د. سمية سعد الدين هل سأل أحدنا نفسه.. ماهو سر نجاح الشعب المصري- في تحقيق ثورته التي غيرت وستغير تاريخ العالم والدول من حولنا،.. ماهو سر نجاحه ولا أقول نجاح"حكوماته الفاشلة والبائسة وفقيرة الإبداع"؟ الحقيقة أن السبب بعد فضل الله، يرجع بالأساس إلي إبداع هذا الشعب الذي خرج عن المألوف في الثورات، ليفاجئ طغاته السابقين والأسبق بحركة خروج مناهضة لأساليب حكمهم، خروجا جماعيا سلميا غير مسبوق وغير متوقع، وموحدا في وبالملايين، من كل فئات الشعب والأسر والأعمار والأفكار مما أربك حسابات كل من يحكمونه في الداخل، ومن يستهدفونه في الخارج! ومعني الإبداع، لايتلخص فقط - كما يصورونه لنا في بلادنا- في قيام مؤلف موسيقي بشد شعره، أو صحفي مشهور بتمزيق كتاباته، أو مخرج مهووس في الصراخ من أجل تصوير فيلمه.. الإبداع باختصار شديد، وببساطة شديدة هو وجود شخص "ما" قادرعلي التفكير في إيجاد حل غير مسبوق لمشكلة ما "شرط" وأؤكد علي كلمة شرط، أن يكون هذا الحل منتجا وذا قيمة للبشرية، أو للوطن أو للعمل، أو للعلم ويتساوي في هذا من وجد حلا بدءا من صنع حذاء مريح جدا جدا " كوتشي"ومرورا بأحدث الاختراعات والابتكارات الحديثة" الموبايل" وانتهاء مثلا "بالفيمتو ثانية"! مثل هؤلاء المبدعين، ومثل هذه الإبداعات الإنسانية في مجموعها، ومن أصغرها لأكبرها هي مايلهث العالم المتقدم خلفها لاعتمادها كحلول سحرية في الحياة، حيث يتم البحث عن المبدعين منذ مرحلة التعليم في الحضانة لاكتشافهم، وكمن يبحث "عن إبره في كوم قش" ونتيجة لأهمية المبدعين في تطوير الحياة واقتحام مشاكلها.. تصر الدول المتقدمة علي " تحريض الإبداع وتبنيه والإنفاق عليه وحماية حقوق مبدعيه، أما الدول المتخلفة فتعمل بكل حقد علي " كف" الإبداع ومنعه ومحاربته، ونظرة إلي أساليب تربيتنا، ومدارسنا وجامعاتنا، ومقار أعمالنا، وإدارتنا لبلادنا، ومؤخرا أسلوب فهمنا لديننا ، توضح حجم المأساة التي نعيشها والجهل الإبداعي الذي تم تغييبه عن عمد في بلدنا،رغم أن الإنسان المصري مبدع رغم أنف الجميع ، ثم إن الله هو البديع المبدع، الذي دعانا في ديننا المتفرد إلي اعتماد التفكير الإبداعي كمنهج وصيغة تفكير وتطوير لحياتنا! أما مصيبتنا بعد الثورة ، فهي في حكومتنا "غير المبدعة " وفي عودة الوجوه القديمة إلي المشهد مرة أخري، بنفس أشكالها وأنماطها وكبر أعمارها، وعجزها عن التفكير الإبداعي، وعلي رأسهم رئيس الوزراء وهو صاحب الحكومة النمطية التقليدية غير شابة- اللهم إلاأقلية رائعة من الوزراء منهم وزير الدفاع السيسي، والمهندس ابراهيم محلب وزير الإسكان ووزير الأوقاف د. محمد مختار - مما تسبب في تراجع الخدمات، وازدياد التصريحات وتكرار الظهور الوردي المُضلل في الإعلام.. فلا حل لمشكلة قديمة، ولافن في معالجة جديدة، ولاأمل في الخروج علينا بأحد الحلول العبقرية حتي لمشاكلنا العتيقة التي نخجل منها ! واقترح هنا أن تبدأ القيادة المصرية - لا الحكومة المصرية - في تفعيل صندوق الإبداع ، وأن يسمح بأن يتقدم إليه كل المواطنين المصريين المقيمين في الداخل والمصريون المغتربون في الخارج بأفكار إبداعية تمنحنا خاصية حل المشاكل المتوارثة والمتراكمة.. وأن يتم تبنيها وعرضها بشفافية كاملة علي الشعب بأكمله وبكل طوائفه دون تمييز فالفلاح ربما هو وحده قادر علي اكتشاف حل لتحسين محصوله ، والعامل علي تطوير ماكينة مصنعه، والطالب علي حل مسألة مستعصية علي الفهم، والجندي علي تطوير سلاحه، وبائع رغيف العيش لتغليفه بدلا من " مرمغته علي الأرض" وجامع القمامة علي تخليصنا بفكرة عبقرية من قمامتنا التي "فاحت" رائحتها عالميا، المهم أن نتيح الفرصة للمبتكرين، وأن نمنحهم براءة الاختراع في الوطن قبل أن تُسرق منهم في الداخل، وأن نتبني إبداعاتهم قبل أن تُخطف منهم في الخارج.. وإلا فلننتظر أن تمنحنا أمريكا سلاحا وتحرمنا في أوقات العقاب من قطع غياره.. أو أن تأتي لنا إسرائيل متخفية في ثوب الخبراء التربويين الأمريكيين لتنتزع من مناهج تعليمنا كل جودتها ووطنيتها ،أو أن تتطاول علينا دول منابع النيل فتحرمنا من مياه شربنا وزرعنا وصناعاتنا، أوأن يسلب منا الاتحاد الأوروبي أموال المعونات المُقدمة لنا منه قبل أن يجف حبر التوقيع علي اتفاقياته معنا، أوأن تأتي إمارة منزوعة القيمة والدسم في منطقتنا لتهيمن علينا بإعلامها، وأخيرا ان تأتي جماعة تكفيرية لتطفئ في عيوننا نور الحياة وتشوه صورة ديننا أمام العالم! مسك الكلام.. شعب محروم من الإبداع .. هو شعب محروم من التعاطي مع المستقبل!