إن الفساد بجميع أنواعه منتشر حتي العظم في الدول العربية ويعرفه القاصي والداني (وعلي عينك يا تاجر) هذا رغم توقيع الدول العربية علي اتفاقيات دولية لمكافحة الفساد ورغم ما يعلن من تعاون دولنا العربية مع المجتمع الدولي للوقوف في وجه هذا الغول الجبار الذي يهدد الدول والمجتمعات والاقتصاد والتنمية. وفي الدول العربية قوانين عديدة لمكافحة الفساد وفي مقدمتها قوانين أسموها (قانون من أين لك هذا) و(قانون الكسب غير المشروع) والقانونان من عنوانهما واضحا الهدف وموادهما في صياغاتهما أقوي من الحديد، وأوضحت بجلاء المقصود بجرائم الفساد وصورها وحددت العقوبات بدءا من العقوبات الأخف الي المشددة مراعية التفاوت بين جرائم مرتكبي الفساد حسب حجم الفعل الإجرامي المنسوب لكل متلق للرشوة طبقا للظروف المشددة او المخففة للعقوبة.. الخ. هذا لأن العرب أفضل من يصوغون القوانين المحكمة التي كما يقولون نصوصها (ما تخرش الميه) لكننا لمس نسمع أن هذه القوانين قد طبقت الا فيما ندر، بل تحولت من (قانون من أين لك هذا) إلي قانون (هذا لك وهذا لي) وأصبح الاحتيال علي تلك القوانين ولي عنقها الظاهرة المميزة حتي ديس عليها بالحذاء القديم، ولذا أصبحنا في مقدمة دول العالم من حيث الفساد، واللي مش عاجبه يشرب من البحر!! وما يؤكد الفساد أن الدول العربية رغم غناها في الثروات الطبيعية، وعلي رغم أن حجم تلك الثروات يفترض أن يجعل مستوي الفقر في تلك البلدان من الأقل في العالم، يبقي مواطن من كل خمسة مواطنين يعيش علي أقل من دولارين في اليوم حسب مصادر البنك الدولي الخاصة بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ناهيك عن البطالة المقنعة التي يحتضنها الوطن العربي بل إن عدد الأميين من بين البالغين العرب يبلغ حوالي 65مليون إنسان تمثل النساء الثلثين وهي أعلي كثيراً مما هي عليه في بلدان أفقر طبقا لتقرير التنمية الإنسانية العربية. ولا شك أن الفساد يأتي علي رأس قائمة الأسباب لإعاقة نمو الاقتصاد ومسيرة التنمية وقصور الخدمات التي تقدم للمواطنين ويترك أثره السلبي علي رفاههم وانعدام التوازن في مستوي دخول الأفراد، مما ينتج عنه عدم ملاءمته حاجاتهم، وإذا قدر أن الدول العربية استطاعت أن تحد من الفساد المستشري (وهذا محل شك) فإن النتائج ستكون باهرة إذ سيؤدي ذلك إلي زيادة دخول المواطنين والحد من البطالة والفقر وتوفير الخدمات بمستوي رفيع. وقد عقدت من أجل الحد من الفساد ومكافحته مؤتمرات وندوات دولية عديدة، واصدر البنك الدولي برنامجا لمحاربة الفساد المالي في المشاريع التي يدعمها حماية لها، ومن خلال استبيان أجراه البنك في أكثر من 60 دولة من دول العالم الثالث تبين أن الفساد في القطاع العام يمثل عقبة كأداء تحد بشكل كبير من عملية التنمية ويضعف قدرة الدول علي دفع التنمية الاقتصادية والاجتماعية وجذب الاستثمارات. ومن الشواهد أن إحدي الدول العربية الغنية شمر أحد المسئولين الكبار فيها عن ساعديه وقام بتبني صياغة قانون (من أين لك هذا) وبالفعل صدق الرجل وعده وأعد القانون، لكنه كان هو أول من سرق ونهب حتي ضاقت البنوك بأمواله المسروقة من المال العام.