منذ حوالي عشر سنوات كانت هناك قرية في المنوفية عدد سكانها المقيمين فيها حوالي 02 ألف نسمة ولها مثلهم او ضعفهم في القاهرة والجيزة والاسكندرية ودول الخليج وزمامها حوالي 0002 فدان من اخصب الاراضي الزراعية وانتشرت فيها المباني الخرسانية وزاد استهلاك الكهرباء ومياه الشرب. والآن اصبح عدد سكانها المقيمين فيها حوالي 52 ألف نسمة وزمامها تقلص إلي 0081 فدان أي أن الزيادة السكانية قابلها نقص في الاراضي الزراعية وزيادة في العمران العشوائي والزحام في كل شيء. ولو تصورنا ان نصف سكان القرية يعيشون علي الزراعة وملحقاتها وربعهم موظفون في أجهزة الدولة: الإدارة المحلية والتعليم والصحة وغيرها والربع الباقي تجار أو أصحاب محلات وحرف خدمات مثل حرف البناء والنظافة وغيرها من العاطلين. ولو تصورنا ان الامور ستستمر هكذا لألوف القري زيادة سكانية مع تقلص الارض الزراعية فالحل هو الهجرة الداخلية بحثا عن مصادر رزق في القاهرة الكبري والمدن الجديدة والمدن الكبيرة مثل طنطا والمنصورة وبنها وغيرها. والهجرة ايضا تتم لمن يكملون تعليمهم الجامعي ولم يجدوا عملا يحقق طموحهم في القرية التي ولدوا فيها وتعلموا فيها حتي الثانونية بأنواعها. والدلتا بالاضافة إلي التهديد الدائم بالزيادة السكانية وتقلص الاراضي الزراعية لكثرة العمران المخطط والعشوائي وكثرة اعمال الطرق الجديدة وتوسيع الطرق القديمة وكثرة مباني الخدمات الجديدة كالتعليم والمراكز التجارية والكباري. تتعرض الدلتا بشدة لارتفاع مناسيب المياه الجوفية وتلوثها وكثرة القمامة التي تسد كل المنافذ حتي الترع والمصارف كما تتعرض لنتائج التغييرات المناخية باحتمال غرق بعض سواحلها الشمالية. من الآن وبكل قوة وحزم علينا ان نغزو الصحاري الشرقية والغربية بالمدن والقري الجديدة وننطلق بقوة إلي سيناء التي تزيد مساحتها عن مساحة الدلتا كلها ويمكنها استيعاب الملايين من ابناء مصر الذين تزدحم بهم الدلتا والقاهرة الكبري والذين يمكنهم تعمير سيناء والدفاع عنها كسد عمراني منيع ضد أي تهديد. من الآن علينا ان ندرس حركة الهجرة الداخلية ونقوم بتوجيهها الي الاتجاهات الصحيحة ويمكننا ان نفاجأ مثلا بأن نصف سكان القاهرة والجيزة من محافظات جنوب الدلتا المنوفية والقليوبية وكل رجال القوات المسلحة والشرطة واسرهم وكل رجال السلطة والعلم والدين والصحافة والاحزاب وفدوا الي العاصمة ولن يعودوا الي قراهم إلا بعد عمر طويل او محمولين علي الاعناق. الدلتا كنز مصر الذي لن ينفد بإذن الله وستظل تعطي الوطن الخير الكثير من البشر والعقول والغذاء والعلم والثقافة والحضارة وهي واحة مصر الكبري وسط صحراء مازالت خاوية حتي الآن وقد اقترح بعض خبراء البيئة اعلان دلتا النيل محمية طبيعية ولكن كيف ذلك في ظل ما يجري الآن؟ كاتب المقال: مهندس استشاري وعضو اتحاد الكتاب