رأيا شخصيا أو اجتهادا مني.. هذه هي المعضلة الحقيقية. ان هناك البعض عندما يتحدث عن الدين الاسلامي وهو الدين الحنيف الذي يتسم برحابة الفكر والتراحم وتقصي الحقائق بشكل دقيق للغاية- القضية هنا ليست الموقف من د. البرادعي ورموز المعارضة - الذين خصهم الشيخ محمود بفتواه ومن يمثالهم »من وجهة نظره« الامر جد خطير لان المتحدث هنا يؤكد انه يتحدث بالإطلاقية شديدة تجعله وكأنه قد وضع نفسه المتحدث الاوحد باسم الدين«. ولا تراجع عن الفتوي.. رحم الله شيوخ الازهر الاجلاء الذين كنا نستمع الي آرائهم فيختمون ما قالوه بعبارة لا تنسي وهي »هذا والله أعلي وأعلم« بتواضع شديد.. وكان الامام الشافعي اذا سئل مثلا عن 04 سؤالا ربما اجاب عن عشرة فقط ولكن اليوم نجد العديد من الشيوخ يجاوبون علي الاربعين سؤالا ويتولوه علي من مزيد وتجد ان عددا ليس بقليل منهم يستخدمون لغة الاقصاء والحدة والتجرؤ علي امور جد عظيمة وعلي جوهر الدين الضيف الي تناولها بهدوء ودقة ولغة تفسح المجال امام رأي علماء الدين وكذلك الخبراء من الراسخين في العلم. الخلاصة ان قضايا الدين والسياسة بمعني تسييس الدين وتديين السياسة بحاجة الي مناقشة موسعة من الخبراء من جميع التخصصات. فالدين اكبر من ان يصادر الحديث عن الشيوخ فقط والراسخون منهم يعلمون ذلك.. وأود ان ارصد هنا ما اقصده بظاهرة الالحاق الخاطئ.. وهي ظاهرة علمية تفيد ببساطة ان فلانا فهم واقع حدث بعينه او واقع شخص بعينه بطريقة مبتسرة لم تمكنه من فهم تعقيدات وتفصيلات عديدة - اذا علمها- لكن حكمه علي هذا الواقع او هذا الشخص مختلف إن هذه الظاهرة وهي »الالحاق الخاطئ« قد تحدث لرجل من رجال الدين كما تحدث لقاض من القضاة أو وزير او غفير أو استاذ جامعي اقصد اننا جميعا وبلا استثناء قد نقع ضحية الالحاق الخاطئ.. دون ان نشعر تماما وهذا الامر ينبغي ان يكون معروفا من »باب وما أوتيتم من العلم الا قليلا«.. ولذلك فإن هذا الدين الحنيف يدعو للعلم وللتواضع. والاستفادة من كل العلوم وكل الخبراء وهنا استكمل كلامي عن ان ظاهرة »الالحاق الخاطئ« تحدث بسهولة ولكن تجنبها يحتاج الي معركة العلوم الحديثة.. خاصة علوم اللغويات التكاملية الحديثة فما وراء فهم الظاهرة لكي نتجنبها ان نعي ما اتت به دراسات الادراك perception studies ودراسات خاصة ودقيقة في علم الادراك اللغوي ودراسات الذكاء الوجداني والحديث بالامثلة الدقيقة بالاستدلالية يحتاج الي تفاصيل كثيرة لا يتسع المجال لها في هذا المقال.. بل يحتاج الي قاعة التدريب الحديث وهو امر صعب المنال في ظل من لا يري ولا يقتنع الا بما يعرفه من تخصص ناكرا علي الاخرين ان يساعدوه بتخصصاتهم ولذلك ستنتشر ظاهرة الالحاق الخاطئ في كثير من احكام الكثير من الشيوخ الاجلاء بحسن النية وبالانصراف عن التخصصات الاخري.. خاصة في مجال العلوم الاجتماعية الحديثة التي يسارع البعض من هؤلاء الشيوخ بوصفها بأنها باهتة.. جاءت من بطن كفار من الغرب وكأن العلم ليس انسانيا وليس متراكما ومنعزلا دائما عن الخصوصية الثقافية، وهذا كلام »فارغ« وغير دقيق ويقع في عمق الالحاق الخاطئ!!. مرة أخري الدين اكبر واعظم وارقي من ان يحتكر فهمه واسقاطه حفنة من رجال الدين الذين لا يسمعون واخر مثال واضح هو من انتقد منهم العالم الجليل مفتي الجمهورية د. علي جمعة، حين ذكر عنه »ولم يسمعه حق الاستماع ان من قال انت طالئ لا يقع طلاقه.. وروجوا الاكاذيب والشائعات السخيفة عن رجل علم ودين نكن له الاحترام والتوقير الواجبين.. ان اخطر ما وصلت إليه شيوع حالة الالحاق الخاطئ.. هو انها اليوم قد تتسبب في جعل ساحة تفاعلاتنا ساحة لاهدار الدم باسم الدين والدين من ذلك براء.. والله ولي التوفيق وهو وحده المستعان.