كل المؤشرات تسير في اتجاه، التأكيد علي أن الكويت تستعيد من جديد دورها، كدولة نموذج. ليس في الإطار الخليجي فقط، ولكن ضمن المنظومة العربية، بعد سنوات من التأزم الديمقراطي، والصراع بين مجلس الأمة الكويتي والحكومة. استخدم الطرفان أدوات جديدة ومستحدثة في إدارة الأزمة، باللجوء إلي الاحتجاج عبر الشارع، في مظاهرات لم تعتدها الكويت، وفشلت في تحقيق أهداف المعارضة، كما لجأت الحكومة إلي الاحتكام للمحكمة الدستورية العليا، ورغم تاريخها الطويل في الكويت، فلم يتم اللجوء إليها لحسم صراع سياسي، أو أزمة بين السلطات، سوي خلال السنوات القليلة الماضية، تأثرا بأجواء الربيع العربي. فانحازت للدستور، وأمرت بحل مجلس الأمة المنتخب عام 2012، لصالح المجلس الماضي، كما حصنت قانون الانتخابات، الذي جري علي أساسه تشكيل مجلس الأمة الحالي. ورفضت الطعون المقدمة في نتائج الانتخابات الأخيرة، والمطالبة بحله، فخلق ذلك نوعا من الاستقرار السياسي، وهدنة بين السلطات، رغم أنه لم يأت علي هوي قوي المعارضة، ولكنه في كل الأحوال واجب التنفيذ، وهو ما التزم به الشيخ صباح الأحمد أمير الكويت. ولعل تاريخ المنطقة العربية بصفة عامة، والخليجية بصفة خاصة، يؤكد أن الكويت صاحبة أول تجربة ديمقراطية، قامت علي التوافق، ومنذ إنشاء الدولة في أوائل الستينيات. حيث تم إقرار الدستور في 11 فبراير 1962. والذي كرس شرعية ال الصباح حكاما للبلاد، مع مشاركة الشعب الكويتي ،ونخبه السياسية والفكرية والاقتصادية، في إدارة شئون البلاد ،عبر مجلس امة منتخب، له جميع الصلاحيات في مراقبة أعمال الحكومة ،باستخدام العديد من الأدوات التي كفلها الدستور، ومنها تقديم الأسئلة والاستجوابات لأعضاء الحكومة ، وكانت الكويت هي الاستثناء في ذلك. يضاف إلي ذلك حرية التعبير، وتشكيل الجمعيات، وإتاحة الفرصة كاملة لعمل منظمات المجتمع المدني، ناهيك عن حرية الإعلام والصحافة، كما حصلت المرأة الكويتي علي كل حقوقها، حيث سمح لها منذ سنوات، بالترشح لمجلس الأمة الكويتية، ونجحت عدد من سيدات الكويت في الحصول علي عضوية المجلس، في الآونة الأخيرة وفي أكثر من دورة. كما تم تعيين عدد من الوزيرات. وقد شهدت السنوات الأخيرة صراعا واضحا، بين السلطتين التشريعية والتنفيذية . الأولي يمثلها مجلس الأمة، والذي يموج بجميع التيارات السياسية والفكرية، خاصة ان الدستور الكويتي يسمح بإنشاء الجمعيات السياسية، ويمنع إنشاء الأحزاب، وبين طرف المعادلة الآخر، وهو الحكومة، وتصل المواجهة بينهما، إلي درجة عدم القدرة علي التعايش معاً، فيلجأ أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد، الذي يمثل الحكم بين السلطات، إلي أبغض" الحلال السياسي" والمتاح أمامه وفقا للدستور، إما إقالة الوزارة ،أو قبول استقالتها ،أو حل مجلس الأمة، وقد تكرر هذا المشهد عبر تاريخ الديمقراطية في الكويت، وتسبب في استقالة الحكومة 12 مرة، وتم حل مجلس الأمة الكويتي ست مرات. لدرجة أن العديد من الشخصيات الفاعلة ،داخل النخبة السياسية في الكويت، أصبحت عازفة عن قبول المناصب الوزارية، وتدور الخلافات حول الإفراط في استخدام الحقوق البرلمانية، في تقديم الاستجوابات للوزراء، وهي بالعشرات. خاصة في الدورات البرلمانية الأخيرة، بالإضافة إلي التحفظ الذي يبديه البعض، حول تعديلات تمت علي قانون الانتخابات . ولعل القناعة التي تحكم دوائر صنع القرار في الكويت، وفي القلب منها الشيخ صباح الأحمد، تدور حول أن أخطاء الديمقراطية، يتم علاجها عبر مزيد من ممارسة الديمقراطية، دون أي تفكير في اللجوء إلي إجراءات استثنائية . ونتوقف عند ملمح مهم وواضح، لاستعادة الكويت لعافيتها. وهو عودة الروح إلي الدبلوماسية الكويتية. التي اتسمت علي مدي سنوات طويلة، بالنشاط مع استمرار تولي الشيخ صباح الأحمد لمنصب وزير الخارجية لسنوات، حتي أطلق عليه عميد وزراء الخارجية في العالم، وقد استضافت الكويت خلال الأشهر الماضية، عددا من المؤتمرات العربية والإقليمية الهامة. صحيح أن بعضها يتم وفقا لتوقيتات ومواعيد سابقة، مثل القمة العربية الأفريقية الثالثة، والتي طلبت الكويت استضافتها من القمة الثانية في سرت الليبية عام 2010. أو قمة مجلس التعاون الخليجي، والتي تتم وفقا للاستضافة الدورية، ولكن هذا لا يمنع من الاختيار الدقيق لها لاحتضان مؤتمرات إقليمية ودولية أخري، ومنها دورتان للمؤتمر الذي تم تحت رعاية الأممالمتحدة ،للدول المانحة لسوريا، حيث تم اختيار الكويت، من قبل الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، في ضوء رؤية متأنية لمواقفها من الأزمة السورية ،خلال السنوات الثلاث الماضية. حيث حافظت الكويت، علي عدم التورط مع طرف ضد طرف في الأزمة. كما هو حال العديد من دول المحيط من ناحية، والتأكيد علي ضرورة الحل السلمي. مع القناعة بأن الأزمة لن يتم حسمها عسكريا أبدا. والاهتمام بالبعد الإنساني والاغاثي في الأزمة للشعب السوري، الذي يدفع ثمن الصراع المسلح، بين الحكومة والمعارضة، وقد تميز الموقف الكويتي بالسخاء ، حيث خصصت حوالي مليار دولار، لعمليات إغاثة الشعب السوري، الذي يعاني من مأساة إنسانية حقيقية. ومن المهم الإشارة إلي حقيقة، أن الدول التي تستضيف مؤتمرات بهذه الأهمية، لا يقتصر دورها علي توفير المستلزمات اللوجستية للوفود، بل الأمر يتعدي ذلك بكثير ،والاهم من ذلك السعي إلي إنجاح تلك المؤتمرات، في فترة التحضير، والسعي إلي حل الخلافات ،التي تعوق ذلك. وتحقيق نجاحات تنسب للدولة المضيفة، وهو ما حدث بالفعل، حيث استطاع أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد، الخروج بأعمال القمة الخليجية إلي بر الأمان، كما مثلت أعمال القمة العربية الأفريقية ملمحا مهما، في تعزيز التعاون المشترك. وهو ما يتوقعه المراقبون للقمة العربية نهاية مارس القادم.